مظاهرات داعمة لحق الإجهاض في الولايات المتحدة.  (Frederic J. Brown/AFP)
تابعنا

كشفت مسودة مسرَّبة عن المحكمة العليا الأمريكية دعمها لقرار إسقاط حق الإجهاض، الذي تتمتع به نساء البلاد منذ سبعينات القرن الماضي. وتورد الوثيقة أن رأي أغلبية أعضاء المحكمة يميلون إلى صف المناهضين للحق المذكور.

وعقب نشر هذه المسودة المسربة، خرج رئيس المحكمة الأمريكية العليا جون روبرتس عن صمته الثلاثاء مؤكداّ أنها "صحيحة" لكنّها "لا تعكس الموقف النهائي للمحكمة" من هذه القضية. مضيفاً أنه أمر بفتح تحقيق لكشف ملابسات التسريب الاستثنائي ومصدره.

فيما سيكون تأثير الحكم، إذا ما صار الرأي الوارد في المسودة نهائياً، هو إنهاء ضمان نصف قرن من الحماية الدستورية الفيدرالية لحقوق الإجهاض والسماح لكل ولاية بتقرير ما إذا كانت ستقيد أو تحظر الإجهاض. بينما ليس من الواضح ما إذا كانت تغييرات ستضاف إلى المسودة، حسب موقع بوليتيكو الأمريكي.

بالمقابل، أطلق هذا التسريب العنان لسجال كبير وسط الرأي العام الأمريكي، الذي انقسم بين مؤيد ومعارض لما ورد في مسودة المحكمة العليا. الذي قد يشكل بدوره موضوع استقطاب كبير خلال الانتخابات النصفية المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

شقاق تاريخي

يمثل حق الإجهاض موضوع سجالاً تاريخياً في الولايات المتحدة، منذ إقراره في 22 يناير/كانون الثاني 1973، عبر الحكم المعروف بـ "رو ضد دوايت". حيث أقرت المحكمة أن قرار الحفاظ على الجنين للأم الحامل ما لم تتعدى مدة حملها ثلاثة أشهر، وأن الدولة تتولى تنظيم عملية الإجهاض بما يحافظ على سلامة الأم، كما أن لها صلاحية حظره استناداً إلى تقارير طبية تفيد إضراره بسلام الأم.

ويعد هذا القرار انتصاراً للحركة النسوية الأمريكية، التي خاضت في سبيل الظفر به نضالات قوية منذ ستينيات القرن الماضي. وتدافع هذه الحركة عن كون الإجهاض من عدمه اختياراً حراً للمرأة، كما أن لها الحق بإجرائه في ظروف تضمن سلاماتها الشخصية.

فيما يناهض المحافظون حق الإجهاض، استناداً إلى الخلفيات الدينية والآيديولوجية التي ترى فيه قتلاً للجنين. وسعى الجمهوريون جاهدين لإلغاء الحماية الدستورية لهذا الحق، وتقييد إجرائه، كلما تسنت لهم فرصة استلام زمام السلطة بالبلاد.

وفي سنة 2020، انتهزت عدد من الولايات التي يحكمها الجمهوريون فترة الجائحة لإغلاق عيادات الإجهاض بدعوى أنها تقدم خدمات صحية غير ضرورية. وخلف ذلك موجة احتجاجات، أهمها كانت في ولاية تكساس في أكتوبر/تشرين الأول 2021، إذ وقّع حاكم الولاية، الجمهوري غريغ أبوت، في مايو/أيار من ذات السنة، قانوناً لحظر الإجهاض بمجرد أن يصبح ممكناً رصد نبض قلب الجنين، وهو ما يكون متاحاً عادة في الأسبوع السادس من الحمل.

واتسعت رقعة الاحتجاجات لتصبح مواجهات أمام محكمة تكساس، ومحاكم عدد من الولايات الأخرى، بين المؤيدين لحق الإجهاض ومناهضين له. فيما هو نفس السجال التي يتجدد عبر التسريب الأخير لمسودة رأي المحكمة العليا، والذي يدعم تقييد عمليات الإجهاض ويضعف الحماية الدستورية لها.

الإجهاض كموضوع تنافس سياسي

وعشية انتخابه الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، تعهد دونالد ترمب بإسقاط حق الإجهاض، وتقييد السماح به فقط في حالات الاغتصاب وزنا المحارم وتشكيل الحمل تهديداً لحياة الأم. وقاد حملته الانتخابية رافعاً هذا الشعار، وتلقى دعماً كبيراً من تحالف "داعمي الحياة" المناهض للإجهاض.

ولم ينجح الرئيس الأمريكي المحافظ في تنفيذ تعهداته بشكل تام، لكنه مهَّد لها عبر ما يمكن أن يترتب عن قرار المحكمة الدستورية. إذ تولى ترمب خلال ولايته تعيين ثلاث قضاة موالين له في المحكمة العليا، وبذلك قلب التوازن السياسي داخلها إلى صالح المحافظين، بست قضاة يمينيين مقابل ثلاثة ليبراليين.

ويعود موضوع الإجهاض مجدداً لحلبة التنافس الانتخابي، مع اندلاع الجدل الذي أثارته المسودة المسرَّبة عن المحكمة العليا الأمريكية، والذي حدث على بعد أشهر قليلة من الاستحقاقات النصفية، والتي من المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني القادم. ويراهن الرئيس الديمقراطي جو بايدن على تأكيد الأغلبية في الكونغرس للنصف المتبقي من ولايته.

وعلَّق بايدن على المسودة المسرَّبة بالتحذير من أن يكون الإجهاز على حق الإجهاض فاتحة "للمس بمجموعة حقوق أخرى". فيما يصطف الحزب الديمقراطي خلف الرئيس في خندق مؤيدي حق الإجهاض، ويراهنون على أن يكون ذلك نقطة مضافة لصالحهم في الحملة الانتخابية القادمة، علماً أن 80% من الأمريكيين يدعمون حق الإجهاض في كل أو معظم الحالات حسبما تفيد به استطلاعات الرأي.

TRT عربي