هل تعوّل روسيا على هزيمة أوكرانيا بالثلوج؟ / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

تعيش مناطق واسعة من أوكرانيا تحت الظلام والبرد القارس، ذلك بعد توالي الضربات الروسية للبنية التحتية الطاقية للبلاد، ما يترك نصف شبكات الكهرباء الأوكرانية خارج الخدمة، مع اقتراب الشتاء القاسي الذي تعرفه عادة تلك المناطق من الكوكب.

وقبل يومين، انطلقت صافرات الإنذار في سماء العاصمة كييف، ليعقبها دوي انفجارات في مواقع مختلفة. وقالت السلطات الأوكرانية إن الأمر يتعلَّق بقصف صاروخي روسي للعاصمة، استخدم فيه أكثر من 70 صاروخ كروز نجحت دفاعات أوكرانيا في اعتراض 51، فيما أصاب الباقي أهدافاً حيوية منها محطة الطاقة.

هذا ووصف الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي هذا الإصرار الروسي على قصف منشآت الطاقة الأوكرانية، بأن موسكو "تستخدم البرد سلاح دمار شامل". متهماً جارته الشمالية بالسعي للتسبب في كارثة إنسانية.

البرد أداة حرب!

وجراء القصف الأخير لكييف، يقول عمدة العاصمة فيتالي كليتشكو، عانت أجزاء في المدينة من انقطاع المياه والكهرباء بشكل تام. كما أعلنت شركة الطاقة النووية الأوكرانية "إنرغواتوم"، بأن ثلاثة من مفاعلاتها النووية فقدت الاتصال بالإنترنت جرّاء انقطاع الكهرباء.

وحذَّرت شركة إدارة شبكة الكهرباء الوطنية في أوكرانيا، من أن البلاد قد تواجه انقطاعات طويلة في الكهرباء على مدى شهور الشتاء، كون الأضرار التي تكبدتها منشآت توليد الكهرباء في الأسابيع الأخيرة "هائلة". وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن أكثر من ستة ملايين منزل في أوكرانيا تأثرت بانقطاع التيار الكهربائي.

وأوضح زيلينسكي في خطابه يوم الثلاثاء أن روسيا تحاول استخدام البرد هذا الشتاء "سلاح دمار شامل" من خلال ضرب البنية التحتية للطاقة، وأن "نحو 10 ملايين أوكراني يعيشون بلا كهرباء مع دخول الفصل البارد، بعد تدمير 30% من منشئات الطاقة بالبلاد". وأضاف، داعياً نظراءه الغربيين للمساعدة، "للبقاء على قيد الحياة هذا الشتاء ولمنع روسيا تحويل البرد إلى أداة للإرهاب والاستسلام لهذا الأمر، نحتاج الى كثير من الأشياء".

هذا وحذّرت منظمة الصحة العالمية، الاثنين، من أن حياة ملايين من الأوكرانيين معرضة للخطر بسبب انقطاع الكهرباء والتدفئة جراء الهجمات الروسية. وقال المدير الإقليمي لأوروبا في منظمة الصحة العالمية هانز كلوغ: "هذا الشتاء سيعرض حياة الملايين من الناس في أوكرانيا للخطر (...) ولا يمكن أن تكون صحة السكان رهينة للحرب".

وأضاف كلوغ، أن الضربات الروسية الأخيرة "لها بالفعل آثار مدمرة على النظام الصحي وعلى صحة السكان، وسيضطر 3 ملايين مواطن على الأقل إلى الرحيل عن ملاجئهم بحثاً عن الدفء والطاقة"، فيما نصف البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا قد تضررت أو دمرت، وبالتالي فإن "هذا الشتاء في أوكرانيا سيكون متعلقاً بدرجة أولى بالبقاء على قيد الحياة".

مولدوفا هي الأخرى متضررة

وجراء الاستهداف المستمر لبنية الطاقة في أوكرانيا، تعرضت مولدوفا هي الأخرى لانقطاعات متكررة في الكهرباء، إذ تعرضت شبكتها لانخفاض مفاجئ للتيار ما تسبب في أضرار واسعة فيها. علماً أن البلاد وتستورد حوالي 30% من كهربائها من أوكرانيا.

وفقاً لما أعلن نائب رئيس الوزراء المولدوفي أندري سبينو، بات أكثر من نصف مولدوفا يعاني من انقطاع في الكهرباء. وتسارع شركة الكهرباء "مولدو إليكتريك"، المملوكة للدولة، إلى إصلاح الأعطاب الناجمة عن انقطاع إمدادات الكهرباء الأوكرانية.

وفي هذا الصدد، كتبت الرئيسة مايا ساندو، مستنكرة انقطاع التيار، بأن: "روسيا أغرقت مولدوفا في الظلام، الحرب الروسية على أوكرانيا لا تزال مستمرة، والصواريخ الروسية تقتل الأوكرانيين وتدمر الأحياء السكنية ومنشآت الطاقة (...) مهما كان الأمر صعباً الآن، فإن طريقنا الوحيد، مستقبل مولدوفا، يجب أن يظل نحو العالم الحر".

استراتيجية "الجنرال جليد"

تتزامن هذه الضربات الروسية المكثفة للبنية التحتية الطاقية في أوكرانيا، مع دخول الشتاء القارس، إذ شهدت البلاد الأسبوع الماضي أولى التساقطات الثلجية. فيما تسير درجات الحرارة نحو الانخفاض تحت الصفر ويصبح النهار أقصر، ما يزيد انعكاسات تلك الضربات على الساكنة.

وليست درجات الحرارة المتدنية تحت الصفر بالأمر الغريب على الشتاء الأوكراني، بل يمكنها أن تبلغ 20 درجة مئوية تحت الصفر، خصوصاً في مناطق كسومي وخاركيف في أقصى الشمال، بحلول يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط.

ويرى محللون أنه بالنسبة إلى روسيا، التي تسيطر الآن على أراضٍ أوكرانية أقل مما كانت عليه منذ الأسابيع الأولى من الهجوم، قد يكون أفضل خيار استراتيجي لها هو أن تتمكن من الصمود خلال الشتاء وتجنب مزيد من الخسائر الجسيمة، وتأمل أن يقوم البرد بمهمة إضعاف المقاومة الأوكرانية. وهو ما أكده النائب المقرب من الكرملين أندريه غوروليف، بالقول : "من المستحيل البقاء على قيد الحياة في ظل عدم وجود تدفئة ولا ماء ولا ضوء".

فيما ليست هي المرة الأولى التي توظف فيها روسيا الشتاء لصالحها في الحروب، بل لعب هذا الطقس دوراً مفصلياً في صدها حملة نابوليون بونابارت على موسكو خلال القرن 19، كما إفشال الهجوم النازي عليها خلال الحرب العالمية الثانية. ودأب الضباط النازيون على تسمية الشتاء الروسي بـ"الجنرال جليد"، في إشارة إلى وقوف الطقس المتجمد لصالح أعدائهم في الحرب.

TRT عربي