تابعنا
بينما تواصل إسرائيل جرائمها في فلسطين، تُسخر جيشاً رقمياً لمخاطبة الشباب العربي عبر وسائل التواصل الاجتماعي يردد آيات قرآنية وأحاديث نبوية، كالثعالب عندما ترتدي ثوب الواعظين وتُلبس الجلاد ثياب الضحية؟

صفحات وحسابات إسرائيلية عديدة تنشط باللغة العربية على منصات التواصل الاجتماعي تواصل على مدار الساعة بث رواية الاحتلال والترويج لها بين الشباب العربي وتستشهد بآيات قرآنية في غير موضعها، وتحظى هذه المنصات بتفاعل لا بأس به عربياً وإن كان في أغلبه تفاعلاً سلبياً أو للسخرية من رواية الاحتلال.

خبراء في الإعلام الرقمي يحذرون من خطورة أن تزرع إسرائيل أدوات لها بين الشباب العربي واستهدافهم بلغتهم بل ومن خلال ثقافتهم الإسلامية. فما خطورة ذلك على المدى الطويل؟ وكيف يمكن مجابهة ذلك؟

حسابات إسرائيلية تنشر آيات قرآنية للتلاعب بالرأي العام العربي (AA)

في هذا الإطار يرى بلال خليل المدير التنفيذي لمنتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال "تواصل" بتصريح خاص لـTRT عربي أن "الاحتلال يهدف إلى تهيئة الأجواء في الشارع العربي لتقبُّل فكرة أن إسرائيل دولة طبيعية بالمنطقة لا احتلالاً، وهذا من خلال تغيير ثقافة المجتمعات العربية عن دولة الاحتلال وتقديمها باعتبارها دولة ديمقراطية متقدمة بين دول العالم الثالث وبالتالي صناعة حالة من الإبهار لدى المواطن العربي بهذا الكيان".

كما تهدف إسرائيل حسب خليل إلى تجميل مسار التطبيع، مشيراً إلى تصريح سابق لوزير الحرب الإسرائيلي يقول فيه: "أحد أهم أهداف هذه الجولة من الحرب مساعدة ما سماها دول الاعتدال (دول التطبيع) بالمنطقة على تمرير وجهة نظرها إلى الشعوب، أي الترويج للتطبيع مع الاحتلال على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني".

ومن جانبه اعتبر الكاتب الصحفي ماهر حجازي | لاهاي في تصريح لـTRT عربي أن "الدعاية الإسرائيلية بالعربية محاولة خبيثة لاختراق الشعوب العربية وتمرير أكاذيب الاحتلال وحشد الدعم والتأييد لروايته التي تهدف في الأساس إلى عزل الشعب الفلسطيني عن محيطه العربي وجعل الصراع مع الاحتلال قضية الفلسطينيين وحدهم بفصلهم عن عمقهم العربي والإسلامي".

أما الناشط الفلسطيني والخبير في الإعلام الرقمي عبد اللطيف نجم فيقول لـTRT عربي: "الاحتلال لا يدخر وسعاً للوصول إلى الجمهور العربي، لذا فإنه ينشط أيضاً عبر أذرعه على المنصات الرقمية ويوظف لكل منصة ما يناسبها من الكوادر البشرية، للوصول إلى الجمهور العربي ومحاولة التأثير على موقفه من القضية".

وعن خطورة هذه الدعاية يقول بلال خليل: "بلا شك فإن تهيئة الشعوب العربية لقبول إسرائيل شعبياً أهم الأهداف، ورأس الحربة بهذا المخطط التطبيع الإعلامي باعتباره يمكن أن يساهم بكسر الحواجز النفسية لدى الشعوب وتعزيز الإجماع الشعبي للقبول بالاحتلال، إلا أن ما يؤكد أن الشعوب تقف حجر عثرة أمام هذا المسار ما صرح به نتنياهو قبل سنوات قريبة من أن العقبة في التطبيع ليست الأنظمة وإنما قبول الشعوب العربية بهذا التطبيع وتقبل فكرة التعايش مع إسرائيل".

ونصح خليل الجمهور العربي بعدم التفاعل مطلقاً مع مثل هذه المنصات ولا حتى التفاعل السلبي، وفيما يتعلق باستخدامهم أحاديث نبوية أو آيات قرآنية فهو من قبيل مخاطبة هذا الجمهور بما يفهمه، بل وحتى وسائل الإعلام الإسرائيلية الناطقة بالعربية ليس من الصحيح النقل عنها مباشرة من دون تفنيدها والرجوع إلى مختصين في السياسات والمضامين الإعلامية وكذلك المصطلحات المستخدمة.

