تابعنا
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا والتي ستُجرَى بين 16 أبريل و16 مايو 2021، وفي وقت تتصاعد فيه الدعوات المعارضة لها، تتعدد السيناريوهات المحتملة لذلك.

من بين السيناريوهات المتوقعة، الإعلان عن تشكيل مجلس عسكري برئاسة العميد مناف طلاس نجل وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس ويضم عدداً متوافقاً من ضباط النظام والضباط المعارضين المنشقين عن الجيش.

مجلس عسكري بديل..ولكن!

فكرة المجلس العسكري تسببت في صراع بين من يراها حلاً يأتي بعد إجراء الانتخابات، ومن يريدها بديلاً عن الانتخابات لإقصاء رأس النظام السوري بشار الأسد عن المشاركة فيها، واعتبر البعض أن الجانب الروسي يمكن أن يعتبر ضامناً لكل المتصارعين على اعتبار أنها تبدو القابض على الملف السوري في ظل تراجع الدور الأمريكي مع بداية مرحلة الرئيس الجديد جو بايدن.

ونشرت صحيفة الشرق الأوسط يوم الأربعاء 10 فبراير/شباط 2020 وثيقة قالت إنها حصلت على نسخة منها تتضمن تفاصيل تشكيل المجلس العسكري حيث يضم وفق الوثيقة "أن المجلس يتشكل من ثلاثة أطراف، هي "متقاعدون خدموا في حقبة حافظ الأسد ممن كان لهم وزن عسكري واجتماعي مرموق"، إضافة إلى "ضباط ما زالوا في الخدمة"، إلى جانب "ضباط منشقين لم يتورطوا في الصراع المسلح ولم يكن لهم دور في تشكيل الجماعات المسلحة".

الصحيفة قالت إن هذا العرض جاء من جهات معارضة "جاء خطياً من معارضين سوريين في منصتي "موسكو" و"القاهرة" لتنفيذ القرار "2254"، وتضمن اقتراح "تشكيل مجلس عسكري خلال مرحلة انتقالية يجري الاتفاق حول مدتها".

وفي أول ردود الفعل على هذه الوثيقة نشر رئيس منصة موسكو قدري جميل منشوراً ينفي فيه صحة ما جاء فيها: "نشرت الشرق الأوسط اليوم مادة ادعت فيها أن منصتي موسكو والقاهرة سلمتا الجانب الروسي وثيقة مكتوبة حول إنشاء مجلس عسكري.. إن الخبر لا يمت للواقع بصلة والمستغرب توقيته وشكله ونستنكر محتواه الذي يهدف إلى خلط أوراق العملية السياسية التي نضجت ظروفها ويهدف إلى عرقلتها".

النظام.. الانتخابات بوقتها

أما النظام السوري فقد أكد أكثر من مرة على لسان رئيسه ومستشاريه أن الانتخابات ستُجرى في وقتها، وعقد الأسد في وقت سابق هذا الشهر لقاءات مع بعض الإعلاميين للاستعداد -حسب ما تم تناقله- للعملية السياسية وما يترتب على هذه المرحلة الحساسة.

وفي مقابلة له مع قناة روسيا اليوم بتاريخ 11 من أكتوبر/ تشرين الأول 2020 قال الأسد "بالتأكيد ستُجرى انتخابات عامة في العام 2021 في سورية، وسيكون هناك عدد كبير من المرشحين،وأنها ستكون بشكل كامل من الألف إلى الياء تحت إشراف الدولة السورية".

و قالت بثينة شعبان المستشارة السياسية للأسد في تصريح لقناة المنار يوم 19ديسمبر/كانون الأول 2020 "إن الانتخابات الرئاسية في سورية ستجرى في موعدها، العام المقبل، دون أي تغيير فيها".

وعن إمكانية إجراء هذه الانتخابات في موعدها ونجاح النظام في ذلك قال الصحفي السوري المعارض محمد عبد الله في تصريح له لـ TRT عربي"أظن أن النظام ذاهب باتجاه إجراء الانتخابات نظرا لما يعتقده بأنها ستمنحه مشروعية داخلية وخارجية، أما فيما يتعلق بنجاحه في إجرائها فهذه مسألة نسبية، على الأقل سينجح بإجرائها في المناطق التي يسيطر عليها بغض النظر عن نسبة المشاركة، وأعتقد أنها ستكون منخفضة لأسباب تتعلق بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحتها المواطن السوري في مناطق سيطرة النظام".

