الحرب على أوكرانيا سببت تصدعات في الوحدة الأوروبية داخل الاتحاد (Kenzo Tribouillard/AFP)
تابعنا

وضعت الحرب في أوكرانيا دول الاتحاد الأوروبي في تخبط. إذ غطَّت لغة تضارب المصالح القُطرية على ردة الفعل الأوروبية، ونشبت بين مكونات الاتحاد خلافات بخصوص اختياراتها لدعم الدولة التي نكبها الهجوم العسكري أو التباس مواقفها من موسكو.

ومن أهم الملفات التي أججت الشقاق بين الأوروبيين الدعم العسكري للجيش الأوكراني، وبعد بلوغ الاقتتال شهره الثالث، لا تزال دول عديدة مرتبكة من توريد الأسلحة إلى كييف، مقابل أخرى تضغط بشدة في هذا السياق. كما وسَّع مطلب فك ارتباط أوروبا بالغاز والنفط الروسيين هذه الهوة، التي غدت تستثمر في النزاعات القائمة ما بعد الحرب.

فيما يضع هذا الوضع القادة الأوروبيين أمام ضرورة التحرك، في وقت يسود على لسانهم خطاب "نهاية الاتحاد" والدعوة إلى إطارات جديدة من أجل تحقيق "الحلم الأوروبي".

اعترافات بنهاية "الحلم الأوروبي"

إن "الجهود الرامية إلى بناء البيت الأوروبي المشترك باءت بالفشل في ظل الأزمة الأوكرانية-الروسية". هذا ما خلص إليه الرئيس الألماني مارك فالتر شتاينماير، خلال حديثه الأحد أمام الحاضرين في المؤتمر الاتحادي لاتحاد النقابات الألمانية بالعاصمة برلين.

مقصد الرئيس الألماني كان المحك الذي وضعت هذه الحرب النظم الأوروبية أمامه، إذ "كشفت لنا بطريقة وحشية أنه يتعيّن علينا حماية ديمقراطيتنا والدفاع عنها، داخلياً وخارجياً"، على حد قوله. وأضاف في إشارة إلى هذا المحك أن: "الشعب الألماني يريد مساعدة الأوكرانيين وتقديم مزيد من الدعم لهم إلا أنه يتخوف أيضاً من إمكانية أن تصبح بلاده طرفاً في الحرب"، كما أن لديهم مخاوف أيضاً "من التضخم أو الركود بسبب العقوبات المفروضة على روسيا".

في ذات السياق، وبنفس نبرة نظيره الألماني، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ألا يكون الاتحاد الأوروبي الشكل الوحيد المنظم لـ "الديموقراطيات الأوروبية". قائلاً خلال حفل تنصيبه للولاية الثانية بأن "الحرب في أوكرانيا أظهرت الحاجة إلى عملية تفكير تاريخية"، وأن "منظمة أوروبية جديدة من شأنها تمكين الدول الأوروبية الديمقراطية التي تلتزم بقيمنا لإيجاد مساحة جديدة للتعاون السياسي".

ولم يتضح إن كان ما يقصده الرئيس الفرنسي منظمة بديلة للاتحاد الأوروبي، أو موازية له. بيد أن الخطاب لم يخلو من إشارة إلى احتدام النقاشات حول انضمام أوكرانيا للاتحاد ومنحها صفة المرشح التي قد يجرى الحسم فيها في يونيو/حزيران القادم. فقال: "نعلم جميعاً جيداً أن عملية الانضمام ستستغرق عدة سنوات، في الحقيقة، قد يستغرق الأمر عدة عقود"، وبالتالي "لا يمكن أن يكون الطريقة الوحيدة لهيكلة القارة الأوروبية على المدى القصير".

كيف تقسم حرب أوكرانيا دول الاتحاد؟

وتكشف النقاشات الأوروبية حول انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد هوة كبيرة بين الفرقاء داخل المنظمة، والذين انقسموا بين من يدعوا إلى تسريع العملية، ومن يرفض ذلك بشكل تام. وفي هذا الصدد قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لين، إنها مستعدة لرفع السرية عن عملية التصويت في عدد من الملفات المطروحة أمام المجلس الأوروبي، ما قرئ فيه تلميح لعملية التصويت بمنح أوكرانيا صفة المرشح للانضمام.

ومن المرجح أن يزيد رفع السرية المقترح من قبل فون دير لين شدَّة الصدام بين الدول الأوروبية، التي ستصبح مواقفها منكشفة أمام جبهتها الداخلية قبل الخارجية، وبالتالي تعرضها للضغط أثناء اتخاذ القرارات.

من جهة أخرى لا يزال النقاش حول الاستمرار في استهلاك الموارد الطاقية الروسية يؤجج الخلاف بين الأوروبيين، خصوصاً بعد قطع موسكو وارداتها من الغاز على كل من بولندا وبلغاريا، وإعلان هنغاريا بالمقابل امتثالها لطلبات الروس بالدفع بالروبل. بينما لا تزال ألمانيا تتزود بتلك الموارد الطاقية، رغم دعواتها العلنية للتخلي عنها، إذ كشفت دراسات كون برلين أكبر زبون للغاز الروسي منذ اندلاع الحرب بأوكرانيا.

كما أن العديد من الدول الأوروبية مترددة بشأن تصدير الأسلحة الثقيلة، مثل الدبابات أو الطائرات المقاتلة، لأوكرانيا وسط مخاوف من أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي رسمياً إلى تصعيد الحرب، وإلى صراع مباشر بين روسيا والدول الأعضاء. هذا رغم دعوة أورسولا فون دير لين الحكومات الأوروبية إلى تسريع تقديم المساعدات العسكرية، لأنه "بهذه الطريقة فقط يمكن لأوكرانيا البقاء في معركتها الدفاعية الحادة ضد روسيا".

TRT عربي