تابعنا
كان أساس خطة التنمية المستدامة التي اعتُمدت عام 2015، الوصول إلى مستقبل أكثر إشراقاً، وأهدافها القضاء على الفقر والجوع وضمان التعليم الجيد والصحة والمساواة بين الجنسين والحفاظ على البيئة ومواجهة تغيّر المناخ وتعزيز السلام والعدالة والشراكة.

رغم أنّ العالم أصبح في عصر الانقلابات التكنولوجية والابتكارات الجديدة، فإنّ أهداف التنمية المستدامة ما زالت محجوبة خلف سحابة من التحديات والصراعات والأولويات المتضاربة.

فما التحديات التي تقف عائقاً أمام تحقيق أهداف التنمية؟ وهل هناك عدم اهتمام من صُنّاع السياسات في تحقيقها؟

بداية جديدة

كان أساس خطة التنمية المستدامة التي اعتُمدت عام 2015، الوصول إلى مستقبل أكثر إشراقاً، وأهدافها القضاء على الفقر والجوع وضمان التعليم الجيد والصحة والمساواة بين الجنسين والحفاظ على البيئة ومواجهة تغيّر المناخ وتعزيز السلام والعدالة والشراكة.

وحسب تقرير التنمية المستدامة على المستوى العالمي لعام 2023، وخلال قمة التنمية التي عُقدت في نيويورك (18- 19 سبتمبر/أيلول الجاري)، فقد وصل العالم إلى منتصف المدة التي حُددت لتنفيذ أهداف التنمية عام 2030، وأصبح بعيداً كل البُعد عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية في السنوات السبع المتبقية، وخلال القمة أُكد أنّ التغيير التدريجي والمجزّأ غير كافٍ لتحقيق الأهداف، والسبيل الوحيد لتسريع عجلة التقدم في تحقيق أهداف التنمية هو تعزيز التفاعل بين العلم والسياسة.

وأكدت القمة ضرورة تحقيق التقدّم على المستويين المحليّ والعالمي، واستخدام أساليب جديدة ومختلفة جذرياً لبلوغ الأهداف، كما حثّت الدول الأعضاء على مزج العمل المحلي بالتعاون الدولي، لتحقيق الاحتياجات والتطلعات وتعزيز القدرات المحلية.

فرغم إحراز بعض الدول تقدماً بسيطاً في تحقيق بعض الأهداف، فإنّ هناك أهدافاً تراجعت في تحقيقها.

ويذكر تقرير التنمية 2023، أنّ 13 هدفاً من أصل 17 هدفاً للتنمية بلغ مرحلة التقدم البطيء، لكنّها تحتاج للإسراع، كما أنّ التقدم في 10 منها كان محدوداً، فيما كانت 6 أهداف في مرحلة التدهور، ووصل هدفان إلى مرحلة قريبة من التحقق، وهما يتمثلان في رفع الوصول إلى شبكات الإنترنت، وزيادة الإنفاق على البحث والتطوير.

أما الأهداف التي سجّلت تراجعاً مستمراً، فأهمها تحقيق الأمن الغذائي وخفض انبعاث الغازات الضارة.

وتُظهر مؤشرات التنمية البشرية الرئيسية في البلدان منخفضة الدخل أنّ الوضع أسوأ بكثير مما كان عليه عام 2000، إذ أصبحت الوفيات بين الأمهات بعد الولادة أعلى بنحو 25%، وانخفضت نسبة السكان القادرين على الحصول على الكهرباء من 52% إلى 40%، ولا يتجاوز متوسط العمر المتوقع بين سكان هذه البلدان الآن 62 عاماً، وهذا بين أدنى المعدلات في العالم.

آثار جانبية للتنمية

على الرغم من أهمية تحقيق أهداف التنمية وأثرها الإيجابي في العالم، فإنّ هناك كثيراً من التأثيرات المقصودة أو غير المقصودة في أثناء تنفيذ أهداف التنمية.

ولقياس هذه التأثيرات يُعتمد على مؤشر الآثار الجانبية أو ما يُعرف بـ"مؤشر الامتداد الدولي"، حيث يمكن أن يكون لإجراءات كل دولة آثار إيجابية أو سلبية على قدرات البلدان الأخرى في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ويقيّم هذا المؤشر هذه الآثار غير المباشرة على ثلاثة أبعاد: الآثار البيئية والاجتماعية المتجسدة في التجارة، والاقتصاد والتمويل، والأمن. وتعني النتيجة الأعلى أنّ الدول تُسبب آثاراً جانبية أكثر إيجابية وأقل سلبية.

وفي الشكل البياني الذي اعتمد على تحليل بيانات مؤشر الامتداد الدولي (İnternational spillover index) ومؤشرات التنمية المستدامة للدول (SDG index)، نجد مثلاً أنّ إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حققت تقدماً أقل في تحقيق الأهداف مقارنةً بالمناطق الأخرى، لكنّها تسببت بآثار سلبية أقل عابرة للحدود.

