تابعنا
تزامناً مع تصاعد التوتر بين الجزائر وفرنسا، انطلقت مؤخراً تدريبات عسكرية مشتركة بين روسيا والجزائر في حوض المتوسط، والتي من المتوقع أن تستمر إلى يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ما اعتبره كثيرون بمثابة رسالة مباشرة إلى باريس.

سعياً منها لاستعادة نفوذها السياسي والعسكري في إفريقيا، الذي كان قد تراجع مع انهيار الاتحاد السوفييتي قبل عقود، تقود موسكو منذ عام 2018 سياسة خارجية أكثر انفتاحاً في الملفات والتحولات الإفريقية، مزاحمة في ذلك فرنسا التي لطالما اعتبرت هذه المنطقة، امتداداً جيوستراتيجياً لها.

وفي هذا السياق صرح الرئيسي الروسي فلاديمير بوتين، خلال أول قمة روسية-إفريقية انعقدت في سوتشي، أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2019 قائلاً : "إن تقوية العلاقات مع البلدان الإفريقية تعد إحدى أولويات السياسة الخارجية الروسية"، معلناً في الأثناء عن استثمارات كبيرة في عدة مجالات وشراكات مع عدة بلدان إفريقية.

وفي الوقت الذي بدأ فيه الوجود الفرنسي يتآكل في منطقة الساحل الإفريقي مقابل تمدد النفوذ الروسي، اشتعل فتيل أزمة دبلوماسية مع الجزائر بلغ ذروت خلال الفترة الأخيرة، ويبدو أن روسيا على غرار بقية اللاعبين الإقليميين المتزاحمين على القارة السمراء لن تفوت فرصة استثمار الخلاف لبناء تحالف وشراكة مع بلد تطمح أن يكون بوابتها نحو إفريقيا.

تعاون عسكري واستراتيجي

بالرغم من أن علاقة التعاون بين الجزائر وروسيا ليست بالجديدة، إلا أنها شهدت تطوراً ملحوظاً على مختلف الأصعدة خلال الفترة الأخيرة، استدعى انتباه الكثيرين، ورجح احتمال استثناء الجزائر لفرنسا من دائرة التحالفات الرئيسية لها، مقابل تمتين العلاقات وتطويرها مع روسيا، بخاصة مع احتدام الخلاف بين باريس والدولة المغاربية مؤخراً.

ويبدو أن آخر مناورة عسكرية مشتركة بين القوات الروسية والقوات الجزائرية في حوض المتوسط، قد تلقفها صناع القرار الفرنسي بمثابة التنبيه والرسالة المباشرة على انكفاء الدور الفرنسي في هذه المنطقة مع بداية التمدد الروسي، رغم أنها لم تكن المناورة الأولى حيث قد نظمت أيضاً البحرية الروسية والجزائرية مناورة سابقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

ووفق ما أشارت إليه وزارة الدفاع الجزائرية في بيان رسمي فإنه : "قد وصلت مفرزة سفن حربية للبحرية الروسية تتكون من الفرقاطة "الأميرال غريغوريفيتش" والطواف "دميتري روغاتشيف" وزورق الإنقاذ "أس بي 742"، التي تتبع الأسطول البحري الروسي الدائم في البحر الأبيض المتوسط، إلى ميناء الجزائر، للمشاركة في مناورات مشتركة مع البحرية الجزائرية تحت عنوان "المناورة البحرية المشتركة 2021"، والتي تستمر حتى 20 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي."

وتندرج التدريبات العسكرية المشتركة بين القوتين في حوض المتوسط، في إطار التعاون العسكري والاستراتيجي المتفق عليه بين البلدين. وكان وفد عسكري روسي قد زار العاصمة الجزائرية خلال سبتمبر/أيلول الماضي، لبحث التعاون الثنائي في المجال العسكري التقني مع الجزائر. واستضافت لاحقاً عقب هذه الزيارة، المنطقة العسكرية الجنوبية لروسيا الاتحادية، نحو 80 جندياً من الجيش الجزائري للتدريبات المشتركة مع الجنود الروس، وذلك لأول مرة.

ويعتبر خبراء ومحللون، في ذلك تحولاً سريعاً في نسق التعاون العسكري المشترك بين البلدين الذين يبدو أنهما يتجهان نحو مزيد من تطوير العلاقة في ظل التحولات الإقليمية الأخيرة.

فعلى الصعيد ذاته تعتبر الجزائر أيضاً من بين أهم مستوردي الأسلحة العسكرية الروسية، وتحتل في ذلك المرتبة الثالثة عالمياً. وقد أبرمت أول اتفاقية عسكرية ضخمة في عهد بوتين مع الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة عام 2006 بقيمة 7.5 مليار دولار مقابل شطب الديون الجزائرية حينها إلى روسيا، عقبها بعد ذلك وإلى اليوم إبرام العديد من الاتفاقيات الأخرى في قطاعات الصناعات الدفاعية والعسكرية وقطاع النفط والغاز والمناجم والنقل والصحة.

فرنسا تخسر أكبر سوق للحبوب

أما على الصعيد الزراعي، فبعد أن كانت فرنسا المورد الرئيسي الذي يزود الجزائر بحاجتها من القمح، تسللت روسيا مؤخراً إلى هذا السوق الضخم، عارضة في الأثناء أسعاراً تنافسية مع فرنسا ومغرية للجانب الجزائري.

وفي الوقت الذي بدأت فيه الجزائر تسعى فعلياً إلى التخلص من الاستحواذ الفرنسي المستمر منذ عقود في مختلف القطاعات الحيوية، قرر البلد الإفريقي تغيير شروط استيراد القمح والانفتاح على أسواق أوروبا الشرقية.

واعتبرت المناقصة الأخيرة التي أعلنت عنها الجهات الرسمية في الجزائر ضربة للفلاحين الفرنسيين وللسلطات الفرنسية.

ووفق ما أعلنت عنه وسائل إعلامية محلية جزائرية فقد دخلت 4 شركات روسية وأوكرانية قائمة مورّدي القمح إلى الجزائر، بهدف "الانفتاح على أسواق أوروبا الشرقية والتخلّص من الهيمنة والاحتكار الفرنسي".

روسيا منافس لفرنسا في الجزائر

تعيش اليوم فرنسا أحلك فتراتها في مناطق نفوذها الإفريقي السابقة، وذلك مقابل التمدد والحضور القوي لروسيا في المنطقة، سواء عبر المليشيات الروسية "فاغنر" المنتشرة في الساحل الإفريقي، أو عبر إبرام عدة اتفاقيات عسكرية واستراتيجية وتطوير الشراكات المختلفة مع عدة أقطاب ودول افريقية، لطالما امتعضت من الاستنزاف والاستحواذ الفرنسي لها منذ عقود، حتى بعد حصولها على الاستقلال.

وبينما شهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا توترات شديدة خلال الفترة الماضية انتهت بإغلاق الجزائر أجواءها أمام الطائرات الفرنسية المتجهة إلى الساحل الإفريقي ورفض الرئيس الجزائري زيارة باريس لحضور مؤتمر فرنسا حول الملف الليبي بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يرجح خبراء ومحللون أن موسكو لن تفوت الفرصة في ملء الفراغ الفرنسي وتمتين علاقتها وتطويرها مع الجزائر، التي ستسعى روسيا لتكون بوابتها نحو القارة السمراء التي تزخر بالموارد والثروات وتعزز من قوة ونفوذ اللاعبين الإقليميين المتنافسين.

TRT عربي