تابعنا
هذه ليست المرة الأولى التي تُعلق فيها الولايات المتحدة دعمها، فقد قررت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2018 وقف مساهمتها المالية التي تقدر بنحو 300 مليون دولار.

بشكل مفاجئ، أعلنت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية تعليق تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، وذلك على خلفية ادعاءات إسرائيلية ضدّ عدد من موظفي "أونروا" بـ"ضلوعهم" في عملية "طوفان الأقصى" يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وعلى خلفية الاتهامات الإسرائيلية، أنهت "أونروا" عقود 12 موظفاً من بين 13 ألف شخص يعملون في مجالات مختلفة داخل أروقة الوكالة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تُعلق فيها الولايات المتحدة دعمها، فقد قررت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2018 وقف مساهمتها المالية التي تقدر بنحو 300 مليون دولار، وتعد أمريكا من أكبر المساهمين في دعم "أونروا" التي يستفيد من خدماتها نحو 6 ملايين فلسطيني في مناطق عملها الخمس بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة.

تداعيات تعليق الدعم

على مدار سنوات طويلة يتلقى علاء شاهين (40 عاماً) وأسرته بشكل دوري مساعدات من "أونروا"، إذ يعتمدون بشكل أساسي على الخدمات التي تقدمها الوكالة في قطاع غزة، لا سيّما أنه من الطبقة الكادحة، ولا يستطيع شراء مكونات السلة الغذائية المقدَّمة من "أونروا" له على حسابه الخاص، وتفاقمت ظروفه مع الحرب الإسرائيلية المستمرة.

وعقب قرار واشنطن وبعض الدول الغربية تعليق تمويلها، يخشى علاء شاهين المكونة عائلته من 6 أفراد أن تتقلص سلتهم الغذائية أو تتوقف المساعدات بالكامل، خصوصاً أن أطفاله يستفيدون من الخدمة التعليمية، وهي من ضمن المجالات التي تقدمها "أونروا"، إضافةً لخدمة الصحة والإغاثة.

ويقول علاء لـTRT عربي، إن جُلّ اعتماد عائلته على الخدمات التي تقدمها "أونروا" لهم، والتي تقلصت أصلاً عام 2018 عندما علقت الولايات المتحدة دعمها، لكن اليوم يخشى أن تتوقف بالكامل خصوصاً أنه لا يملك مصدر رزق ليوفر لعائلته هذه الخدمات، وهو واحد من آلاف الأسر التي تصنفها "أونروا" أشد فقراً واحتياجاً، ويعانون من ظروف اقتصادية صعبة جراء الحصار المفروض على القطاع منذ نحو 17 عاماً.

جاء وقف تمويل "أونروا" في ظل الحرب ليصبّ الزيت على النار، خصوصاً أن الوكالة لأكثر من ثلاثة أشهر من الحرب تقدم المساعدات الإغاثية العاجلة لمئات الآلاف من المدنيين والنازحين الذين يعانون ظروفاً غير مسبوقة، سواء داخل مراكز الإيواء التابعة لها أو خارجها، وتحديداً الطحين، وهو المتنفس للنازحين في ظل غلاء الأسعار الذي تشهده الأسواق.

ويضيف علاء: "لا أستطيع شراء كيس الطحين بـ100 شيكل (28 دولاراً)، أنا معتمد على الله ثم على المساعدات التي تصل إلينا، لو راحت وانعدمت، وين نروح، وماذا نعمل؟".

إلى مدرسة تابعة لـ"أونروا"، نزح اللاجئ الفلسطيني مرشد أبو حلبية (60 عاماً) مع عائلته المكونة من أمه ووالده وأخواته وزوجاتهم وأبنائهم، وجميعهم من مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، واضطروا إلى التنقل أكثر من مرة بين المحافظات قبل أن ينتهي المطاف بهم في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

يقول مرشد لـTRT عربي إنه يعتمد مع عائلته على المساعدات القليلة التي تقدمها "أونروا" للنازحين داخل المدرسة، لكنها لا تكفيهم.