وفي الشكل البياني الذي اعتمد على تحليل بيانات مؤشر الامتداد الدولي (İnternational spillover index) ومؤشرات التنمية المستدامة للدول (SDG index)، نجد مثلاً أنّ إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حققت تقدماً أقل في تحقيق الأهداف مقارنةً بالمناطق الأخرى، لكنّها تسببت بآثار سلبية أقل عابرة للحدود. (TRT Arabi)

وتُظهر المقارنة بين متوسّط درجات مؤشر التنمية المستدامة ودرجة مؤشر الامتداد الدولي، كيف أنّ البلدان التي تُعدّ أنّها تقدِّم أداءً جيداً فيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة، هي نفسها التي تعيق التقدم نحو تحقيق الأهداف التنموية في أماكن أخرى.

غياب الإرادة السياسية

ومنذ عام 2020، تسبب الكثير من الأزمات في إبطاء أو تأخير الوصول الى أهداف التنمية، أبرزها وباء كورونا وأزمات المناخ والحروب، والأزمات الاقتصادية، وغيرها، إذ تواجه دول كثيرة حول العالم فقراً وأزمات حادة، تتمثل في ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار الغذاء، لا سيّما بعد حرب أوكرانيا، حيث وصل التضخم أواخر عام 2022 إلى 89% في البلدان الأقل نمواً.

ويرى مراقبون أنّ افتقار الكثير من الدول إلى الإرادة السياسية والتركيز بشكل أكبر على المكاسب قصيرة الأمد، يُعد أحد الأسباب الرئيسية لتباطؤ التنمية المستدامة.

ويوضّح الدكتور أحمد ذكر الله، الخبير الاقتصادي ورئيس أكاديمية «أمم للبحوث والدراسات» في إسطنبول، أنّ السبب الرئيسي لعدم سعي الحكومات نحو التنمية المستدامة بشروطها المختلفة هو التكلفة الكبيرة التي ستؤديها هذه الاقتصاديات.

ويضيف الدكتور أحمد لـTRT عربي: "إذا طبَّقت (الدول) شروط تحقيق أهداف التنمية، ستزيد من تكلفة الإنتاج بصورة كبيرة، وبالتالي تقليص هوامش الأرباح للشركات الكبرى، كما أنّها ستعمل على انخفاض حجم وقيمة الصادرات التي ستُقدَّم من هذه الدول الكبرى إلى الدول النامية.

وحول ما جاءت به قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2023 وعزمها على تطبيق استراتيجيات مختلفة للإسراع بالوصول إلى أهداف خطة 2030 للتنمية، يرى الدكتور أحمد أنّه لا توجد أي مؤشرات على تحقيق التنمية المستدامة، لا في الأجل القريب (2030) ولا حتى في العقد القادم (2040).

ويبيّن أنّ السبب لازدياد الأمور سوءاً هي الأزمات المتلاحقة التي تضرب الاقتصاد العالمي بعد أزمة كورونا وما تبعها من ارتفاع لمعدلات التضخم العالمية وانخفاض جودة الحياة في كثير من الدول، إضافةً إلى أزمات اقتصادية مرتقبة في دول كانت عتيدة اقتصادياً مثل ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، وتراجع معدلات النمو.

ويلفت الدكتور أحمد إلى أنّ سؤال التنمية في الدول النامية أو الناشئة هو سؤال مؤجَّل إلى ما بعد الصراعات، وما دامت هناك قوى هيمنة عالمية تُشعل وتدعم استمرار هذه الصراعات، فإنّ سؤال التنمية إجابته إما غائبة كلياً، وإمّا مؤجَّلة حتى تنتهي هذه الصراعات.

وفيما يتعلق بالدول العربية وسعيها لتحقيق أهداف التنمية، يرى الباحث الرئيسي في مركز "جسور للدراسات"، خالد التركاوي، أنّ هناك بعض الدول العربية كالإمارات والسعودية اتخذت خطوات إيجابية في مجال تحقيق أهداف التنمية.

ويلفت في حديثه مع TRT عربي، إلى أنّ "هناك جهوداً كبيرة في هذه الدول، وتحسّناً في الوضع الاقتصادي، والانتقال من النفط لموارد أخرى، بالإضافة إلى قوانين جيدة للارتكاز على مراكز الأبحاث والجامعات والمؤسسات العلمية ومساهماتها في عملية صنع القرار".

لكن في المقابل، هناك دول عربية مثل لبنان وتونس والسودان وموريتانيا، والدول التي ما زالت عالقة في الحروب والنزاعات مثل اليمن وسوريا والعراق وليبيا، غير قادرة بالتأكيد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

أما فيما يخصّ اهتمام الدول بالكسب قصير المدى، فيقول التركاوي إنّ صُنّاع السياسات في الدول التي تعتمد الديمقراطية في سياستها فكرتهم الأساسية هي كسب الجمهور، وهذا يحتاج إلى برنامج سياسي يعتمد قرارات قصيرة الأمد، أي يجب تحقيق إنجازات خلال المدة المُحدّدة ليُنتَخبوا من جديد، وهذه مشكلة كبيرة لأنّها تُعيق تحقيق أهداف التنمية.

ويؤكد التركاوي أنّ دول العالمين الثاني والثالث -مع استمرار مشكلاتها السياسية والاجتماعية وبعض القضايا الاقتصادية- لن تستطيع تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الأجل القريب.

TRT عربي
الأكثر تداولاً