هل يُسقِط "التقاعد" الحكومة الفرنسية؟ (Others)
تابعنا

تواجه الحكومة الفرنسية، يوم الاثنين، تصويتاً لسحب الثقة، ذلك كإجراء طعن في تفعيلها البند 49.3 لتمرير قانون إصلاح نظام التقاعد دون إخضاعه لمصادقة البرلمان. في وقت تستمر فيه الاحتجاجات العنيفة في الشارع رفضاً للإصلاح، كما نظمت النقابات العمالية إضرابات واسعة في معرض هذا الأسبوع.

هذا وكانت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، يوم الخميس، قد أعلنت تحمل الحكومة مسؤوليتها في اعتماد مشروع الإصلاح طبقاً للبند 49.3 من الدستور. وفي هذه الحالة كان لزاماً على المعارضة، من أجل إيقاف الإجراء السياسي، تقديم ملتمسات رقابة على الحكومة.

ويشترط نص الدستور الفرنسي أن تقدَّم ملتمسات الرقابة في أجَل لا يتعدى 24 ساعة، ويجري تأييد كل منها من قبل 57 نائباً على الأقل، بشرط "لا يجوز لأي عضو توقيع أكثر من ثلاثة قرارات لحجب الثقة خلال جلسة عادية واحدة وليس أكثر من قرار واحد خلال جلسة استثنائية واحدة". وإثر هذا تجري برمجة جلسة للتصويت على القرار، والذي لا يُعتمَد إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس، أي بـ287 صوتاً على الأقل.

سحب ثقة جامع للمعارضة

عقب إعلان بورن استخدام ورقة البند 49.3، سارعت فرق المعارضة إلى الطعن في القرار وتقديم ملتمس سحب الثقة من الحكومة. ومع انتهاء الأجل القانوني للتقدم بها، اعتمدت رئاسة الجمعية الوطنية ملتمسَين استوفيا شروط الإجراء، كما برمجت جلسة التصويت عليهما يوم الاثنين عند الساعة الرابعة زوالاً بالتوقيت المحلي.

أحد هذه الملتمسات كان الذي قدَّمه فريق "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، والذي أدان فيه "احتقار الحكومة لكل المبادئ الديموقراطية" بعزمها على تمرير نص "لم يصادق عليه البرلمان في أي من نسخه". وفي وقت سابق، كانت رئيسة الفريق التجمعي مارين لوبان، قد حذّرت من أنه "إذا استخدمت الحكومة البند 49.3، سنرفع ملتمساً لحجب الثقة وسيجري التصويت لصالحه".

بالمقابل، يحظى هذا الملتمس بحظوظ شبه منعدمة، ذلك للرفض المبدئي لتكتل اليسار "NUPES"، الذي يمثل ثاني قوة في البرلمان الفرنسي، التصويت لصالح أي تحرك سياسي يقوده اليمين المتطرف. وبالشكل ذاته، يرفض التجمع التصويت لصالح طلبات اليسار.

وتبقى الحظوظ الأوفر لصالح "الملتمس الجامع للفرق البرلمانية"، والذي قدمه شارل دو كورسون من فريق "حرية، أحرار، أراضي ما وراء البحار" (LIOT). وصرَّح رئيس الفريق البرلماني برتاند بانشيه، يوم الجمعة، بأنه جرى توقيع ملتمس فريقه من 53 نائباً من خمس فرق برلمانية، وأن هذا الملتمس نابع من مسؤولية حماية الديموقراطية والإصغاء إلى مطالب الشارع.

هذا وكانت فرق تكتل اليسار "NUPES" قد أعلنت في وقت سابق تأييدها لملتمس "LIOT"، وهو ما أكّده زعيم التكتل اليساري جان لوك ميلونشون: "ارتأينا منح فرص أكبر لملتمس جامع، لهذا قررنا أن لا نتقدم بملتمسنا الخاص، وندعم بالمقابل ملتمس LIOT".

