يدعي موقع بروبابليكا Propublica الأمريكي أن 25 شخصاً من أغنى أغنياء الولايات المتحدة قد تلاعبوا بالنظام الضريبي الأمريكي. وتمكنوا عبر اعتماد استراتيجيات وخطط مختلفة من التهرب من دفع القيمة الحقيقية للضرائب المترتبة على ثرواتهم، ومنهم من لم يقم بدفع الضرائب.
وتأتي مزاعم بروبابليكا انطلاقاً من تحليل كم هائل من بيانات تم تسريبها عن دائرة الإيرادات الداخلية، وأن الموقع يعتزم نشر المزيد من التفاصيل في الفترة المقبلة، وسط اعتراضات ومخاوف من انتهاك خصوصية الأفراد.
تهرب ضريبي بغطاء قانوني
أظهر تقرير بروبابليكا Propublica أن أباطرة أمريكا استفادوا من ثغرات القانون الضريبي ونفذوا من تدقيق المراجعين الفيدراليين، وتمكنوا من تجنب دفع فواتير ضريبية تقدر قيمتها بمليارات الدولارات وذلك طيلة سنوات.
واستناداً إلى الأرقام التي نشرتها مجلة فوربس Forbes الأمريكية، وعرضها تقرير بروبابليكا الاستقصائي، فإن 25 ثرياً أمريكياً من بينهم جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون وإيلون ماسك ووارن بافيت ومايكل بلومبيرغ، بلغت ثرواتهم من سنة 2014 إلى سنة 2018 نحو 401 مليار دولار، لم يدفعوا منها إلا ما مقداره 13.6 مليار دولار وهي نسبة بسيطة جداً مقارنة بالثورة الطائلة التي تمكنوا من تحقيقها وما يترتب عليها من ضرائب. إلا أن الصادم في الأمر أن هذا التهرب من دفع القيمة الحقيقية تم بشكل قانوني، حيث يعتمد الأثرياء على استراتيجية عرفت في الدوائر الضريبية باسم الشراء، الاقتراض، الموت.
ويبرز التقرير كيف تمكن هؤلاء من الاحتفاظ بثرواتهم وذلك عبر الحصول على قروض مقابل الأسهم والعقارات، وهي أصول لا تخضع للضريبة، التي تفرض أساساً على دخل الأفراد حسب ما حدده القانون الضريبي الأمريكي، ومقابل ذلك يتمكنون من دفع فائدة للبنك أقل قيمة ممَّا يدفعونه للحكومة في ضريبة الدخل.
وبذلك تبدو هذه الاستراتيجية مذهلة، وتجعل من الأثرياء أكثر ثراء، في حين أنه تضطر الطبقة المتوسطة من الأمريكيين في الوقت ذاته إلى دفع فواتير ضريبية تحرمهم من توسيع ثروتهم البسيطة.
حيث عرض التقرير زيادة صافي ثروة الطبقة المتوسطة في الفترة ما بين 2014 و2018 إلى نحو 65 ألف دولار، ويرجع ذلك إلى ارتفاع قيمة منازلهم، ولكن الفواتير الضريبية المترتبة على أجورهم بلغت نحو 62 ألف دولار خلال السنوات الخمس.
يبدو الأمر مجحفاً لدى الكثيرين، خاصة أمام الضرائب الضئيلة التي يدفعها عمالقة المالية الأمريكية، إذ كشف تقرير بروبابليكا أن بيزوس مثلاً لم يدفع سنة 2007 أي ضريبة على الدخل رغم أنه كان آنذاك مليارديراً وأغنى أغنياء العالم، وتكرر الأمر سنة 2011 و2018 مرة بالإعلان عن دخل ضئيل ومرة بإعلان خسارة الأموال.
الأمر ذاته تكرر مع الملياردير جورج سوروس الذي صرح بخسارة أموال على استثماراته سنتي 2016 و2018، ممَّا جعله غير مدين بدفع ضرائب على الدخل، وغيرها من الأسماء التي توخت أساليب مماثلة للحفاظ على تضخم ثرواتها دون الاضطرار إلى دفع جزء منها لخزينة الضرائب.
وفي هذا السياق يقول صامويل برونسون أستاذ قانون الضرائب بجامعة لويولا في شيكاغو، بأنه من غير المرجح أن يدفع الأثرياء المزيد من الضرائب إذا تم الحفاظ على النظام الحالي.
وأمام هذه المعطيات يظهر التقرير الذي نشرته بروبابليكا اتساع الفجوة بين الثروات والضرائب التي يدفعها الأثرياء، والاختلاف الشاسع بين كيفية دفع الأثرياء للضرائب بالمقارنة ببقية الأمريكيين.
ولا يزال الأثرياء إلى اليوم، كما أبرزت ذلك تسريبات المصالح الضريبية، يستخدمون مجموعة من الأساليب غير المتاحة لأولئك الذين لديهم وسائل أقل للالتفاف على النظام الضريبي.
إدانة التسريبات غير القانونية
اعتبر مسؤولون لدى الإدارة الأمريكية وسياسيون أن هذه التسريبات غير قانونية وفيها انتهاك لخصوصية الأفراد، وتعليقاً على ذلك اعتبر متحدث باسم بلومبيرغ في بيان صادر له أن "الإفراج عن التصريحات الضريبية لمواطن عادي يجب أن يثير مخاوف حقيقية بشأن الخصوصية بغض النظر عن الانتماء السياسي أو الآراء بشأن السياسة الضريبية. ونعتزم استخدام جميع الوسائل القانونية المتاحة لنا لتحديد أي فرد أو كيان حكومي قام بتسريبها والتأكد من مسؤوليته".
فيما قالت المتحدثة باسم وزارة الخزانة المالية: إن "الكشف غير المصرَّح به عن معلومات حكومية سرية أمر غير قانوني"، و أضافت أنه سيتم إحالة الأمر إلى مكتب المفتش العام، ومفتش الخزانة العام لإدارة الضرائب، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ومكتب المدعي العام الأمريكي لمقاطعة كولومبيا، وجميعهم يتمتعون بسلطة مستقلة للتحقيق.
وخلال جلسة استماع للجنة المالية بمجلس الشيوخ قال تشارلز ريتيج، مفوض مصلحة الضرائب الأمريكية، إنه لا يمكنه التعليق على الانتهاك الواضح في وكالته، لكنه قال إنه يخضع للتدقيق.
وعملاً على إيجاد حلول وإيقاف استمرار التلاعب بالقانون الضريبي تم اقتراح مشاريع قوانين من قبل بعض الديمقراطيين. ومن جانبه يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن رفع معدلات ضرائب الشركات وضرائب الدخل على الأثرياء، على الرغم من من أنه يواجه صعوبات في ذلك في مجلس الشيوخ الأمريكي، حيث يمكن للجمهوريين منعه.