وحول هذه النقطة أيضاً يقول الكاتب الصحفي ماهر حجازي: "كثيراً ما يقع الجمهور العربي الداعم للقضية الفلسطينية في خطأ غير مقصود من خلال مشاركة المنشورات الإسرائيلية باللغة العربية عبر السوشيال ميديا لإظهار الوجه الحقيقي للاحتلال لكنها تعتبر ترويجاً للدعاية الإسرائيلية بشكل غير مقصود، لذلك فالأولى عدم التعاطي معها لا من قريب ولا من بعيد بل مقاطعتها تماماً".

وهو ما يتفق معه أيضاً الناشط الفلسطيني عبد اللطيف نجم الذي يرى أن مجرد متابعة منصات الاحتلال دعم لمحتواها المضلل وسبب بزيادة التفاعل عليها، ولذا فالمقاطعة الإعلامية الرقمية يجب أن تكون شاملة، أي: مقاطعة المتابعة والتفاعل، بل ومجرد المشاهدة.

ويقسم نجم الجمهور العربي إلى فئات، إحداها وهي الأقلية تتبنى خطاب التطبيع مع الاحتلال بشكل كامل، وأخرى تعرف تماماً حقيقة دولة الاحتلال وتعي مضامين هذه الدعاية، أما الخطورة فتكمن بالفئة الثالثة إن وصل إليها هذا الخطاب وهي فئة محدودة الثقافة والمعرفة، ولعل هذا الخطاب موجَّه بشكل رئيس إليها للتأثير فيها وجعلها تتبنى روايته بمرور الوقت.

ويضيف نجم: "الاحتلال الإسرائيلي منذ بدايته عمل بشكل دؤوب على اختراق المجتمعات العربية لتجنيد من يستطيع الوصول إليهم أو على أقل تقدير إقناعهم بروايته و"مظلوميته" المزعومة، وأنه بجانب مسار مقاطعة منصات الاحتلال ينبغي فتح الباب أمام المحتوى العربي الذي يقدم حقائق الصراع ويكشف حقيقة المحتل.

خبير وسائل التواصل الاجتماعي الأردني خالد الأحمد شبَّه الدعاية الإسرئيلية بحصان طروادة وقال عبر فيسبوك عن متحدث جيش الاحتلال: "أي شخص يتابع أو يزور حسابه أو يشارك أو يعلق عنده فهو يساعده على نشر محتواه لجمهورنا، اعتبروا محتوى العدو حصان طروادة لا تدخلوه بيوتكم".

بدوره اعتبر عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين د. محمد الصغير في مقابلة مع قناة TRT عربي أن الدعاية الإسرائيلية التي تستخدم اللغة العربية وتردد الآيات القرآنية كالثعلب الذي يرتدي ثوب الواعظين، وأن دعاية الاحتلال هذه مجرد محاولة للتأثير بالرأي العام العربي بالسلب على حساب الوعي الواضح بالصراع وجرائم الاحتلال، وأضاف أنه لا ينبغي الترويج لما تنشره هذه المنصات التابعة للاحتلال، فهذه الآلة الإعلامية جزء من الحرب النفسية لا تقل عن المدفعية.

وقال د. الصغير: "لو كان جيش الاحتلال فعلاً يقدر قدسية القرآن والأحاديث النبوية التي يرددها ويستشهد بها متحدثه زوراً ما اعتدى على المصلين خلال رمضان".

يذكر أيضاً أن كتيب "التطبيع الإعلامي" الصادر عن منتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال" أوائل 2018 تناول بالتفصيل كيفية التعامل مع إعلام الاحتلال والمنصات التابعة له، وقدم دليلاً للصحفيين والمؤسسات الإعلامية حول التطبيع الإعلامي مع الاحتلال وخطورة هذا التطبيع.

فإذا كانت هذه الدعاية بالعربية تستخدم آيات قرآنية وأحاديث نبوية لقلب الحقائق ولي أعناق النصوص وتُلبس الجاني ثوب الضحية، فإن الشعوب تبقى عصية على التطويع ولم ينطلِ عليها ذلك لترضى بالتطبيع، فقد أظهر تقرير أعدته وزارة الشؤون الاستراتيجية والإعلام الإسرائيلية خلال أكتوبر/تشرين الأول 2020 في أعقاب التطبيع مع الإمارات والبحرين أن 90% من منشورات شبكات التواصل باللغة العربية كانت سلبية تجاه التطبيع.

TRT عربي