هل فشلت دعوة ماكرون أوروبا إلى الحياد مع الصين؟ / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

نهاية أسبوع كارثية مرت بها العلاقات الأوروبية الصينية، بسبب التصريحات الأخيرة التي أدلى بها سفير الصين لدى باريس لو شاي الجمعة، التي اعتبرت دول البلطيق الثلاث، لتوانيا وإستونيا ولاتفيا أنها "صادمة" و"تشكّك في سيادتها الوطنية"، كما أثارت ردود فعل واسعة في الأوساط الأوروبية.

تزامناً مع هذا، لكن في سياق آخر، خرج مسؤول الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الأحد، عن صمته بخصوص موقف القارة العجوز بشأن ملف تايوان، داعياً دول الاتحاد إلى إرسال دوريات بحرية إلى مياه الجزيرة المتنازَع عليها، التي تشهد في الآونة الأخيرة تصعيداً عسكرياً غير مسبوق.

وتُعَدّ هذه الأحداث أول امتحان دبلوماسي بعد زيارة كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لبكين، مما يطرح شكوكاً حول مدى إيجاد الدعوات التي طرقها ماكرون عقب الزيارة، بتبنّي أوروبا الحياد إزاء الصين، آذاناً صاغية في تكتل الـ27.

أزمة لو شاي

استدعت خارجيات دول البلطيق الثلاثة، لتوانيا وإستونيا ولاتفيا، يوم الاثنين سفراء الصين لديها لإبلاغهم امتعاضها من التصريحات التي أدلى بها السفير لو شاي لوسائل الإعلام الفرنسية، والتي اعتبرت أنها تشكك في سيادتها ووضعها القانوني كدول معترف بها لدى الأمم المتحدة، ولتفسير الموقف الرسمي لبكين من تلك التصريحات.

وفي مقابلة أجرتها معه قناة "LCI" الفرنسية الجمعة، قال السفير الصيني لدى باريس إنه "حتى دول الاتحاد السوفييتي السابق ليس لديها وضع فعال، كما نقول، بموجب القانون الدولي، لأنه لا يوجد اتفاق دولي لإضفاء طابع ملموس على وضعها كدولة ذات سيادة"، وذلك في معرض حديثه عن موقف بلاده من ضمّ روسيا إلى شبه جزيرة القرم.

وأثارت هذه التصريحات امتعاضاً واسعاً في أوساط دول البلطيق وأوساط دبلوماسية الاتحاد الأوروبي. وردّ وزير خارجية لاتفيا إدغار رينكوفيس، بالقول إن تصريحات السفير الصيني "غير مقبولة على الإطلاق"، متوعداً بـ"رد (أوروبي) قوي وموحَّد" على هذه الادعاءات.

من جانبها وصفت الخارجية الفرنسية تصريحات السفير الصيني بـ"المقلقة"، وقالت في بيان إنها "أُبلغَت بصدمة" تصريحات السفير الصيني، داعية بكين إلى "توضيح ما إذا كانت تعكس موقفها". مضيفة أن السفير لو شاي أُبلغَ بأنه "من غير المقبول التشكيك في احترام السيادة والاستقلال والسلامة الإقليمية لجميع الدول، والمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة الملزمة للجميع".

ومن كييف أوضح مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك الأحد، أن "كل الدول المنبثقة عن الاتحاد السوفييتي تتمتع بوضع سيادي واضح مكرس في القانون الدولي"، واعترض على تعليقات لو حول شبه جزيرة القرم، بالقول: "من الغريب أن نسمع رواية عبثية عن تاريخ القرم من ممثل دولة دقيقة جدّاً بشأن تاريخها الممتد آلاف السنين".

وتنكرت بكين لتصريحات سفيرها في باريس، وفي مؤتمر صحفي للناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ للصحافيين، أكدت أن بلادها "تحترم وضع دولة ذات سيادة في كل الجمهوريات المنبثقة عن تفكك الاتحاد السوفييتي". وقالت سفارة الصين في باريس في بيان يوم الاثنين، إن تصريحات السفير لو "تمثّل تصريحات شخصية ولا تعبّر عن أي موقف سياسي (للبلاد)".

