مظاهرة ضد سياسة الاتحاد الأوروبي بخصوص تدفق الغذاء القادم من أوكرانيا  / صورة: AFP (Daniel Mihailescu/AFP)
تابعنا

في الوقت الذي أعلنت فيه روسيا الحرب على أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير/شباط عام 2022، دقّ ناقوس الخطر محذّراً من ''جوع'' عالمي محتمَل بسبب تأثيرات الحرب على إمدادات الحبوب وتَعطُّل سلاسل تصدير السلع الغذائية من أوكرانيا إلى أوروبا وسائر دول العالم.

لكن بعد عام ونصف، انقلبت الصورة رأساً على عقب في عدة دول أوروبية، فقد تحول التسابق نحو التزوّد بالسلع الغذائية والحبوب من أوكرانيا، إلى ''نفور'' من منتجات كييف الغذائية وحظر متتالٍ لتوريد عدد السلع الأساسية منها.

ففي منتصف شهر أبريل/نيسان الجاري، أعلن حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا، عقب احتجاجات المزارعين في البلاد، حظر استيراد الحبوب والسلع الغذائية الزراعية من أوكرانيا، في خطوة حمائية تهدف إلى حماية المزارعين من انهيار الأسعار والمنافسة غير العادلة.

إثر ذلك حذت المجر وسلوفاكيا وبلغاريا حذو قرار بولندا وقرروا بدورهم حظر توريد الغذاء من أوكرانيا على غرار الحبوب والألبان والسكر والفواكه والخضراوات واللحوم حتى نهاية شهر يونيو/حزيران المقبل، في خطوة قد تضع تضامن دول الاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا على المحك.

أصل الأزمة

من أجل دفع أوكرانيا إلى الخروج من الركود الاقتصادي عقب الغزو الروسي، علق الاتحاد الأوروبي في شهر مايو/ أيار 2022 الرسوم الجمركية على سلع البلاد لمدة عام واحد عبر ''ممرات التضامن'' في خطوة لمساعدة كييف على بيع مخزونها من الحبوب في دول أوروبا الغربية.

لكن هذا القرار لم ينهِ الصعوبات اللوجستية، وأمام استحالة تصدير الحبوب والسلع الغذائية إلى أوروبا عبر البحر الأسود بسبب الغزو الروسي وإغلاق المواني الرئيسية، لم تجد الحبوب والسلع الغذائية الأوكرانية سبيلاً إلى أوروبا إلّا عبر الطرق البرية.

يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة باريس والمتخصص في القضايا الزراعية تييري باوتش، في تصريح لمجلة ''ليكسبريس'' الفرنسية، ''نتيجة لذلك، وجدت شبكة السكك الحديدية والطرق نفسها مكتظة بسبب هذا التدفق المفاجئ للسلع الزراعية". وأوضح باوتش: "يمكن لسفينة واحدة نقل ما يصل إلى 65 ألف طن من الحبوب مقارنة بـ3 آلاف طن فقط للقطار. في ظلّ هذا الاختناق، "شهدنا ظاهرة التخزين المؤقت في البلدان المتاخمة لأوكرانيا''، وفق تعبيره.

ويفسر باوتش: ''لإنهاء تكدس الحبوب في الصوامع، أصبح لزاماً بيعها في الأسواق المحلية وهو ما يتسبب في زيادة العرض الذي أدى بدوره إلى انخفاض الأسعار بصفة آلية، وخفّض آلياً الدخل الزراعي في البلدان المعنية، وهو ما تسبب في إثارة غضب المزارعين في جميع أنحاء شرق ووسط أوروبا. ومن أجل وقف هذا النزيف، اختارت البلدان المتاخمة لأوكرانيا حظر الواردات الزراعية منها''.

ورغم الحظر، لا يزال الوضع متوتراً مع الدول المجاورة لأوكرانيا. ووفق تييري باوتش، الذي يرى أنه يمكن تحقيق مخرج من الأزمة بوساطة الاتحاد الأوروبي حيث "يمكن للمفوضية الأوروبية تقديم مساعدات مالية للدول الأوروبية الأكثر تضرراً من هذا الانخفاض في الأسعار".

غضب وتصدع أوروبي

لاقت قرارات الحظر المفروضة على الغذاء الأوكراني انتقادات شديدة من المفوضية الأوروبية ووصفتها بـ ''غير المقبولة'' و''أحادية الجانب'' ودعت إلى التراجع عنها.

وشددت المفوضية الأوروبية على أنّ "السياسة التجارية تقع ضمن الاختصاص الحصري للاتحاد الأوروبي"، وعلى "ضرورة تنسيق جميع القرارات والموافقة عليها في الاتحاد الأوروبي".

وأثارت إجراءات الحظر حالة من الخوف في أوكرانيا التي أسفت لقرار بولندا بتعليق واردات الحبوب وأن كييف "كانت دائماً متعاطفة مع الوضع في القطاع الزراعي البولندي واستجابت على الفور للتحديات المختلفة".

