المستشار الألماني أولاف شولتز زار موسكو قُبيل اندلاع الحرب في أوكرانيا (Sputnik/Reuters)
تابعنا

خلال الأشهر الساخنة التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا، أثار رفض ألمانيا تقديم مساعدة عسكرية لأوكرانيا حيرة عديد من حلفائها الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي، الأمر الذي أثار الشكوك حول نجاعة جهود الردع التي يبذلها الغرب في حال لم تتخذ برلين موقفاً أكثر جرأة لا لبس فيه تجاه روسيا.

وما إن بدأت روسيا غزوها الأراضي الأوكرانية صباح 24 فبراير/شباط الماضي، حتى تكاتفت العواصم الغربية ومن ضمنها برلين وباشروا فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على موسكو لردعها عن مواصلة الغزو، كما طالت العقوبات الألمانية خط أنابيب "نورد ستريم 2" القادم من روسيا إلى ألمانيا ووقفته.

وعلى الرغم من مشاركتها بالعقوبات الغربية على روسيا، كانت ألمانيا حتى أيام قليلة مصرة على اتخاذ موقف حذر من قضية أوكرانيا في إطار مساعيها لإقامة توازن بين علاقاتها بالغرب من جانب، وروسيا من الجانب الآخر.

دعم ألماني دون المستوى

على مدى عقود طويلة أدّى الجدل العامّ في ألمانيا إلى رفع مستوى الشراكة الوثيقة مع روسيا لتكون ضامن السلام في أوروبا. مع ذلك فإن تعريف روسيا للسلام الآن لا يشمل فقط أوكرانيا الممزقة، ولكن أيضاً أوروبا التي كانت قبل الغزو الروسي منقسمة داخلياً ومنفصلة عن الولايات المتحدة.

أثار رفض ألمانيا إرسال أسلحة إلى أوكرانيا في الأشهر الأخيرة حيرة وغضب بعض الحلفاء. فبينما تحيل رفضها إلى مبدأ أن توريد الأسلحة لأوكرانيا لن يجلب السلام إلى المنطقة وسيزيد الأمور تعقيداً، فإنه المبدأ نفسه الذي أنتهكته ألمانيا عندما زودت الجيش الأفغاني والبيشمركة بالسلاح في العراق تحت اسم القتال ضد داعش.

في المقابل أشاد الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، الذي انتقد ألمانيا في البداية لفشلها في تقديم مساعدة ملموسة، لا سيما في خطاب ألقاه أمام البوندستاغ الشهر الماضي، بخطوات برلين الأخيرة التي وافقت على توريد الأسلحة والصواريخ المضادة للدبابات إلى أوكرانيا بعدما كانت مترددة في المراحل الأولى من الغزو الروسي لتزويد أوكرانيا بالأسلحة.

"ألمانيا تغلّب المصالح"

من حيث قوتها السياسية والاقتصادية، تحتلّ ألمانيا المرتبة الأولى بين الدول التي يمكن أن يكون لها تأثير في روسيا. مع ذلك لا تزال ألمانيا سلبية في أزمة أوكرانيا رغم مشاركتها في العقوبات والإفصاح عن نيتها لتوريد أسلحة دفاعية إلى أوكرانيا، فضلاً عن دعوتها للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الروسية بحقّ المواطنين الأوكرانيين.

علاوة على ذلك فإن التحالف الحاليّ بين الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحرّ منقسم ذاتياً حول العلاقات مع روسيا. فبينما تريد وزيرة الخارجية أنالينا بربوك من حزب الخضر عقوبات قاسية ضد روسيا، لا يريد الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر تضمينهما في هذه الأجندة المتشددة بالنظر إلى العلاقات التجارية بين ألمانيا وروسيا.

بطبيعة الحال لا تريد ألمانيا أن تتكبّد مزيداً من الخسائر في تجارتها مع روسيا بسبب قضية أوكرانيا، فهي لا تريد الإضرار بحجم تجارة يقارب 50 مليار دولار مع روسيا في عام 2019، خصوصاً أن حجم التجارة بين البلدين تجاوز 80 مليار دولار عام 2013، أي قبل بدء الأزمة الأوكرانية عام 2014.

التقارب الألماني-الروسي

يفضّل الاشتراكيون الديمقراطيون بقيادة شولتز سياسة العمل مع الروس. في سبعينيات القرن الماضي صمّم المستشار ويلي برانت سياسة التقارب مع موسكو خلال الحرب الباردة، فيما لم يكن المستشار الديمقراطي الاشتراكي الأخير جيرهارد شرودر مجرد صديق مقرب للرئيس بوتين، بل كان على كشوف رواتب شركات الطاقة الروسية منذ 2005.

وقُبيل رفض أوكرانيا طلب الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير زيارة العاصمة كييف، في خطوة من شأنها أن تزيد تعقيد العلاقات بين البلدين، اعترف شتاينماير الأسبوع الماضي بأخطاء في ما يخصّ السياسة الروسية خلال منصبه السابق وزيراً للخارجية في حقبة المستشارة السابقة أنغيلا ميركل.

ورغم أن قرار الرفض هذا دفع شتاينماير، الذي حافظ على علاقات وثيقة مع موسكو لسنوات متجاهلاً التهديد الروسي لأوروبا الشرقية وأوكرانيا تحديداً، إلى الاعتراف بارتكاب أخطاء في تأسيس علاقات وثيقة بقطاع الطاقة مع روسيا، لا يخفي ذلك حقيقة أن ألمانيا لا تملك مجالاً كافياً للمناورة مع روسيا، خصوصاً أن المجتمع الألماني والصناعة الألمانية سيستمران في الحاجة إلى الغاز الطبيعي لفترة طويلة.

TRT عربي