يرى مراقبون أنّ القرار القضائي الإسرائيلي يأتي في إطار مخطط التقسيم الزّماني والمكاني للأقصى (Ahmad Gharabli/AFP)
تابعنا

في أعقاب صدور قرار قضائي إسرائيلي الثلاثاء، يسمح لليهود "بأداء صلوات صامتة" في المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس المحتلّة، اقتحم مستوطنون إسرائيليون المسجد الأقصى، بحماية من الشرطة الإسرائيلية.

ويرى مراقبون أنّ القرار والممارسات الإسرائيلية المترتبة عليه، يأتي في إطار أوسع يشمل مخطط التقسيم الزّماني والمكاني للأقصى، وفي إطار مشروع تهويدي له. وهو ما يهدّد قدسية المسجد الأقصى عند المسلمين ووضعه القانوني.

ويُقصد بالتقسيم الزماني للمسجد، وهو تخصيص أوقات معينة يسمح بها للمستوطنين بالدخول إلى المسجد الأقصى وأداء صلوات تلمودية، وهو ما يحصل فعلاً منذ فترة طويلة وغالباً ما تكون الاقتحامات في الفترة الصباحية وما بعد صلاة الظهر. الأمر الذي يشكل نقطة انعطاف خطيرة في مسلسل التهويد الإسرائيلي.

وتتزامن هذه التطورات مع حلول الذكرى الـ31 "لمجزرة الأقصى الأولى" التي استشهد فيها 21 فلسطينياً أثناء تصديهم لمحاولة اقتحام المسجد من قبل جماعات يهودية متطرفة أرادت وضع حجر أساس للهيكل، عام 1990.

قرار غير مسبوق

وفي قرار غير مسبوق اعتبرت، الثلاثاء، قاضية إسرائيلية أنّ "الصلاة الصامتة" لليهود في المسجد الأقصى، ليست "عملاً إجرامياً".

وأفادت القناة السابعة الإسرائيلية، الأربعاء، أنّ القاضية "أمرت الشرطة بإسقاط أمر تقييدي، فُرِض على الحاخام أرييه لي بو، الذي كان قد مُنع من دخول الحرم، بسبب أدائه صلاة صامتة"، بالمسجد الأقصى.

وأشارت القناة الإسرائيلية إلى أنّ "هذه هي المرة الأولى التي تؤيّد فيها محكمة، صلاة اليهود في الموقع المقدس"، وفق تعبيرها.

وتداول نشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمستوطنين، وهم يؤدّون "صلوات صامتة" أثناء اقتحامهم للمسجد الأقصى. فيما قال شهود عيان إنّ الشرطة الإسرائيلية الموجودة في المكان لم تحرك ساكناً.

وتجري الاقتحامات على فترتين صباحية وبعد صلاة الظهر، عبر باب المغاربة في الجدار الغربي للمسجد بتسهيلات ومرافقة من الشرطة الإسرائيلية.

تنديد وتحذيرات

وتوالت ردود الفعل المحلية والدولية على القرار القضائي الإسرائيلي غير المسبوق، وندّدت عدة رموز دينية بالممارسات الإسرائيلية وبمحاولات تهويد الأقصى المبارك المستمرة، وسط تحذيرات من تصاعد الأمر إلى اشتباك وعنف بين الفلسطينيين والمستوطنين المقتحمين للمسجد.

ونددت وزارات الخارجية الفلسطينية والأردنية والتركية بالقرار، حيث اعتبرته الأولى: "يشكّل عدواناً صارخاً على المسجد الأقصى، وإعلان حرب حقيقية على الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية، وبداية حقيقية لتقسيم المسجد وباحاته مكانياً، ودعوة صريحة للحرب الدينية في المنطقة".

من جانبه قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية، هيثم أبو الفول، الأربعاء في بيان، إنّ "القرار باطل ومنعدم الأثر القانوني حسب القانون الدولي الذي لا يعترف بسلطة القضاء الإسرائيلي على الأراضي المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية".

