يمكن لأي شخص أن تَتعثَّر خطواته في أي سنّ، لكنْ مع رئيس بلاد يبلغ من العُمر 80 عاماً، فإنّ ذلك يثير حتماً جدلاً واسعاً، بخاصة إذا كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
تُظهِر استطلاعات الرأي أنّ معظم الأمريكيين منزعجون من سنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي بدأ حملة انتخابية لإقناع الناخبين بإبقائه في البيت الأبيض حتى السادسة والثمانين، ليصبح مع نهاية ولايته الثّانية أكبر رئيس في تاريخ الولايات المتحدة.
ويطرح موضوع سنّ المرشَّح بايدن عديداً من التساؤلات حول مدى تأثير سنه في ميول الناخبين، خلال السباق الرئاسي الأمريكي لعام 2024.
قلق من سنّ "الرئيس"
أظهر استطلاع رأي أجرته شبكة "سي إن إن" (CNN) في أوائل سبتمبر/أيلول الماضي، أنّ الرئيس جو بايدن يواجه تراجعاً مستمرّاً في عدد مؤيديه، حتى بين أعضاء حزبه، بالإضافة إلى مخاوف واسعة النطاق بشأن سنه.
وقال 73% من الأمريكيين إنّهم "قلقون للغاية" من أن تؤثّر سنّ بايدن سلباً في كفاءته البدنية والعقلية، فيما أعرب 76% منهم عن قلقهم بشأن قدرته على الخدمة طَوال ولاية كاملة إنْ أُعيدَ انتخابه رئيساً.
وأظهر الاستطلاع أنّ أكثر من نصف الديمقراطيين "قلقون للغاية" بشأن تأثير سنّ الرئيس بايدن سلباً في مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك كفاءته البدنية والعقلية وقدرته على الفوز في انتخابات 2024.
في معسكر الحزب الجمهوريّ، كشف استطلاع رأي في أغسطس/آب الماضي، أنّ نسبة أقل من الجمهوريين تعتقد أنّ سنّ الرئيس السابق دونالد ترامب 77 عاماً، تمثّل عائقاً لا يسمح له بفترة ولاية أخرى.
ورغم أنّ ترامب يصغر بايدن بـ3 سنوات فقط، يقول الأمريكيون المستجوَبون إنّ طريقة مشي بايدن، وتعثُّره أكثر من مرة، إضافةً إلى طريقة حديثه وزلّات كلامه الكثيرة، تجعلهم يشعرون بالقلق من تولّي بايدن الرئاسة لولاية كاملة أخرى، وهي إحدى أكثر الوظائف تطلُّباً في العالم.
في المقابل يبدو ترامب كأنّه شخص أصغر بكثير من سنه الحقيقية، وأكثر اهتماماً بوسائل التواصل الاجتماعي بطريقة توضّح أنّه يتغيّر مع الزمن، وأنّ بايدن لم يفعل ذلك.
هذا القلق من سنّ الرئيس دفَع أغلبية ساحقة من الأمريكيين المستجوَبين في استطلاع رأي، إلى المطالبة بإجراء اختبارات الكفاءة الذهنية للسياسيين المرشَّحين للرئاسة.
وطالب المشاركون في استطلاع الرأي المشترك بين "دي إيكونوميست" وشركة (YouGov)، بإتاحة نتائج الفحوص للعموم، فضلاً عن فرض سنّ قصوى لمن يقدّم ترشيحه لمنصب الرئاسة وعضوية الكونغرس.
قد يعني ذلك تقييم قدرات أشخاص مثل الرئيس بايدن، البالغ من العُمر 80 عاماً، وهو أكبر من تَولَّى المنصب، والرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح الأوفر حظاً للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري عام 2024.
هذا ينطبق أيضاً على زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، 81 عاماً، الذي "تَجمَّد" في مكانه فاقداً القدرة على التفاعل أكثر من مرة في أثناء حديثه خلال مؤتمر صحفي.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة ويبستر ويليم هال، أنّ مسألة السنّ ستكون قضية مهمة يأخذها الناخبون بعين الاعتبار خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024، لكنّها ليست القضية الأهمّ.
ويوضح هال في حديثه مع TRT عربي أنّ السنّ ستكون مشكلة للمرشحين معاً، إذ إنّ الفارق بينهما قليل، مضيفاً أنّ مسألة السنّ تعتمد على أمرين، أولهما مدى نجاح كِلا الحزبين في تسليط الضوء على عامل سنّ المنافس وجعله مشكلة أكبر وأكثر بروزاً.
