تابعنا
منذ انطلاق قطار التطبيع العربي مع إسرائيل، تتالت التوقعات والترجيحات عن الدول العربية التي يمكن أن تنضمّ إليه خلال الفترة القادمة. ورغم أنه كان مستبعداً، إلا أن تونس ستكون المحطة المقبلة إن صحّت في ذلك التسريبات الإسرائيلية.

فاقمت الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيّد يوم 25 يوليو/تموز الماضي، بحلّ حكومة هشام المشيشي وتعيين حكومة نجلاء بودن مؤخراً بدلاً منها، وتجميد أعمال كافة لجان البرلمان، من المتاعب الاقتصادية لتونس.

وتعيش على وقع أسوء أزمة اقتصادية غير مسبوقة، زاد في حدّتها امتناع الدول المانحة وصندوق النقد الدولي عن مساعدتها في تخفيف وطأة هذه الأزمة التي أوصلت البلاد إلى حافة الانهيار، وذلك في ظلّ الاتهامات التي تطال السلطة الحالية بانتهاك الحريات والانقلاب على الديمقراطية والأوضاع الدستورية في البلاد.

وبينما تسدّ المنافذ أمام قيس سعيّد في إنقاذ الاقتصاد الذي سيُكسبه مزيداً من التأييد الشعبي للمضي قدماً في توجهاته ومساراته الحالية، ترجّح آراء مراقبين ومحللين أنه ربما قد يلجأ في النهاية إلى قبول تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. وتزامنت هذه الترجيحات مع التسريبات المتتالية من تل أبيب، والتي تؤكد انضمام تونس خلال الفترة القليلة القادمة، إلى قافلة الدول العربية المطبعة معها.

هل ينقض سعيّد وعوده؟

"التطبيع خيانة عظمى.. وكل من يتعامل مع كيان محتل شرد شعباً كاملاً طيلة أكثر من قرن من الزمن، هو خائن، ويجب أن يُحاكم بتهمة الخيانة العظمى"، بهذه الكلمات عبّر الرئيس التونسي قيس سعيّد عن موقفه من تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، وذلك خلال الدور الثاني من المناظرة الانتخابية التي خاضها ضد منافسه آنذاك نبيل القروي. ولقيت تصريحات سعيّد في ذلك الوقت احتفاءً شعبياً وعربياً كبيراً، اعتبرته بمثابة التعهد والميثاق الذي سيلتزم به أمام ناخبيه، خلال فترة حكمه.

ومن الكلام الذي خاطب به مشاعر التونسيين، إلى ساحة الفعل السياسي الواقعي، تغيّرت تصريحات الرئيس التونسي نوعاً ما فيما يتعلق بملف التطبيع.

فعند إعلان بعض الدول العربية وفي مقدمتها في ذلك الوقت الإمارات، تطبيعها العلاقات مع إسرائيل، اعتبر قيس سعيّد ذلك قراراً سيادياً وشأناً داخلياً للدول، لا يتدخل فيه، دون أن يدين ذلك. وشدد في المقابل على ضرورة وقف المجازر الإسرائيلية في حق الفلسطينيين، وذلك عقب العدوان الأخير على غزة في مايو/آيار الماضي، والذي أثار قضية تجريم التطبيع في البرلمان التونسي من جديد.

ورغم اتفاق غالبية الأطياف والتيارات السياسية وممثلي السلطة على تجريم التطبيع، واعتبار ذلك مسألة غير مطروحة انطلاقاً من موقفها المبدئي في ذلك وسياستها الديبلوماسية، تُثار القضية من جديد، بعد التصريح الإعلامي الأخير لوزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس الذي أكد فيه أنّ: "تونس لا تعتبر إسرائيل عدواً لها، بل بالعكس نحن أول دولة عربية في التاريخ قلنا إن أنسب وأسلم السياسات العربية هي التفاوض مع إسرائيل على أساس قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة".

وتزامنت تصريحات ونيس المتناقضة مع الموقف الثابت الذي لطالما عبّرت عنه الخارجية والديبلوماسية التونسية في معاداة التطبيع وتجريمه، مع تسريبات حصرية نقلتها صحيفة معاريف العبرية، عن الوزير الإسرائيلي عيساوي فريج، يكشف فيه أنّ دولاً جديدة ستنضم للتطبيع قريباً ومنها تونس.

واشتدت على ضوء هذه التصريحات والتسريبات، الانتقادات المستنكرة لتصريح ونيس. وقد نشرت الحملة التونسية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل تدوينة على صفحتها الرسمية على فيسبوك قائلة إنّ "أحمد ونيّس هو المهندس الرئيسي لتطبيع نظام بن علي مع إسرائيل، وقد اعترف في مداخلة على إذاعة "ديوان FM" يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019، بأنه هو من اختار خميس الجهيناوي وأرسله إلى تل أبيب (لافتتاح مكتب تونس في تل أبيب الذي ترأسه لفترة)".

فيما كتب الحقوقي التونسي ورئيس حزب المجد عبد الوهاب الهاني: "تصريح ونيس غريب وفي توقيت مريب، وعلى وزارة الخارجية دعوة المسؤولين السابقين إلى الالتزام بواجبات التحفّظ وعدم التشويش على مواقف تونس وثوابتها".

أما ماهر عباسي، القيادي السابق في حزب تحيا تونس فقد شدد من جانبه قائلا: "أنا أنتظر من سيادة الرئيس أن يسحب جواز سفر ونيس الدبلوماسي ويأمر وزيرة العدل أن تفتح تحقيق ضده.. هذا اسمه تطبيع والتطبيع خيانة كما قال الرئيس".

ضغط مالي

لم يُخفِ التنديد الشديد والانتقادات الحادة لتصريحات أحمد ونيس وتسريبات تل أبيب، على لسان ناشطين وسياسيين، المخاوف الحقيقة المتزايدة لدى الشارع التونسي، من أن تقبل تونس في نهاية المطاف بتطبيع العلاقات مع إسرائيل تحت مسيس الحاجة لإنقاذ وإنعاش الاقتصاد التونسي الذي يوشك على الانهيار.

وكانت قد قدّرت الجهات الرسمية أن قيمة العجز المالي في تونس بلغت نحو 11.5% نهاية عام 2020، إضافة إلى تسجيل انكماش للاقتصاد بنسبة 8.8%، وتحتاج إلى اقتراض نحو 7.2 مليار دولار، بينها نحو 5 مليارات في شكل قروض خارجية.

ويبدو أن هذا الاعتقاد لدى المحللين والمراقبين قد ترسّخ قليلاً مع انطلاق مفاوضات وُصفت بـ"المتقدمة" بين تونس والإمارات، التي تقود موجة التطبيع العربي، وذلك لتأمين موارد الدولة والأجور.

وقد صرّح بهذا السياق، المدير العام للتمويل والمدفوعات الخارجية في البنك المركزي عبد الكريم لسود: "سيُفتح الباب لتعبئة موارد الدولة عن طريق التعاون الدولي"، وكشف لسود لاحقاً وجود مناقشات متقدمة مع الإمارات في ذلك.

ومع غياب أي موقف رسمي إزاء التصريحات الجدلية لونيس وتصريحات عيساوي فريج الإسرائيلي، لا تزال المخاوف قائمة لدى بعض الناشطين من أن ترتمي تونس في أحضان التطبيع، سعياً لتجاوز أزمتها الاقتصادية. فيما ينفي سياسيون وناشطون هذه الاحتمالية التي تتعارض مع الموقف الشعبي والموقف الرسمي الذي سبق أن عبّرت عنه تونس.

TRT عربي