هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها دون مساعدة أمريكية؟ / صورة: AP (Evan Vucci/AP)
تابعنا

خلال تجمع انتخابي في ولاية كارولاينا الجنوبية، يوم السبت، توعد المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية دونالد ترمب، بأنه في حال عودته إلى البيت الأبيض، قد "يشجع" روسيا على مهاجمة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي لا تفي بالتزاماتها المالية.

وأتى هذا في معرض إشارة ترمب إلى محادثة أجراها مع أحد رؤساء دول الناتو، دون أن يذكر اسمه، قائلاً: "وقف رئيس دولة كبيرة وقال: حسناً يا سيدي، إذا لم ندفع وتعرضنا لهجوم من روسيا، هل ستحموننا؟ فقلت: لم تدفع إذن أنت متأخر في السداد. لا، لن أحميك، بل سأشجعهم على فعل ما يريدون. عليك أن تدفع. عليك أن تسدد فواتيرك".

وأثارت هذه التصريحات ردود فعل من الدول الأوروبية العضوة في الناتو، معتبرة إياها تهديداً بزعزعة قواعد الحلف. بالمقابل، يعيد ظهور ترمب الأخير إلى الأنظار المأزق الاستراتيجي الذي تعاني منه أوروبا، في اتكالها على واشنطن للدفاع عنها. كما تطرح أسئلة حول مدى قدرة دول القارة على الدفاع عن نفسها دون مساعدة أمريكية.

ما خلفية تصريحات ترمب؟

ليست هذه المرة الأولى التي يهدد فيها ترمب بالتخلي عن حلفائه الأوروبيين، بل وخلال لقائه رئيسةَ المفوضية الأوروبية في مؤتمر دافوس، عام 2020، قال لها: "يجب أن تفهموا أنه إذا تعرضت أوروبا للهجوم، فلن نأتي أبداً لمساعدتكم ودعمكم" .

وأضاف ترمب الذي كان لا يزال وقتها رئيساً: "على أية حال، لقد مات الناتو، وسوف نغادر، سوف نترك الحلف وبعد ذلك، ستكونون مدينين لي بمبلغ 400 مليار دولار، لأنكم أيها الألمان لم تدفعوا ما كان ينبغي أن تدفعوه مقابل دفاعنا عنكم".

وتأتي هذه التصريحات في سياق تأخر النصف الأكبر من الدول الأوروبية عن الاستجابة لمتطلبات الإنفاق العسكري التي يفرضها حلف الناتو على أعضائه، والتي تقدر بـ2% من الناتج الداخلي لكل عضو.

وفي العام الماضي، لم يستجب سوى 11 دولة من الناتو لهذه المتطلبات المالية، في حين تخلفت 13 دولة من الاتحاد الأوروبي عن الإنفاق، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

وجادلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، بأن الغرض من تصريحات ترمب "لم يكن التنمر على هؤلاء المتقاعسين"، بل كان يكشف عن "العنصر الأكثر تطرفاً في رؤيته الانعزالية للسياسة الخارجية الأمريكية"، والتي يلخصها في شعار "أمريكا أولاً".

وأثارت تصريحات ترمب الأخيرة امتعاضاً واسعاً في الأوساط الأوروبية، بداية برئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، الذي وصف ما قاله المرشح الرئاسي الأمريكي بأنه "تصريحات متهورة لا تخدم سوى مصالح (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين".

وفي السياق ذاته، حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، من أن هذه التصريحات "تقوض أمننا". وقال في بيان يوم الأحد: "أي اقتراح يمتنع بموجبه الحلفاء عن الدفاع عن بعضهم يقوض أمننا جميعاً، بما في ذلك الولايات المتحدة، ويعرض الجنود الأمريكيين والأوروبيين لخطر متزايد".

وفي زيارة إلى قبرص، يوم الاثنين، قال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير: "إن هذه التصريحات ليست مسؤولة، وهي تساعد روسيا". كما اعتبر رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك، أن ما قاله ترمب لا يدع أمام الأوروبيين بديلاً سوى "الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم".

هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها دون مساعدة أمريكية؟

وتضع الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة قادة الدول الأوروبية أمام مأزق دفاعي كبير، ذلك لاعتماد القارة على الولايات المتحدة الأمريكية في الدفاع عنها، في وقت يتجه فيه الجمهوريون بقيادة ترمب إلى تقليص الارتباط الدفاعي بالاتحاد.

وهو ما يؤكده كارين فون هيبل، المدير العام لـ"المعهد الملكي للأجهزة المتحدة" (مؤسسة بحثية بريطانية)، بالقول: "أعتقد أن القادة في جميع أنحاء القارة يدركون أكثر ما يمكن أن يعنيه ذلك (تصريحات ترمب) هذه المرة، وحتى إذا فاز بايدن فإنهم يعلمون أن الكونغرس ربما لا يزال يعاني من خلل وظيفي".

وسبق أن حذّر مفوض السوق الداخلية الأوروبي تييري بريتون، في يناير/كانون الثاني الماضي، من صعود "الترمبية" في الولايات المتحدة الذي أعاد التهديد المكشوف بفك الارتباط العسكري الأمريكي مع القارة العجوز وأثار المخاوف الدفاعية على الجانب الأوروبي.

ويعد الجيش الأمريكي أكبر قوة في حلف الناتو، إذ يضم أكثر من 1.3 مليون فرد عسكري نشط، مع ما يقرب من 800 ألف جندي احتياطي، ومجهز بأحدث تكنولوجيات العتاد العسكري، كما بقوة هجوم نووية كبيرة جداً تقدر بنحو 5244 رأساً نووياً.

في حين تبقى الجيوش الأوروبية أقل بكثير من حيث التعداد، مقارنة بالجيش الأمريكي، إذ هناك ثلاث دول يفوق تعداد قوتها العسكرية 150 ألف جندي عامل: فرنسا بنحو 205 ألف، وألمانيا بنحو 184 ألف، وإيطاليا بـ 170 ألف جندي.

كما تعاني الجيوش الأوروبية من مشاكل عدة، أهمها ضعف الانفاق على العتاد والذخيرة. وبحسب أرمين بابيرغر، رئيس شركة راينميتال، أكبر شركة دفاعية في ألمانيا، فإنه أوروبا "تحتاج إلى 10 سنوات من أجل أن تصبح قادرة على الدفاع عن نفسها".

واستنزفت الحرب في أوكرانيا مخازن الذخيرة الأوروبية، وأكد بابيرغر هذا الواقع، بالقول: "مخازن الذخيرة الأوروبية اليوم فارغة، وعلينا أن ننتج 1.5 مليون طلقة (من الذخيرة) لملء المخزون، وهو ما قد يستغرق 5 سنوات على الأقل".

وفي شهر ديسمبر/كانون الثاني الماضي، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال، عن أن فرنسا التي تعد ثاني أكبر دولة أوروبية من حيث الإنفاق العسكري، تمتلك أقل من 90 قطعة مدفعية ثقيلة، وهو ما يعادل ما تخسره روسيا كل شهر تقريباً في ساحة المعركة في أوكرانيا.

وتضيف الصحيفة الأمريكية أن دولة أوروبية كالدنمارك لا تمتلك مدفعية ثقيلة أو غواصات أو أنظمة دفاع جوي. وأن ما لدى الجيش الألماني من ذخيرة لا يكفي إلا لمدة يومين من المعركة.

بالمقابل، أضعفت سنوات ضعف الإنفاق العسكري الصناعات الدفاعية الأوروبية. وحسب أستاذ دراسات الحرب في جامعة وارويك، فإن أوروبا "جردت نفسها من السلاح بشكل منهجي لأنها لم تكن بحاجة إلى إنفاق الأموال".

وما يزيد من مشاكل أوروبا الدفاعية أن إنعاش هذه الصناعة العسكرية يتخذ وتيرة بطيئة، بسبب التباطؤ الذي يشهده اقتصاد القارة، نتيجة تضخم أسعار الطاقة بعد الحرب في أوكرانيا وتبعات الإغلاق الاقتصادي في فترة كورونا.

TRT عربي
الأكثر تداولاً