تابعنا
نجح المعارض السنغالي الشاب باسيرو ديوماي فاي في الفوز برئاسة البلاد، بعد أن حقق اكتساحاً أمام مرشح رئيس الوزراء السنغالي ومرشح الائتلاف الحاكم أمادو با. وتوعَّد فاي بـ"القطيعة" مع إرث النظام السابق، فهل سيشمل ذلك العلاقات مع فرنسا؟

رست نتائج الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في السنغال يوم 24 مارس/آذار الجاري على اختيار مرشح المعارضة الشاب باسيرو ديوماي فاي رئيساً للبلاد للسنوات الخمس القادمة، وهو ما مثّل مفاجأة بكل المقاييس، ورسم معالم تجربة ديمقراطية فذة في القارة السمراء، نقلت المعارض في ظرف عشرة أيام فقط من المعتقل السياسي إلى القصر الجمهوري.

ونجح فاي، البالغ من العمر 44 عاماً فقط، في التغلب على مرشح الائتلاف الحاكم أمادو با، بحصوله على 57% من الأصوات حسب النتائج الأولية غير الرسمية، مقابل 31% من الأصوات فقط للخصم المذكور، وهو فارق مكَّن الفائز من تولي الرئاسة من دون اللجوء إلى دور ثانٍ من الانتخابات.

ويُعَدّ فاي الرجل الثاني في حزب القوميين الإفريقيين السنغالي المعارض (PASTEF)، الذي يتزعمه عثمان سونكو الذي أصبح نجم الساحة السياسية السنغالية قُبيل الانتخابات، بعد وقوع اضطرابات واسعة في البلاد عقب إلقاء القبض عليه، وهو ما رأى فيه مناصروه محاولة من نظام الرئيس ماكي سال لإقصاء سونكو من المعركة الانتخابية.

ويحمل برنامج الرئيس السنغالي المنتخب وعوداً بـ"القطيعة" مع إرث نظام الرئيس السابق، وإعادة هيكلة البلاد بحيث تتخلص من "الفساد المستشري في مفاصل أجهزتها"، على حدّ تعبير نص البرنامج، وهو ما مكّنه -وفق محللين- من نَيل أصوات الشباب السنغالي الساخط على أوضاع البلاد في فترة حكم سال، وهو ما يطرح أسئلة حول ما إذا كانت هذه "القطيعة" ستشمل أيضاً العلاقات الوطيدة التي كان يربطها النظام السابق مع فرنسا.

من الزنزانة إلى قصر الرئاسة

أتى انتخاب باسيرو ديوماي فاي رئيساً للسنغال بعد أحداث مثيرة للجدل عاشتها البلد الإفريقي، وحتى قبل بداية السباق الانتخابي بعام، شهدت العاصمة داكار مظاهرات واسعة وصدامات بين رجال الشرطة والشباب الغاضبين، بعد تحريك الحكومة شكاية قضائية ضد زعيم المعارضة عثمان سونكو.

وراجت وقتها أنباء عن نية الرئيس ماكي سال الترشح لولاية ثالثة، عكس ما ينص عليه دستور البلاد، الذي يمنع خوض الرئاسات لأكثر من مرتين متتاليتين، وهو ما جعل أنصار سونكو يرون في القضية سعياً من النظام الحاكم إلى إقصاء المعارض من خوض غمار الانتخابات.

وبعد تضييق الخناق على سونكو جرى تقديم فاي مرشحاً بديلاً للحزب، ما يجعل مراقبين يصفونه بـ"الخطة (ب) لسونكو".

ويُعَدّ زعيم حزب القوميين الإفريقيين أحد أقرب أصدقاء الرئيس المنتخب، واشتركا معاً في تأسيس الحزب، إضافة إلى أنهما زميلا دراسة وعمِلا مفتشَي ضرائب، وسبق لسونكو أن صرّح قائلاً: "باسيو هو أنا!".

وفي أبريل/نيسان 2023 قُبض على فاي بتهمة "نشر أخبار كاذبة" في أحداث متعلقة بسونكو، واحتُجز لمدة 11 شهراً، وحُكم على سونكو بشهَري سجن موقوفَي التنفيذ في قضية التشهير بوزير السياحة مامي مباي نيانغ، كما اعتُقل مجدداً في يوليو/تموز 2023 بتهمة "الدعوة إلى تمرد"، وهو ما قضى على حلمه بالترشح في الانتخابات.

وقدم أنصار سونكو مرشحين للرئاسيات لكن سرعان ما جرى الاتفاق على الاجتماع خلف فاي، مطلقين حملة انتخابية شعارها "ديوماي هو سونوكو، سونوكو هو ديوماي".

وأدى قرار الرئيس سال مطلع فبراير/شباط الماضي بتأجيل الانتخابات إلى اندلاع احتجاجات واسعة وأعمال شغب في المدن السنغالية، مثّلت ضغطاً على الرئيس للتراجع عن القرار، ودفعه إلى إعلان عفو رئاسي في حق قيادات حزب القوميين الإفريقيين المعتقلين في 14 مارس/آذار.

ودخل باسيرو ديوماي فاي الحملة الانتخابية في عشرها الأواخر، وكان ذلك كافياً لتحقيقه مفاجأة، إذ كان جلّ المراقبين يرجحون فوزه في الجولة الثانية، فيما نجح في اكتساح خصمه مرشح الائتلاف الحاكم في الجولة الأولى بفارق 26% من الأصوات.

رئيس "القطيعة"!