ويضيف إنهم منذ نزوحهم لم يشعروا بالشبع، ويضطرون إلى إسكات بطونهم نظراً لعدم توفر الطعام والمياه بشكل كافٍ داخل مراكز الإيواء، يعني إنْ من لم يمت من القصف الإسرائيلي يموت من الجوع بسبب عرقلة الاحتلال الإسرائيلي عملية إدخال المساعدات.

"أونروا" ترد

بدورها تقول القائمة بأعمال مدير مكتب الإعلام بـ"أونروا" في غزة، إيناس حمدان، إنه في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة لتقديم مزيدٍ من الدعم والمساعدات الإغاثية للنازحين الذين فقدوا كل شيء، يأتي قرار تعليق الدعم ليشكل ضربة قاضية لخدمات "أونروا" في غزة وباقي مناطق عمليات "أونروا".

وتضيف إيناس حمدان لـTRT عربي، أنه "قرار صعب ومفاجئ، وقد يدفعنا باتجاه إيقاف بعض الخدمات في نهاية فبراير/شباط الحالي".

وتشير إلى الأوضاع الإنسانية الكارثية للغاية في ظل ازدياد أعداد النازحين، إذ أصبح أكثر من 90% من الفلسطينيين نازحين، وأضحت مدينة رفح جنوبي القطاع تضم أكثر من مليون نازح، التي كان عدد سكانها نحو 280 ألف فلسطيني، وهذا من شأنه أن يزيد الضغط على "أونروا" من ناحية تقديم خدماتها الإنسانية.

وتردف: "كل هذا يحدث في الوقت الذي لا تدخل مساعدات بالكميات الكافية سواء الغذائية وغير الغذائية، وما يدخل لا يكفي الاحتياجات الملحة للنازحين، ناهيك بالأوضاع الصحية، نتيجة انتشار الأمراض المُعدية من أمراض الجهاز الهضمي والجلدية وغيرها، نظراً لانعدام مستوى النظافة وعدم توفر مياه صالحة للشرب".

قرار مبنيٌّ على تقرير إسرائيلي

يقول مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، جميل سرحان، إن قرار الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوربية والغربية، وقف تمويل "أونروا"، مبنيٌّ على تقرير إسرائيلي لم يُتحقق منه ولم يُفحص، مشيراً إلى أن مجيء هذا القرار بعد قرار محكمة العدل الدولية الذي أوصى باتخاذ جملة من التدابير لوقف التدمير والتعذيب، هو "جزء من تجويع للفلسطينيين وتشديد الحصار وزيادة العقاب الجماعي في ظل حرب الإبادة عليهم، وهو ظلم جائر".

ويضيف سرحان لـTRTعربي أن وقف التمويل يعطّل عمل المؤسسة الدولية التي تعمل لأكثر من سبعين عاماً، وقد ينعكس بالسلب على الخدمات التي تقدَّم في جميع مناطق عملياتها، وهو "تطبيق لنفس السياسة الإسرائيلية التي تمارسها للتحريض على إنهاء دور (أونروا)".

وقال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، فيليب لازاريني، في بيان: "أمر صادم أن نرى تعليق تمويل الوكالة ردَّ فعل على الادعاءات ضد مجموعة صغيرة من الموظفين، رغم التدابير التي اتخذتها الوكالة، التي يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص من أجل البقاء على قيد الحياة".

وشدد لازاريني على أن "هذه القرارات من شأنها تهديد العمل الإنساني الجاري حالياً في المنطقة خصوصاً في غزة"، مؤكداً أنه لم يكن الفلسطينيون في قطاع غزة بحاجة إلى هذا العقاب الجماعي الإضافي.

وقالت وكالات إنسانية تابعة للأمم المتحدة إن "سحب التمويل من (أونروا) أمر خطير، وقد يؤدي إلى انهيار النظام الإنساني في غزة، مع عواقب إنسانية وحقوقية بعيدة المدى في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي جميع أنحاء المنطقة".

TRT عربي