لعبة أسماء الأسد

شهدت السنة الماضية صعود نجم زوجة الرئيس السوري بشار الأسد إلى واجهة الملفات الاقتصادية والاجتماعية ما اعتبره البعض سيناريو من النظام لتكون بديلاً عن الأسد، وباتت تشرف على ملفات الفساد الاقتصادي وقيل إنها تقف وراء إصدار عدد من قرارات الحجز على أموال الكثير من الاقتصاديين الذين وقفوا مع نظام الأسد وعلى رأسهم (رامي مخلوف).

كذلك ركزت وسائل إعلام النظام على نشاطات أسماء الأسد خصوصاً تلك الجولات إلى قرى الساحل السوري، وزيارة عائلات شهداء الجيش، ولقاءاتها المتعددة مع فعاليات اجتماعية ونسوية في العاصمة وبعض المحافظات.

ولكن مع بداية عام 2021 تراجعت تلك التغطيات، وهذا ما دعا بعض المعارضين إلى الإعلان عن فشل ما سمي بالخطة (ب) التي اعتمدها النظام لتشتيت معارضيه ومواليه والذهاب إلى خطة جديدة وصفها المعارض أيمن عبد النور بإحدى رسائله عبر اليوتيوب أنها "تتمثل بإمكانية أن تحل شخصية سنية مكان بشار الأسد على أن تضمن روسيا ولاء هذه الشخصية التي تنتمي للأكثرية السنية لها وللنظام السوري".

حملة مضادة

ترافقت حملة النظام وتأكيداته على إجراء الانتخابات في موعدها مع حملة مضادة دعا إليها ناشطون وشخصيات مدنية تحت شعار (لا شرعية للأسد وانتخاباته)، وأعلن هؤلاء عبر مؤتمر صحفي عقدوه بواسطة تقنية الفيديو أن حملتهم ستخاطب الرأي العام السوري داخل البلاد وخارجها، وأنها ستركز في خطابها على السوريين الذين يقطنون ضمن مناطق سيطرة النظام من أجل حثّهم على عدم المشاركة في هذه المسرحية.

أكد البيان أيضاً أن الحملة ستتوجه إلى الرأي العام الإقليمي والعربي والدولي من أجل عدم الاعتراف بشرعية تلك الانتخابات الصورية.

انتخابات مكررة

يرى بعض الإعلاميين أن ما سيفعله النظام ليس سوى تكرار لانتخابات اعتاد على إجرائها تُقصي جميع السوريين الذين يمتلكون أفكاراً مختلفة حول الإصلاح ونظام الحكم، وأنه ماضٍ في حملته دون شك.

الصحفي السوري علي عيد المتخصص في الشأن السياسي يقول لـTRT عربي بهذا الشأن: "لا شك أن النظام يفكر بإجراء الانتخابات في وقتها، بل إنه بدأ تحضيراته لهذا الخيار، والدلائل هي تسريبات من مختلف الأوساط حول طبيعة الحملة التي سيقوم بها، والاعتماد على الأوساط الحزبية، وموظفي الدولة، وحملة التخويف التي تهدف لمنع ظهور أصوات تطالب بانتخابات حرة في الداخل، وحتى الأصوات التي يفترض أن تتحدث بصوت منخفض عن فساد في هذه المرحلة لن تكون مقبولة".

السوريون..مخاوف ولا مبالاة

أما فراس محمد المحرر في موقع تلفزيون سوريا المعارض فيرى أن النظام لا يقيم وزناً لآراء السوريين في الداخل والخارج وسيذهب إلى انتخاباته دون الالتفات إليهم، وهم يدركون ذلك وغير مهتمين بما سينتج عنها سواء كانوا معارضين أو لاجئين أو مهجّرين، "منذ انقلاب البعث عام 1963 وحتى اليوم لم يعد المواطن السوري يتفاعل مع أي انتخابات كانت تجري في سوريا وخاصة الانتخابات الرئاسية التي كانت نتائجها محسومة بواقع 99.99%، ويدرك المواطنون السوريون في الداخل أو النازحون والمهجرون في مختلف أصقاع المعمورة بحكم خبرتهم مع هذا النظام أن التحضيرات التي يجريها النظام السوري للانتخابات الرئاسية هذا العام، ما هي إلا مسرحية جديدة لا تختلف عن سابقاتها وأنها محاولة جديدة لكسب شرعية وهمية على حساب دم الشعب السوري وتطلعاته إلى بناء دولة ديمقراطية حقيقية".

