An organised media tour to Youcare Pharmaceutical Group in Beijing, China / صورة: Reuters (Tingshu Wang/Reuters)
تابعنا

ماذا لو نشب صراع مسلّح بين الصين وتايوان؟ سؤال، ولأول وهلة لسماعه، قد يدفع إلى التفكير بالسيناريوهات العسكرية المطروحة، ومَن مِن دول العالم ستنضم إلى الحرب، أو حتى في نوعية الأسلحة التي ستستعمل. بينما بالنسبة إلى المواطن الأوروبي، سيكون الهاجس الأكبر هو ما إذا كان سيجد بعد ذاك علبة مسكن الآلام في الصيدلية، أم ستفقد.

فمنذ سنوات نجحت الصين بتعزيز مكانتها الدولية كأول مصدر للدواء والعناصر الدوائية الفعالة في العالم. ومقابل ذاك اتجهت الصناعة الدوائية الأوربية نحو الاعتماد على الواردات الصينية من تلك المواد، حتى أصبحت مرتهنة في معظم منتجاتها على ما يأتيها من الصين.

فيما يخلق هذا الوضع مخاوف عميقة لدى صناع القرار الأوروبيين كما لدى أصحاب الشركات الصيدلانية مخاوف تضاف إلى الشح المزمن في الأدوية الذي تعرفه القارة العجوز. وهو ما يدفع الاتحاد الأوروبي إلى صياغة خطط لتقليل الاعتماد على الصين في التزود بالأدوية، ومن ناحية أخرى إنعاش الصناعة المحلية وتعزيز السيادة الدوائية للدول الأعضاء.

كيف أحكمت الصين قبضتها على صناعة الدواء الأوروبية؟

منذ أواخر العقد الأول من الألفية الثالثة تنبه صناع القرار في بكين إلى أهمية الاستثمار بالصناعات الدوائية وتوطينها، مستفيدين من القدرات الصناعية الضخمة للبلاد واليد العاملة الرخيصة، فسعوا لتحقيق الريادة بهذا المجال، وعلى وجه أخص إنتاج العناصر الدوائية الفعالة.

وحتى منتصف التسعينيات كانت دول الغرب واليابان يصنعون 90% من العناصر الدوائية الفعالة، لكن مع حلول 2017 أصبحت الصين تنتج نحو 40% من الإنتاج العالمي لهذه العناصر، وتشترك اليوم مع الهند في أزيد من نصف الإنتاج العالمي، غير أن هذا الإنتاج الهندي بدوره يعتمد بشكل كلي على المواد الخام القادمة من الصين. وعلى سبيل المثال فإن مسكن البراسيتامول الهندي يعتمد بنسبة 98.9% على مادة بارا أمينو فينول المستوردة من الصين.

وفي ما يخص المضادات الحيوية أيضاً، تستحوذ الصين على نحو 42.4% من سوقها العالمية، متصدرة بذلك قائمة المصدرين العالميين لهذه العقارات.

بالمقابل أصبحت الصناعات الدوائية الأوروبية تعتمد أكثر فأكثر على وارداتها من الصين، لدرجة أصبحت بها مرتهنة بشكل شبه كامل على تلك الواردات. وحسب وثيقة للبرلمان الأوروبي تعود لعام 2020 تعتمد صناعة الدواء الأوروبية في موادها الخام على الصين بنسب تتراوح بين 85% و90%, كما تستورد من ذات المصدر نحو 40% من المواد الفعالة.

مخاوف ونداءات إنقاذ

يثير هذا الوضع قلقاً واسعاً في أوساط أرباب الشركات الصناعة الصيدلانية الأوروبية، بخاصة في حال نشوب نزع مسلح بين الصين وتايوان. وهو ما كشفته رئيسة شركة "أولون" للأدوية (مقرها ميلانو) روبرتا بيتزوكارو، في تصريحاتها لموقع "بوليتيكو"، قائلة إن "أزمة في تايوان قد تتسبب بنقص تام في بعض الأدوية"، مشيرة إلى أن الوضع سيكون مأساوياً.

ومن جانبه قال جيان باولو نيجريسولي الرئيس التنفيذي لشركة "فلاما" جروب للصناعة الدوائية: "إذا هاجمت الصين تايوان... وفرضنا عليها العقوبات مثلما فعلنا مع روسيا، فإن سوق الأدوية سينقلب رأساً على عقب (..) ليس لدينا بدائل كثيرة والجميع يعرف ذلك ولكنهم لا يتحدثون عنه".

وفي مطلع مايو/أيار الجاري اجتمعت 19 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، من بينها فرنسا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا، في إطلاق نداء لتخفيف الاعتماد على الواردات الصينية من الأدوية والعناصر الدوائية الفعالة.

ولم تخلص ورقة النداء التي عنونت بـ"تحسين أمن إمدادات الأدوية في أوروبا"، فقط إلى أن إنتاج الأدوية في أوروبا يعتمد بشكل كبير على الصين، ولكنها حثت الوزراء على تجميع قائمة بالأدوية الهامة التي تجب مراقبتها لدعم سلاسل التوريد والإنتاج والقيمة.

وقالت الدول الأوروبية في ندائها: "أصبح الاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل متزايد على الواردات من عدد محدود من الشركات والمناطق في تزوده بالأدوية، مما يضفي بُعداً أمنياً (جديداً) على القضية. ففي عام 2019، جرى الحصول على 40% من العناصر الدوائية الفعالة من الصين". وأوصى النداء بالمسارعة في إجراء تعزيزات لـ"الاستقلالية الاستراتيجية" للصناعات الدوائية المحلية وقدرتها على التزود بالأدوية.

وأشادت الفيدرالية الأوروبية لمصنعي الأدوية بهذا النداء، وأعربت في بيان لها، عن استعدادها لـ"التعاون بشكل أكبر مع الدول الأعضاء والمفوضية الأوروبية (...) في الدفع بحلول فعالة ومستدامة (لهذا الوضع) تعزز مكانة أوروبا العالمية الرائدة كمركز للابتكار وإنتاج الأدوية وتوريدها".

TRT عربي