عاد جدل الانفصال ليخيم بين الأوساط السياسية في الكومنولث البريطاني بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية. (Others)
تابعنا

في الـ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وخلال حفل تاريخي شهدته العاصمة بريدجتاون، حضر الأمير تشارلز لتوديع إحدى أراضي الكومنولث؛ باربادوس، التي أرادت الخروج بنفسها عن تاج المملكة المتحدة، وتأسيس جمهورية مستقلَّة هي الأحدث بين دول العالم.

وقتها لم يُبدِ قصر باكينغهام ممانعة ضد قرار باربادوس، بل وكان متوقعاً لديه، حسب قول مراسل شبكة BBC آنذاك. هكذا ردّ الناطق باسم العائلة الملكية بأن الأمر "شأن داخلي بالشعب البربادوسي".

فيما اليوم، وبعد وفاة الملكة وتقلد تشارلز الثالث الحكم، أصبح شبح تفكك الكومنولث أكثر إلحاحاً، بفعل المناسبة التي أحيت الطموحات الجمهورية في عدد من تلك الدول، التي تقود حكوماتها أحزاب سياسية تتبنى تلك النزعة المناهضة للتاج البريطاني. الأمر الذي أصبح يطرح أسئلة عديدة حول مصير تلك الدول، والعدد الذي سيبقى منها تحت سيادة الملك الجديد.

أسكتلندا.. إلحاح في طلب الاستقلال

في أسكتلندا أصبح نقاش الانفصال عن المملكة المتحدة هو الموضوع الأكثر إلحاحاً، خصوصاً بعد وفاة الملكة إليزابيث، التي كان يرجع إلى شعبيتها الفضل الأكبر في استمرار وحدة البلاد. ومنذ سنة 2021، تحكم الأغلبية المكونة من "الحزب القومي الاسكتلندي" و"حزب الخضر" لحكومة أسكتلندا، التي ترأسها نيكولا ستورجيون التي تهعدت في برنامجها الانتخابي بإجراء استفتاء ثاني لاستقلال البلاد، بعد الأول الذي تم إجراؤه سنة 2014.

فيما يدعم هذان الحزبان قرار الانفصال عن المملكة المتحدة، لكن الاختلاف بينهما كبير. ففي حين يرى القوميون الاستقلال بشرط البقاء ضمن الكومنولث، بدعم الخضر قرار تأسيس جمهورية. غير أن تحولاً بات يطرأ بعد وفاة الملكة، التي كان جزء مهم من "الحزب القومي" يعتبرها الضامن للبقاء، إلى دعم نفس موقف الخضر.

هذا ما عبَّر عنه توني جيوغليانو، أحد الشخصيات البارزة في "الحزب القومي"، بقوله: "سأكون مندهشاً إن لم نتحرك إلى موقف الحياد في النظام الملكي، يجب أن يبقى قرار اختيار طبيعة رئيس الدولة أمراً متروكاً للشعب الأسكتلندي للبت فيه في ما بعد الاستقلال".

وتضغط رئيسة الوزراء الأسكتلندية إلى إجراء استفتاء ثانٍ للاستقلال في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبموجب ذلك بعث حزبها، في 7 سبتمبر/ أيلول الجاري، برسالة إلى المحكمة الدستورية، تحمل لائحة دفوعه حول ضرورة إجراء الاستفتاء، ما يعد أول تحرك رسمي في هذا الصدد.

إيرلندا الشمالية.. حيث يدفع البريكست إلى الانفصال

يشهد مطلب استقلال إيرلندا الشمالية زخماً، لا يقل عن نظيرتها أسكتلندا، إذ يشتركان معاً في قيادة الحكومة المحلية من قبل أحزاب انفصالية. وفي 9 مايو/أيار الماضي، حقَّق حزب "شين فين" الإيرلندي القومي، الداعي إلى توحيد قسمَي جزيرة إيرلندا، فوزاً تاريخياً بالانتخابات التشريعية المحلية في القسم الشمالي، بإحرازه 27 مقعداً برلمانياً.

وعقب ذلك الفوز، ارتطمت مشاورات تشكيل الحكومة بين "شين فين" والوحدويين بجدار صلب، ذلك حين تَعهَّد "الحزب الوحدوي الديمقراطي" بعدم المشاركة في المشاورات إذا لم تتراجع الحكومة البريطانية عن "بروتوكول أيرلندا الشمالية"، الذي أقره اتفاق بريكسيت لحلّ مشكلة التجارة عبر الحدود البرية بين المملكة والاتحاد الأوروبي، مهددين بإجهاض المشاورات والعملية الانتخابية ككل.

وفي تفاعل مع تلك الأحداث دعا الاتحاد الأوروبي الحكومة البريطانية إلى التحلي بـ"الصدق" بشأن البروتوكول، في إشارة إلى عدم إيهام نظرائها الأيرلنديين الشماليين بقدرتها على رفع سقف التعديلات. ذلك في وقت يدفع النقاش بشأن البروتوكول القسم الشمالي للجزيرة إلى الغليان، لدرجة اندلاع مواجهات بين الفريقين، كما حدث في أبريل/نيسان 2021.

الكومنولث.. بين الاستقلال والانتظار

في دول الكاريبي التابعة اسمياً للعرش البريطاني، تتزايد المطالب الجمهورية بشكل مضطرد، مدفوعة بصحوة مناهضة العنصرية التي أحيتها حركات الدفاع عن حقوق السود حول العالم، حيث تعد تلك الدول من أكثر المناطق التي تحمل ثقلاً تاريخياً مليئاً بفظاعات العبودية والجرائم الاستعمارية.

يؤكد هذا الأمر الكاتب أوليفر هولمز، في مقاله على صحيفة "الغارديان"، حين تحدث عن أن "أثار إرث الإمبراطورية الاستعماري والعبودية الذي ارتبط بالملكية البريطانية لعدة قرون، يطرح أسئلة صعبة حول مكانة الملك الجديد وعلاقة تلك الدول به".

وفي هذا الصدد، يعتزم رئيس وزراء أنتيغوا وباربودا، غاستون برون، إجراء استفتاء لاستقلال بلاده عن حكم أسرة ويندسور. وفي جمايكا، تظهر استطلاعات الرأي دعماً شعبياً واسعاً لقرار الجمهورية، وحسب ما صرح به رئيس وزرائها فإنه "لا شك في أن جامايكا يجب أن تصبح جمهورية". وفي زيارة الأمير إدوارد إلى سانت فنسنت وغرينادين، في أبريل/نيسان الماضي، استقبلته احتجاجات تطالب الأسرة الملكية البريطانية بتعويضات عن إرث العبودية في الأرخبيل.

بالمقابل، في أستراليا ونيوزلندا، رغم أن الحزبين الحاكمان هناك يدعمان بشدة فكرة التحول إلى جمهوريات، فإن قائدَي البلدين أكدا أن وقت انطلاق مسار ذلك التحول لم يحن بعد. وفي 13 سبتمبر/ أيلول الجاري، أكدت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن أن بلادها لن تتخذ أي إجراءات لتتحول إلى جمهورية في المستقبل القريب بعد وفاة الملكة إليزابيث.

TRT عربي