فيما قال صحفي محلي يعيش في دمشق فضل عدم ذكر اسمه، لـTRT عربي حقيقة ما يجري في الداخل من تفاعل ممن هم محسوبون على الموالاة أو من يعيشون في مناطق سيطرة النظام "أنا أعيش في منطقة يسكنها الموالون وهؤلاء قد وصلوا إلى حافة الانهيار الاقتصادي ولا يرون مشكلة في أن يصل إلى السلطة أي طرف سياسي سوري يؤمّن لهم حياة كريمة تخرجهم من الذل والفقر وطوابير الانتظار للحصول على الخبز والوقود، ولكن ما يثير ذعرهم ويجعلهم في خشية من المستقبل ويحتم عليهم التمسك بنظام الأسد هو خوفهم من الانتقام والقتل، وكذلك حملات الاعتقال الأخيرة التي طالت الكثير من الإعلاميين لأنهم انتقدوا أداء الحكومة وهذه عودة إلى بطش النظام في الثمانينيات، حيث لم يعتد أن يقبل انتقاد الموالين قبل المعارضين".

إعلام المعارضة..لا أجندة وطنية

في مقابل تكثيف النظام لحملته الإعلامية عن الانتخابات القادمة يبدو إعلام المعارضة بعيداً عما يحصل، وأكثر ما يقوم به في استحقاق كبير كهذا هو نشر البيانات الاستنكارية والحوارات التي تحابي الداعمين.

الصحفي المعارض علي عيد يرى أن القضية أكثر من رغبات بل تحتاج إلى خطة عمل واضحة.. يقول عيد لـTRT عربي "من حيث المبدأ ليس هناك إعلام معارض بأجندة وطنية واضحة، وهو بشكله الحالي لا يستطيع الوصول إلى الشارع حتى ولو تبنى خطة للتأثير في الرأي العام، المسألة أكثر من رغبات، إنها خطة عمل يجب أن تبدأ برسائل ومجموعات ضغط، وحملات علاقات عامة، وبناء ثقة، وتوعية، وما يحصل اليوم هو أن السوريين قسم منهم غارق في الطوابير والآخر غارق في وحول المخيمات، وثمة مسؤولية كبيرة تتحملها كل القوى الوطنية في الداخل والخارج، وقبلها رأس المال الخاص الذي انتهى من خيار الشراكة مع النظام في سوريا، أو الذي بات يخشى أن يؤثر دعمه لحراك وطني خارج سوريا بأن يضيَّق على مصالحه".

سيناريوهات أخرى

مجموعة من السيناريوهات جرى تداولها أخيراً عن مشاركة أطراف من المعارضة في الانتخابات لإضفاء الشرعية عليها والوصول ببشار الأسد لكرسي الحكم وهو ما جرى نفيه.

وكتبت منى غانم عضو تيار بناء الدولة في منشور لها على الفيسبوك أن هذا الأمر يعطي الأسد شرعية أكبر "الدعوة إلى ترشيح معارضين للانتخابات الرئاسية القادمة قبل تقديم السلطة السورية إمكانيات الانفتاح السياسي والعمل السياسي المعارض الحر في داخل البلاد هو مجرد محاولة لإعطاء نجاح الرئيس الأسد شرعية أكبر".

بينما يرى علي عيد أن سيناريو مساومة الأسد بملفات أخرى بين الروس والأمريكان غير وارد حالياً، "ليس ثمة ما يشير إلى أنهم دخلوا مرحلة المساومة على هذا الملف، لأن المسافة شاسعة مع الخصوم في ملفات كثيرة منها قضايا الأمن الاستراتيجي والدرع الصاروخية والقرم وأوكرانيا، كما أن السياسة المتوقعة تقليدياً لفريق بايدن المنحدر من أصول إدارة أوباما بأنه قد يعيد اعتبار روسيا خصماً أساسياً بدل الصين، لذلك فمن المبكر القول إن الروس يُجْرون بازاراً على شخص الأسد، وهو أمر وارد في أية لحظة".

أما عن السيناريو الأخير الذي يجري تداوله فهو تأجيل الانتخابات، حيث لا حالة توافق دولي وإقليمي واضحة حول القضية السورية، وأن ظروف هذا الاتفاق لم تنضج بعد، وأن النظام يستثمر في هذه الاستحقاقات ريثما يتم التوافق، بينما يعيش الشعب السوري وضعاً اقتصادياً وإنسانياً لم تشهده الإنسانية.

TRT عربي