وأدانت وزارة الخارجية التركية الخميس، بشدةٍ القرار الإسرائيلي، مؤكدةً أنّ القرار ينبغي أن يأخذ في الاعتبار تشجيعه الأوساط المتعصبة التي تحاول تقويض الوضع الراهن في المسجد الأقصى، وأنّه سيفتح الطريق أمام توترات جديدة. ودعت المجتمع الدولي "إلى رفض هذا القرار الخاطئ وغير القانوني وجميع الاستفزازات ضد المسجد الأقصى".

وخلال حديثه لـTRT عربي، أكّد مدير المسجد الأقصى عمر الكسواني أنّ "الاحتلال يحاول فرض التقسيم المكاني والزماني من خلال موافقته لليهود على أداء صلوات صامتة".

واعتبر الكسواني القرار "انتهاكاً لحرمة المسجد الأقصى، واستهتاراً بمشاعر المسلمين في أنحاء المعمورة".

ومن جانبه ندّد الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، بالقرار القضائي الإسرائيلي الخاص بشرعنة "الصلاة الصامتة".

وقال الشيخ صبري لوكالة الأناضول: "القرار باطل، فلا يحق للمحكمة التدخل في شؤون المسجد الأقصى وما بُني على باطل هو باطل (..) المحكمة الاحتلالية ليست صاحبة صلاحية وليست ذات اختصاص بما يخص المسجد الأقصى، فالمسجد أسمى من أن يخضع لأي قرار وضعي لأنّه مرتبط بقرار إلهي رباني".

وتابع خطيب المسجد الأقصى: "هذا القرار الباطل هو تمهيد لقضية المخطط الإجرامي بالتقسيم الزماني والمكاني للمسجد".

فيما صدرت تحذيرات عن مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، والهيئة الإسلامية العليا، ودار الإفتاء الفلسطينية، وديوان قاضي القضاة في القدس، ودائرة الأوقاف الإسلامية وشؤون المسجد الأقصى، مندّدة بالقرار القضائي الإسرائيلي، وداعية إلى وقف تنفيذه.

ما مخطط التقسيم الزماني والمكاني للأقصى؟

يُقصد بالتقسيم الزماني والمكاني للأقصى المبارك، جعله مكاناً دينياً مشتركاً للمسلمين واليهود، وهو ما يرفضه المسلمون بشدّة، فيما تطالب الجماعات الإسرائيلية المتطرفة، بتخصيص "أوقات" و"أماكن"، لليهود، للعبادة داخل حرم المسجد.

وحسب متابعين للشأن الفلسطيني، فإن الحكومات الصّهيونية المتعاقبة تعمل على إشعال حربٍ دينية عبر إشعال فتن واستفزاز مشاعر الفلسطينيين وحرمة مقدساتهم.

فمروراً بحريق الأقصى، "إلى مجزرة الحَرم الإبراهيمي والتّقسيم الزّماني والمكاني الذي أُحدِث فيه عقب المجزرة، ومحاولاتها الفاشلة بتركيب البوابات الإلكترونية والكاميرات في مداخل المسجد الأقصى، وصولاً إلى عملها الدؤوب المسموم لتطبيق التّقسيم الزّماني والمكاني في الأقصى الشّريف"، كلها أحداث تعكس سعي الاحتلال الإسرائيلي إلى تأجيج الفتن وإثارة مشاعر الفلسطينيين.

ويُرجِع مراقبون فكرة السيطرة والسطوة من قبل الحكومة الإسرائيلية على المسجد الأقصى إلى بث أفكار تمهّد لتهويده، وهو مخطط أوسع يشمل إقامة الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى، وهو ما يجهر به علناً عديد الجماعات اليهودية الصهيونية المتطرفة.

يذكر أنّ الشرطة الإسرائيلية بدأت السماح باقتحامات المستوطنين للأقصى عام 2003، رغم التنديد المتكرّر من دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، والتحذيرات الصادرة عن عديد الرموز الدينية والجهات الرسمية في فلسطين والعالم العربي والإسلامي.

TRT عربي