في غضون ذلك، اعتبرت روسيا، أن قرارات تقييد صادرات الحبوب من أوكرانيا تمثل ضربة لنظام الرئيس فلاديمير زيلينسكي. وقالت الخارجية الروسية إن ''نظام زيلينسكي قد تلقى ضربة أخرى من أقرب "أصدقائه" في أوروبا الشرقية.

وتشير الخارجية الروسية إلى أنّ النظام الذي أقره الاتحاد الأوروبي لتصدير السلع الزراعية من أوكرانيا عبر "ممرات التضامن" آخذ في التصدع، ما قد يهدد نظام زيلينسكي بخسائر مالية ملموسة".

وبعد إدانة قرارات الحظر، تحرك الاتحاد الأوروبي لإنهاء الإزمة وإعادة الدول ''الجانحة'' إلى الحظيرة، حيث أعلن وسط الأسبوع الماضي عن تخصيص 100 مليون يورو لتعويض المزارعين في الدول المعنية كإجراء أولي.

خلفيات سياسية وحسابات انتخابية

من جانبه أكد جاكوب فونك كيركيغارد، الزميل البارز في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة في بروكسل أن الأموال لن تحل القضايا الأساسية، لأنه بالنسبة إلى دول مثل بولندا والمجر، يتعين على الكتلة التعامل أولاً مع سياساتهما، لافتاً إلى "وقوف اعتبارات سياسية وحسابات انتخابية وراء حظر وتقييد توريد السلع الغذائية من أوكرانيا".

ويحجب الاتحاد الأوروبي، تمويلات بقيمة 138 مليار يورو عن المجر وبولندا لمخالفتهما الأعراف الديمقراطية للاتحاد ولإجبارهما على احترام سيادة القانون.

وتوتر العلاقة بين بولندا والمجر من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى ليس بالأمر الجديد، ويعود الخلاف إلى السنوات القليلة الماضية مع أزمة اللاجئين، ثم بعد ذلك عندما قرر الاتحاد خفض التمويل للدول الأعضاء في المستقبل إذا ما انتهكت أية دولة عضو في التكتل القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي، وأهمها الديمقراطية وسيادة القانون وهو ما رفضته المجر وبولندا. وفي خريف 2022 رفعتا حق النقض ضد ميزانية الاتحاد الأوروبي التي تغطي الفترة بين سنوات 2021 و 2027 والتي تصل إلى 2 ترليون يورو، منها 800 مليار يورو لخطط التعافي من تداعيات فيروس كورونا.

يضيف كيركيغارد "إلى جانب التوترات المتعلقة بالميزانية مع الاتحاد الأوروبي، تتعرض الحكومة البولندية أيضاً لضغوطات تتعلق بالانتخابات، وهي بحاجة إلى دعم الناخبين في المناطق الريفية، وإلا ستخسر الحكومة الانتخابات".

ومن المتوقع أن تجري الانتخابات في بولندا الخريف القادم. ويشكل المزارعون كتلة انتخابية مهمة لحزب القانون والعدالة اليميني الحاكم في البلاد.

يقول سكوت رينولدز نيلسون، المؤرخ بجامعة جورجيا، لمجلة ''فورين بوليسي'' الأمريكية، "فجأة يحاولون فعل شيء سريع لجذب المزارعين إلى جانبهم، والإجراء البسيط للغاية هو التهديد بقطع إمدادات الحبوب الأوكرانية''. وأضاف أنه رغم أن انخفاض الأسعار يمثل مشكلة خطيرة للمزارعين، فإن خطوة الحظر تعتبر خطوة سياسية ''من جانب بولندا والمجر فقط للحصول على المزيد من الأموال من الاتحاد الأوروبي''.

وفي أعقاب ذلك، شهدت الأزمة تطورات ''إيجابية'' بعد أن أجرى الوزراء البولنديون والأوكرانيون محادثات أفضت يوم الثلاثاء 18 أبريل/نيسان الجاري إلى اتفاق لاستئناف تصدير الحبوب والمواد الغذائية عبر البلاد.

وفي يوم الجمعة 21 أبريل/نيسان، جرى السماح بعبور العديد من السلع الغذائية إلى هولندا عبر بولندا، بما في ذلك السكر واللحوم والفواكه والخضروات. ومع ذلك، لا يمكن للمصدرين الأوكرانيين بيع هذه السلع في السوق البولندية.

وينص الاتفاق على السماح بمرور شاحنات السلع الغذائية عبر بولندا، تحت رقابة صارمة، بما في ذلك تركيب أختام إلكترونية مزودة بأجهزة تعقب (GPS) لمتابعة مسارها ووضعها تحت المراقبة الدائمة من لحظة الدخول إلى حين مغادرتها البلاد.

بالإضافة إلى مرافقتها من قبل ضباط الجمارك البولنديين لمدة أسبوع، وفق ما أكّده بارتوش زباراشزوك رئيس وكالة الجمارك البولندية لإذاعة RMF24 المحلية.

TRT عربي