دوريات بوريل في مياه تايوان

من جانبه أيضاً أعرب مسؤول الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل عن قلقه بشأن تصريحات السفير الصيني، معتبراً أنها "غير مقبولة". غير أن بوريل نفسه ألقى دلو زيت جديداً على العلاقات الأوروبية-الصينية المتوترة أساساً، خلال مقاله يوم الأحد على الأسبوعية الفرنسية "جورنال دو ديمونش".

وحثّ مسؤول الخارجية الأوروبي في المقال، دول الاتحاد على أن تكون أوروبا "حاضرة بشدة" في قضية تايوان "التي تهمّنا على صعيد الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا"، مشدداً على أن "الاعتراف بدورها المتنامي لا يعني بأي حالٍ أدنى قدر من الرضا تجاهها. لدينا اختلافات عميقة مع بكين في عديد من الموضوعات".

ودعا بوريل دول الكتلة الأوروبية إلى تسيير دوريات بحرية في مياه تايوان، التي تُعَدّ "عمقاً استراتيجياً" للقارة العجوز، وقال: "لهذا أدعو القوات البحرية الأوروبية إلى تنفيذ دوريات في مضيق تايوان للدلالة على حرص أوروبا على حرية الملاحة في هذه المنطقة الحيوية للغاية".

وأضاف: "موقفنا من تايوان بسيط وثابت. في رأينا، توجد صين واحدة فقط، لكن ليس تحت أي ظرف من الظروف، وبالتأكيد ليس من خلال استخدام القوة (...). في نفس الوقت يجب أن نكون يقظين ضدّ الاستفزازات والمزايدات. تعتقد الغالبية العظمى من الشعب التايواني أن الوضع السلمي الراهن هو الحل الأنسب، لذلك دعونا نكُن حازمين في تطبيق هذا المبدأ".

هل فشلت دعوة ماكرون أوروبا إلى الحياد مع الصين؟

تأتي هذه التطورات كلها فيما لم يمرّ سوى أيام قليلة على زيارة الدولة، التي قادت كلّاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لبكين، وإثرها، في طريق عودته إلى بلاده، أدلى ماكون بتصريحات مثيرة للجدل بشأن تايوان.

وعند سؤاله خلال حوار مطوَّل مع صحيفة "Les Echos" الفرنسية وموقع "بوليتيكو" الأمريكي، حول الموقف الأوروبي من ملف تايوان، شدّد ماكرون على ضرورة عدم انحياز أوروبا إلى واشنطن أو بكين في هذا الملف، قائلاً: "أسوأ شيء هو اعتقاد أننا -نحن الأوروبيين- يجب أن نكون تابعين في هذا الموضوع، والتكيف مع الإيقاع الأمريكي وردّ الفعل الصيني المبالغ فيه"، وأردف: "نحن -الأوروبيين- بحاجة إلى أن نستيقظ. أولويتنا ليست التكيف مع أجندة الآخرين في جميع مناطق العالم"، في إشارة إلى واشنطن.

وواجهت هذه التصريحات وقتها انتقادات واسعة من نظرائه الأوروبيين، انتقدت دول البلطيق وبولندا ما وصفته بـ"التوقيت الخاطئ" لهذه التصريحات، رابطة ذلك بالحاجة الماسَّة إلى الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا، بما يُغنِي أوروبا عن أي توتر مع واشنطن. واتهم النائب البرلماني اللتواني دوفيلي تشاكالييني، ماكرون بـ"العمى الجيوسياسي" والتصرف "بما يتعارض مع المصالح الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي والناتو".

وإن كانت تلك الانتقادات مقتصرة على نواب برلمانيين اليوم، فقد ارتقت إلى مستوى وزراء الخارجية، بعد أن اعتبروا تصريحات السفير لو مؤشراً على مصداقية عدم الثقة في بكين، وهو ما علق به وزير خارجية ليتوانيا جابريليوس لاندسبيرجيس على تلك التصريحات قائلاً إنها توضّح سبب عدم ثقة الدول الأوروبية بقدرة الصين على التوسط البنَّاء للسلام في أوكرانيا.

يُضاف إلى هذا تأكيد بوريل أن أوروبا يجب أن لا تبقى في عزلة عما يحدث في تايوان، بل رأى ضرورة وجود عسكري أوروبي في مياه الجزيرة، بما يعني، حسب مراقبين، أنه لا آذان صاغية إلى دعوات الرئيس الفرنسي، ويُحكم عليها بالفشل.

TRT عربي