Trump / صورة: AP (Eric Gay/AP)
تابعنا

جاء اتهام الرئيس السابق دونالد ترمب من قبل هيئة محلفين كبرى في مانهاتن، قبل ثلاثة أيام، ليشكّل سابقة في تاريخ الرؤساء الأمريكيين واختباراً جديداً للديمقراطية الأمريكية. وبينما يراه محللون سياسيون أمراً ضرورياً لإثبات عدم وجود شخص فوق القانون، يحذّر آخرون من آثاره السلبية على معدلات الثقة بالنظام الديمقراطي.

القانون فوق الجميع

يمْثُل الرئيس السابق دونالد ترمب، اليوم الثلاثاء، أمام المحكمة في نيويورك، بعدما وجّهَت إليه هيئة المحلفين في مانهاتن لائحة اتهام تضمّ نحو 30 تهمة لم يُكشف عنها حتى الآن، عدا تورطه في دفع 130 ألف دولار لممثّلة الإباحية ستورمي دانيلز لإسكاتها عن التحدث عن علاقتهما عام 2006، وهي التهمة التي ينفيها الرئيس السابق.

حدثت صفقة "هاش موني" أو "أموال الصمت" خلال السباق الرئاسي الذي فاز فيه ترمب على هيلاري كلينتون في 2016. وعلى الرغم من أن التحويل المالي في حد ذاته لا يخالف القانون، فإن التهمة الموجهة إلى ترمب تتعلق بمزاعم تزوير سجلات تجارية وإخفاء المبلغ وخرق قوانين تمويل الحملات الانتخابية من خلال تسجيله كرسوم قانونية، الأمر الذي يشكّل جريمة جنائية.

توجيه لائحة اتهام إلى الرئيس السابق، والمرشح الرئاسي الأبرز لانتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، يراه الباحث السياسي زاك ماكيري بمثابة علامة جيدة وتدعيم للأسس الديمقراطية في البلاد. ويقول ماكيري لـTRT عربي، إن هذا الأمر "يجعل النظام الأمريكي يُظهِر أنه لا أحد فوق القانون وأن الجميع -حتى الرؤساء السابقين- يمكن أن يخضعوا للمساءلة أمم النظام القانوني".

في السياق ذاته يشير أستاذ العلوم السياسية وعلوم الاتصال في جامعة ميشيغان، مايكل تراوجوت، إلى أن المشرعين القانونيين لم يتهاونوا في وضع قوانين تسمح بمساءلة الرؤساء ومحاكمتهم سواء كانوا في مناصبهم أو حتى بعد تركها.

ويقول تراجوت لـTRT عربي إن توجيه لائحة اتهام إلى الرئيس السابق يُظهِر أنه لا أحد بمأمن من محاسبته قانونياً على أي جرائم قد ارتكبها".

في الوقت ذاته يعتقد تراوجوت أن "ما يثيره ترامب بشأن لائحة الاتهام باعتبارها اضطهاداً سياسياً للإضرار بفرصه في الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، سيجعل قلة من الأمريكيين تفقد الثقة بالنظام الأمريكي"، ويضيف: "سينساق قليلون وراء ادّعاءاته بأنها محاكمة سياسية، فيما لن تتغير آراء كثيرين وثقتهم بالنظام القانوني".

تداعيات سياسية

يُعَدّ ترمب أول رئيس أمريكي في التاريخ تُوجَّه إليه اتهامات جنائية، الأمر الذي أثار دهشة كبيرة وموجة من التعاطف بين الجمهوريين، بخاصة بعد إصدار ترامب بياناً يوم الخميس الماضي، وصف فيه ما يحدث له بأنه "اضطهاد سياسي وتَدخُّل في الانتخابات على أعلى مستوى في التاريخ".

واتهم ترمب في البيان مدّعي عامّ مانهاتن ألفين براج، قائلاً: "اختاره وموّله جورج سوروس، وهو وصمة عار"، في إشارة إلى الملياردير المتبرع للحزب الديمقراطي جورج سوروس، وأضاف ترمب: "بدلاً من وقف موجة الجرائم غير المسبوقة التي تسيطر على مدينة نيويورك، يعمل عملاً شنيعاً لصالح جو بايدن، متجاهلاً جرائم القتل والسطو والاعتداءات التي يجب أن يركّز عليها".