ويحمل فاي نفس برنامج صديقه المعارض عثمان سونكو، وهو برنامج اجتماعي يخدم فئة الشباب ويكافح الفساد وسوء إدارة الأموال العامة، رابطاً هذه الخروقات بالأنظمة الحاكمة السابقة التي يتوعد بـ"القطيعة" معها، وهو ما منحه صدى لدى الشباب الفئة العمرية الغالبة في السنغال.

وهذا ما يوضحه مامدو، شاب سنغالي من داكار ويقدم نفسه على أنه مرشح مستقل، ويقول: "لقد صوّتنا لصالح فاي لأنه يمثل كل ما نطمح إليه في السنغال، أولاً لكونه نتاجاً خالصاً للتعليم الوطني، إذ تلقى تحصيله العلمي الكامل في البلاد، عكس الرؤساء الآخرين الذين درسوا كلهم في فرنسا، وكان متميزاً في دراسته وحصل المناصب بجهده الخاص".

ويضيف مامدو لـTRT عربي: "ثانياً لأنه (فاي) يعرف ما ينقصنا نحن الشباب. إننا بلد يمتلك موارد طبيعية هائلة، لدينا بترول ولدينا غاز، لكن عائدات هذه الموارد تذهب إلى جيوب السياسيين الفاسدين وعائلاتهم، وهو ما وعدنا بتغييره".

من جانبه يرى الكاتب والمحلل السياسي السنغالي مايرو مباي أن انتخاب باسيرو ديوماي فاي هو نتاج السياق الداخلي الذي شهدته السنغال خلال أنظمة الحكم المتعاقبة.

ويقول مباي إنّ "ولاء فاي وقربه من سونكو، الذي قاد نضالاً ضدّ جميع الإحباطات التي تعرض لها الشعب من قِبل سلطة يراها تهتمّ بالمصالح الشخصية بدلاً من قضاياه، وتتركه غارقاً في الألم والفقر، هو ما جعله يفوز بالرئاسة (...). ببساطة هو الظلم والاستحقاقات غير العادلة التي أدت في النهاية إلى تشكيل هذا التحالف ضدّ السلطة".

ويضيف المحلل السياسي السنغالي لـTRT عربي أن "الشعب لم يصوّت لباسيرو ديوماي فاي، بل صوّت ضدّ السلطة الحاكمة، خصوصاً عندما نعلم أن منافسه الرئيسي ومرشح السلطة (أمادو با) كان رئيسه في إدارة الضرائب والممتلكات".

لكنّ مباي ربط أيضاً الحدث بالسياق الإقليمي الذي تشهده منطقة غرب إفريقيا والساحل الإفريقي، والذي يطبع السخط الشبابي العارم من الأنظمة الحاكمة، لافتاً إلى أن "دول غرب إفريقيا تجد صعوبة في الانفصال بعضها عن بعض بسبب مستوى الترابط بين الشعوب نفسها، التي يجمعها التاريخ، وخصوصاً تاريخ الاستعمار".

ماذا يعني انتخاب فاي بالنسبة إلى فرنسا؟

وعلى مرّ السنوات الأخيرة ربطت النظام الحاكم في السنغال ونظيره الفرنسي علاقات وطيدة، خصوصاً في الدور الذي لعبه الرئيس ماكي سال في التعامل مع الانقلابات العسكرية التي عصفت بمالي وبوركينا فاسو، تزامناً مع تقلده رئاسة المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس)، وهو ما يطرح أسئلة حول إمكانية شمول القطيعة التي ينادي بها فاي علاقات سال مع فرنسا.

وفي ما يخص السياق في منطقة الساحل، يوضح مايرو مباي أنه حتى إذا كان يوجد اختلاف في المواقف بين الرئيس المنتخب وجيرانه الذين استحوذوا على السلطة من خلال الانقلابات، خصوصاً في ما يتعلق باعتراف السنغال بتلك الأنظمة، فإنّ الترابط بين الشعوب سيظل يفرض نفسه على الجانبين.

ويبيّن المحلل السياسي السنغالي أن "الفارق بين فاي وسال يكمن في وجود ظاهرة ملحوظة وهي سن الشباب، فرئيس الدولة الجديد في سن 44، وهذا الموقف يثير عديداً من ردود الفعل وسيلهم أيضاً الشباب الأفارقة المتحررين".

هذا وسبق لفاي أن اقترح في ما يتعلق بإيكواس بأنه سيعمل على تعزيز الإنجازات وتصحيح نقاط الضعف في الهيئة الإقليمية، كما وعد بإعادة نظرائه رؤساء المجالس العسكرية الحاكمة في مالي عاصمي غويتا، وفي بوركينا فاسو إبراهيم تراوري، وفي النيجر عبد الرحمن تشياني، إلى عائلة إيكواس.

وحول العلاقات مع فرنسا يؤكد مباي أنه "حتى لو أعطت شعارات الحملة الانتخابية انطباعاً بسلوك مُعادٍ لفرنسا فإن العلاقات بين هذه البلدان لن تعاني كثيراً من هذا السياق، فالحكام الجُدد سيطالبون فقط بمزيدٍ من الشفافية ومزيدٍ من العدالة والاحترام من السلطات الفرنسية".

ويشير إلى أنهم "حكام غير متوجسين، لذلك يجب على فرنسا التكيف معهم لأنهم (الرئيس المنتخب ومحيطه) يتمتعون بالشرعية الشعبية، والموارد النفطية والغازية الجديدة، بالتالي سيتعين على فرنسا للحفاظ على تعاونها معهم أن تكون واضحة (...)، وإلا فإن فرص العثور على بدائل لا تنضب، ومن الممكن أن تحط ظاهرة مماثلة لأمريكا أولاً (التي أعلنها ترمب) الرحال في السنغال"، حسب مباي.

TRT عربي