الحل عند الجمهوريين!

حظي ملتمس "LIOT" بتوقيع نواب من فرق تكتل اليسار وفريق التجمع ومن نواب أحرار، وهو ما يرجح تصويت هذه الفرق لصالح الملتمس. بالأرقام، وفي أحسن السيناريوهات، إذا ما جمعنا نواب فريق "LIOT" العشرين، و149 من نواب تكتل اليسار، و88 من نواب "التجمع الوطني"، إضافة إلى خمسة نواب أحرار، تكون المحصلة 262 صوتاً لصالح سحب الثقة. أي بفارق 25 صوتاً عن الأغلبية المطلقة.

وهو ما يلقي بمصير هذا الملتمس في ملعب الجمهوريين. ورفضَ الجمهوريون تأييد هذا الملتمس، غير أن تقارير إعلامية متفرقة أشارت إلى أنه ما بين 2 و12 نائباً، من أصل نواب الجمهوريين الـ61، أعرب عن رغبته في التصويت لصالح سحب الثقة من الحكومة. ومع هذا الرقم يبقى الملتمس بعيداً عن الـ287 صوتاً لتمريره.

هذا ودعا نائب "LIOT" المتقدم بالملتمس، شارل دو كورسون، نواب اليمين الجمهوري إلى التصويت لصالح سحب الثقة. وقال دوكورسون: "كل شيء الآن معتمد على أصوات زملائنا الجمهوريين (...) أدعوهم إلى النضال حتى آخر رمق، لأنه الطريق الوحيد لإيقاف الأزمة الاجتماعية والسياسية الحاصلة في بلادنا".

هذا وكان نائب واحد من الأغلبية قدم تصويته لصالح إسقاط الحكومة. وقال نائب فريق "الحركة الديموقراطية" (MoDem) ريتشارد راموس: "نحن بحاجة إلى حكومة تعيد خلط الأوراق، حكومة بوزراء قادرين على الاستماع إلى الشعب، وليس مجموعة من المتغطرسين".

وفي وقت سابق، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد هدد بحل البرلمان في حال ما فشلت الحكومة في تمرير إصلاح التقاعد، وفق ما تناقلته وسائل إعلام فرنسية. ويرى مراقبون أن هذه الورقة ما زالت قائمة أمام الرئيس، في حال ما تمت الإطاحة بحكومة بورن.

احتجاجات مستمرة

بالتزامن مع النزال السياسي داخل قبة الجمعية الوطنية، تستمر في الشارع الاحتجاجات الرافضة لإصلاح نظام التقاعد. ومن المحتمل أن تشهد شوارع باريس ومناطق أخرى من البلاد احتجاجات قوية، وهو ما دفع السلطات إلى إغلاق محطات المترو بمحيط الجمعية الوطنية وساحة الكونكورد.

وفي يوم الأحد، احتشد مئات الأشخاص بشكل تلقائي في حي لي هال الباريسي، في مظاهرة مناهضة للحكومة. ومنعت الشرطة هذه المسيرة من التحرك نحو البرلمان، وهو ما أفرز صدامات بين رجال الأمن والمحتجين، وقالت الداخلية الفرنسية إنها اعتقلت 17 من المحتجين.

وفي وقت سابق، دعت النقابات العمالية إلى استمرار التحركات النضالية ضد مشروع الحكومة، وأعلنت استمرار الإضرابات من 17 إلى 19 مارس/آذار الجاري، إضافة إلى مظاهرة كبيرة في الـ23 من الشهر ذاته.

وبالإضافة إلى هذا، صوّت عمال مصفاة "توتال إنرجي نورماندي"، التي تعد أكبر مصفاة نفط بفرنسا، على خوض إضراب عام يوم السبت وإغلاق خطوط الإنتاج بشكل كامل. وهو ما يتوقع أن يُحدِث اضطراباً كبيراً في إمدادات المحروقات بالبلاد.

TRT عربي