واحتشد كثيرون من مؤيدي الرئيس السابق حوله، ووصفوا لائحة الاتهام التي أصدرها المدّعي العامّ الديمقراطي في نيويورك بأنها صورية، وأنها لن تؤدّي إلا إلى تعزيز ولائهم لترامب.

وغرّد رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي عبر تويتر قائلاً: "الشعب الأمريكي لن يتسامح مع هذا الظلم، وسيحاسب مجلس النواب ألفين براج وإساءة استخدامه للسلطة بطريقة غير مسبوقة".

حتى المخالفون والمنافسون له من الجمهوريين، أبدوا استنكارهم من لائحة الاتهام ودعمهم للرئيس السابق. وقال نائب الرئيس السابق دونالد ترمب، والمنافس الجمهوري المحتمل للرئاسة مايك بنس: "أعتقد أن توجيه الاتهام غير المسبوق إلى رئيس سابق للولايات المتحدة بشأن قضية تمويل الحملات الانتخابية هو بمثابة فضيحة". وأضاف بنس: "يبدو أن الأمر عند ملايين الأمريكيين ليس أكثر من محاكمة سياسية يقودها المدّعي العامّ الذي تَرشَّح فعلياً للمنصب بناءً على تَعهُّد بتوجيه الاتهام إلى الرئيس السابق"، محذّراً من أن القرار يمثل "إضراراً كبيراً بالبلاد" و"الشعب الأمريكي سينظر إليه ويعتبره مثالاً آخر على تجريم السياسة في هذا البلد".

يعتقد الباحث السياسي زاك ماكيري أن للائحة الاتهام ومثول ترمب أمام المحكمة تداعيات سياسية كبيرة تصبّ لصالحه في الوقت الراهن، ويوضّح: "لقد رأيت عديداً من المسؤولين الجمهوريين المنتخبين يلتفّون حوله، بما في ذلك المرشحون الجمهوريون الآخرون الذين يتنافسون على منصب الرئيس مثل حاكم فلوريدا رون ديسانتيس". ويرى ماكيري في معرض حديثه مع TRT عربي أن ذلك الأمر "يساعد الرئيس السابق على توحيد الجمهوريين في الوقت الحالي، لكنه أيضاً يبعده عن عديد من الناخبين الأكثر استقلالية الذين يقررون عادة نتيجة الانتخابات العامة".

من جانبها، تشير أستاذة العلوم السياسية والسياسة العامة في جامعة ميشيغان أيدي غولدنبرغ إلى أن بعض الأصوات الجمهورية تصاعد لدعم الرئيس السابق، في حين بقي عديد من الجمهوريين صامتين، "وقد يكون لذلك دلالة سياسية".

وتؤكد غولدنبرغ لـTRT عربي أن "الرئيس السابق يستخدم لائحة الاتهام لزيادة الأموال من المانحين والمتبرعين، وكذلك زيادة الدعم السياسي بين قاعدته من الجمهوريين"، وتضيف: "قد تكون قاعدته كافية للفوز بالمرحلة الابتدائية، لكن هذا ليس كافياً للوصول إلى البيت الأبيض. نحن لا نعرف حتى الآن ما التهم المحددة، قد تكون هناك تهم إضافية تؤدِّي إلى عواقب كبيرة جداً لمستقبل السيد ترمب".

مرشح الحزب للرئاسة

عاد الرئيس السابق مرة أخرى إلى مركز الاهتمام باعتباره الشخصية المهيمنة على الحزب الجمهوري، وازدادت احتمالات حصوله على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة في 2024.

في ذلك السياق يقول أستاذ العلوم السياسية تراوجوت إن احتمالية أن يحظى ترمب بالترشح عن الحزب الجمهوري قائمة"، واستدرك: "لكن الفوز بالانتخابات العامة قد يكون مُستبعَداً".

من جانبه يقول الباحث السياسي ماكيري إن لائحة الاتهام تلك تجعل ترمب على الأرجح هو المرشح الجمهوري لمنصب الرئيس في عام 2024، "ولكن من المرجح أن يخسر أمام جو بايدن في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024".

TRT عربي