كيف تعرقل فرنسا خطط أوروبا للحد من التلوث؟ / صورة: AP (Matt Rourke/AP)
تابعنا

جرى سحب قانون الاتحاد الأوروبي للتحول الطاقي، والذي أطلق عليه اسم "توجيه الطاقة المتجددة"، من على طاولة تصويت، كان من المزمع عقده يوم الأربعاء. ذلك بعد اعتراض باريس عليه في اللحظة الأخيرة، مطالبةً بضمانات أوروبية بشأن اعتماد الهيدروجين المُصنّع بالكهرباء النووية كطاقة خضراء.

فيما تدخل هذه التحركات الفرنسية، في إطار ضغط البلاد المتواصل لإلحاق الطاقة النووية، ومشتقاتها الطاقية الأخرى، للائحة الأوروبية للطاقات البديلة الأوروبية. وفي هذا الإطار، يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر زيارته المرتقبة لبرلين، لحشد الدعم الألماني في هذا الصدد.

باريس "تلعب برعونة"

وأعلنت القيادة السويدية الحالية لمجلس الاتحاد الأوروبي، يوم الأربعاء، أنه جرى سحب التصويت المرتقب على "توجيه الطاقة المتجددة" للاتحاد الأوروبي، والذي تطمح من خلاله الكتلة إلى إنقاص انبعاثاتها من الكربون بالنصف بحلول عام 2030، وبلوغ الحياد الكاربوني بحلول 2050.

وحسب ما أوردته وكالة الأنباء الألمانية، فإن عرقلة التصويت النهائي على التوجيه يأتي في إطار "تكتيك" تقوده فرنسا، والدول الحليفة لها في هذا الملف، للضغط على الكتلة من أجل الحصول على ضمانات بشأن اعتماد الهيدروجين المُصنّع بالكهرباء النووية.

ومن جانبه، غرّد المندوب النمساوي في الاتحاد الأوروبي جريجور شوسترشيتس، قائلاً: "من المؤسف أنه تعين علينا حذف مثل هذا الموضوع المهم من أجندة (اجتماع المجلس) آمل أن نتمكن قريباً من تبني هذه القطعة المهمة من حزمة قوانين الانتقال الطاقي الخاصة بنا".

وجاء الاتفاق الذي كان من المزمع إخضاعه للتصويت، بعد أشهر من المفاوضات المتوترة. إذ سعت فرنسا، بدعم من دول الاتحاد الأوروبي الشرقية، إلى الضغط للاعتراف بالهيدروجين المنتج من الطاقة النووية. ونجحت في الحصول على تسوية، غير أنها ترغب الآن في ضمانات أكبر لعدم منافسة الهيدروجين الأخضر نظيره المنتج بالطاقة النووية.

وتنص التسوية بشأن الهيدروجين، على أن الهيدروجين المستخدم في الصناعة يجب أن يأتي من 42% من مصادر متجددة بحلول عام 2030 و60% بحلول عام 2035.

وحسب ما نقل موقع "يوراكتيف"، على لسان دبلوماسي أوروبي مُطّلع على المفاوضات، فإن فرنسا تلعب "لعباً أرعن" من أجل الحصول على تنازلات إضافية. وأورد دبلوماسي أوروبي آخر، للموقع ذاته، بأن التحرك الفرنسي الأخير جعل من قانون حماية البيئة "رهيناً لمصالحة فرنسية ضيقة".

بالمقابل، بررت فرنسا موقفها، بمخاوف تتعلق بالطاقة النووية ومكانتها في توجيه مصادر الطاقة المتجددة. وقال مصدر فرنسي قريب من الملف لـ "يوراكتيف"، إن باريس "دافعت طوال المفاوضات عن الحياد التكنولوجي للنص، حتى لا يجري وضع الطاقة النووية والمتجددة في منافسة" ضد بعضهما البعض.