أما الأمر الثاني وفق هال، فهو "مدى قدرة كل مرشح على إجادة التصرف خلال الحملة الانتخابية، بحيث يعكس ويُظهِر صحة ذهنية وجسدية جيّدة، لكي لا يقدّم لوسائل الإعلام فرصة للتركيز على قضايا تتعلق بسنّه".
أسباب "أكثر أهمية"
رغم أنّ نسبة كبيرة من الأمريكيين تقول إنّه لا ينبغي للرئيس الأمريكي الترشح مرّة أخرى بسبب سنّه، وإنّ على الحزب الديمقراطي أن يقدم مرشَّحاً بديلاً أصغر سنّاً، فإنّ نسبة كبيرة من الديمقراطيين يوافقون على الطريقة التي أدى بها بايدن وظيفته.
وهو الأمر الذي يشير إلى أسباب وجيهة للاعتقاد بأنّ سنّ بايدن قد تكون أقلّ أهمية مما تشير إليه بعض استطلاعات الرأي.
ويعتقد عديد من الناخبين، من كِلا المعسكرين الجمهوري والديمقراطي، أن ّالقادة الأكبر سنّاً غالباً ما يتمتعون بخبرة قيمة، ولا ينبغي استبعادهم بسبب سنّهم فقط.
ويقول أستاذ العلوم السياسية ويليم هال إنّه رغم مخاوف البعض فإنّ الإنجازات التي حقّقها الرئيس الديمقراطي الحالي ستكون لها الأفضلية المفترضة للفوز بإعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم متاعبه القانونية وتوجيه 91 تهمة جنائية إليه، يتعادل دونالد ترامب مع بايدن في استطلاعات الرأي الأخيرة، ويتصدَّر المرشَّحين الجمهوريين المحتمَلين.
في هذا الصدد يؤكد هال أنّ صعود ترامب في استطلاعات الرأي بعد عديدٍ من لوائح الاتهام الأخيرة والمشكلات القانونية المتزايدة ذات الصلة، يغذّيه إلى حدّ كبير سخط قاعدته الأساسية وغيرهم من المؤيدين الجمهوريين على أنظمة العدالة الجنائية الأمريكية.
ويعتبر هؤلاء أنّ العدالة الأمريكية "متحيّزة"، ويتهمون المدّعين العامِّين في الولايات المتحدة باستغلال مواردهم لاستهداف الرئيس السابق دونالد ترامب.
ويوضّح هال أنّ مؤيدي ترامب يعتقدون أنّ تلك المؤسسات القانونية تُظهِر تهاوناً أو تجاهلاً تامّاً لنشاط جنائي مزعوم لمن قد تكون لديهم توجُّهات مناهضة لترامب، بما في ذلك أولئك الذين قد يكونون أكثر انتماءً أو دعماً لمن يحملون آراءً أو توجهات ديمقراطية.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أنّ المشكلات القانونية المتزايدة التي يواجهها الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب، تجعل فرصه في الفوز أقلّ من بايدن، رغم مشكلة السنّ.
ويعدّد هال العوامل الأكثر أهمية للسباق الرئاسي لعام 2024، بعيداً عن السنّ، التي قد تؤثر في اختيارات الناخبين، ويُجمِلها في المسائل الاقتصادية، قائلاً إنّ الرئيس "يجب النظر إليه على أنّه يعزِّز قوة الاقتصاد الأمريكي، لا يُضعِفه".
ويرى أنّ مسألة التضخم والبطالة تشغل الناخبين، لافتاً إلى أنّه "يجب أن يكون تشغيل العمالة قويّاً ويرتفع في اتجاه تصاعدي، وأن تسير البطالة في اتجاه تنازلي".
ويشير هال إلى أنّ الأحداث الحالية في الحرب الأوكرانية قد تهمّ الناخبين، إذ إنّ "الثقة المتزايدة بالحكومة الأمريكية وقيادتها يجب أن تبدأ إظهار منحىً في صالح أوكرانيا".
وهكذا تظلّ أسئلة الداخل المرتبطة بالاقتصاد والسياسة، إلى جانب صورة ساكن البيت الأبيض، عوامل هامة في اختيار الرئيس، لكن التوجه الأكبر في الرأي العامّ الأمريكي الذي تُظهِره استطلاعات الرأي، هو الرغبة في "قيادة" أصغر سنّاً مما عليه الحال اليوم.