ماكرون سفيراً للطاقة النووية الفرنسية

وفي سياق التجاذبات الأوروبية حول قانون التحول الطاقي الأوروبي ذاته، من المرتقب أن يشد الرئيس الفرنسي الرحال إلى برلين، مطلع شهر يونيو/حزيران الجاري، في زيارة على رأس جدول أعماله فيها، التفاوض مع الحكومة الألمانية لدعم مصالح طاقته النووية في نص "توجيه الطاقة المتجددة" الأوروبي.

وتراهن باريس على الطاقة النووية لتصبح أحد البدائل الأوروبية عن مصادر الطاقة الأحفورية، وبذلك تعزز مكانتها الاقتصادية في تكتل الـ27.

وكانت فرنسا قد أطلقت فرنسا استثمارات ضخمة في تطوير وتوسيع قدراتها لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة النووية. وتملك البلاد حالياً نحو 56 محطة نووية، وتتصدر الإنتاج الأوروبي بإجمالي يعادل 61 غيغاوات. وسبق أن أعلن الرئيس ماكرون، في فبراير/شباط 2022، برنامجاً لبناء 6 محطات نووية جديدة بحلول 2050، أولاها ستدخل الخدمة عام 2035.

ومن الصعب الجزم بحدوث توافق فرنسي-ألماني حول ملف إدراج الطاقة النووية في اللائحة الأوروبية لمصادر الطاقة الخضراء. ويرجع ذلك لعدة عوامل، أهمها موقف برلين وحكومتها الفيدرالية المعارض لهذه الطاقة، إذ سعى شولتز منذ توليه حكم البلاد إلى إنجاح الطلاق مع الكهرباء النووية.

وفي منتصف أبريل/نيسان الماضي، أعلنت ألمانيا إغلاقها آخر ثلاث محطات نووية لتوليد الطاقة في البلاد، والقطع مع حقبة دامت نحو 60 سنة. حظي قرار الخروج بشعبية كبيرة، إذ تنشط في ألمانيا حركة قوية مناهضة للطاقة النووية، بسبب المخاوف المستمرة من حدوث نزاع أشبه بالحرب الباردة، إضافة إلى الكوارث المرتبطة بهذا المصدر الطاقي.

وكانت فرنسا قد حثت برلين مراراً على التخلي عن هذا الموقف المعادي للطاقة النووية. وفي وقت سابق، شهر أكتوبر الماضي، قال الوكيل الوزاري لبرنامج تعزيز وتجديد القدرات الطاقية النووية في فرنسا، جويل بار، منتقداً الموقف الألماني: "لا أفهم موقف ألمانيا لأنني لا أعتقد على الإطلاق أنه حتى منتصف القرن سيكونون قادرين على تنفيذ استراتيجية خالية من الكربون تعتمد فقط على مصادر الطاقة المتجددة".

بالمقابل، كانت فرنسا مارست نفس المعارضة لسعي ألمانيا لتمرير الوقود التركيبي مصدراً نظيفاً للطاقة في اللوائح الأوروبية، إنقاذاً لقطاع صناعة السيارات الذي يمثل أحد الأعصاب الحيوية لاقتصادها. ووقت أن كانت برلين تفاوض لإقناع نظرائها الأوروبيين بقبول مطلبها، وقفت باريس ضدها، بل وحذّر وزير النقل الفرنسي كليون بون مما وصفه بـ"مخاطر" ذلك النوع من الوقود.

إضافة إلى هذا، يثير النهج الحمائي الذي تنهجه الحكومة الفرنسية امتعاض ألمانيا، إذ عرقلت باريس، لوقت طويل، التقدم في إنجاز خط أنابيب الغاز "ميدكات"، الذي يربط شبه الجزيرة الإيبيرية بشمال أوروبا. وتعول ألمانيا على هذا الخط ليكون البديل لـ "نوردستريم 2"، بعد أن أصبحت واردات الغاز الروسي غير مأمونة، عبر تمكينها من الاستفادة من الغاز والهيدروجين الأخضر القادم من شمال إفريقيا.

TRT عربي