ماذا يعني اجتماع قادة أوروبا في مولدوفا؟ / صورة: AFP (Ludovic Marin/AFP)
تابعنا

احتضنت مولدوفا، يوم الخميس، اجتماع نحو 50 من قادة القارة الأوروبية في إطار قمة المجموعة السياسية الأوروبية، والتي تضم دول الاتحاد الأوروبي إضافة إلى دول من خارجه، كبريطانيا وأذربيجان وكوسوفو وتركيا.

فيما تعد هذه ثاني قمة للمجموعة السياسية، بعد أولى جرى عقدها في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي في براغ بجمهورية التشيك. بينما يأتي عقد هذه الاجتماعات تلبية لمقترح قدمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مايو/أيار الماضي، لتشكيل المجموعة السياسية الأوروبية.

بالمقابل، وقع الاختيار لعقد هذه القمة الثانية على مولدوفا، التي تواجه منذ اندلاع الحرب تبعاتها الاقتصادية القاسية وانقساماً داخلياً بخصوصها. وهو ما يطرح عدداً من الأسئلة حول دلالات هذا الاختيار، والرسائل التي يرغب القادة الأوروبيون في توجيهها من خلال إلى موسكو.

قمة على الحدود الأوكرانية

بالإضافة إلى خيار الدولة، فإن قمة المجموعة السياسية الأوروبية عقدت في قلعة ببلدة بالبوكا، التي تقع في أقصى الشمال الغربي لمولدوفا، بالقرب من تيراسبول عاصمة منطقة ترانسنيستريا التي أعلنت عن استقلالها عن مولدوفا من جانب واحد، وعلى بعد أقل من 3 كيلومترات عن الحدود مع أوكرانيا.

ومع ذلك، وحتى اللحظات الأخيرة لانعقاد القمة، لم يعلَن ما إذا كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيكون من بين القادة الحاضرين. إلى غاية لحظة وصوله إليها، حيث يجري استقباله من طرف رئيسة مولدوفا مايا ساندو، والتقى بعدد من القادة الغربيين الآخرين.

وخلال مشاركته، شدد زيلينسكي على مطالب بلاده للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. قائلاً: "يجب أن تكون كل الدول الأوروبية التي تتشارك حدوداً مع روسيا والتي لا تريد أن تأخذ روسيا جزءاً من أراضيها، أعضاء كاملي العضوية في الناتو والاتحاد الأوروبي (...) كل شك نظهره هو خندق ستحاول روسيا احتلاله".

وجدد الرئيس الأوكراني كذلك مطالبته بتكثيف الدعم العسكري، لبلاده التي تواجه حرباً واسعة منذ فبراير/شباط 2022، وعلى رأس مطالبه كانت المقاتلات الجوية الغربية. مشدداً بالقول: "الأمر صعب بالنسبة إلينا اليوم لأننا لا نملك مقاتلات حديثة ولهذا السبب تسيطر روسيا على الأجواء".

رسائل قوية إلى روسيا

يرى مراقبون أن أوضح رسالة يرغب الأوروبيون في إرسالها، عبر اختيارهم مولدوفا لعقد القمة، هي "وحدة الصف الأوروبي إزاء العمليات العسكرية التي تقودها موسكو في أوكرانيا". وهو ما أكدته الرئيسة المولدوفية مايا ساندو، بقولها: إن هذه القمة "هي تعبير واضح عن وحدتنا وقوتنا وتصميمنا على العمل معاً (...) كأسرة أوروبية واحدة (...) لردع العدوان وتوطيد السلام في القارة".

من جانبه أيضاً، أشار رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، لهذه الرسالة بوضوح، إذ صرّح للصحفيين بأن ما يريده المجتمعون هو "توجيه رسالة وحدة قوية ضد حرب بوتين في أوكرانيا".

وبمقابل رسالة "الوحدة الأوروبية"، سعت القمة إلى إظهار عزلة روسيا عن المجتمع الدولي، بعد دخولها في الحرب في أوكرانيا. وهو ما صرّح به مسؤول الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إذ قال: إن "روسيا بوتين استبعدت نفسها من هذا المجتمع من خلال شن هذه الحرب على أوكرانيا".

هذا بالإضافة إلى التوجه البدئي الذي من أجله أقيمت المجموعة السياسية الأوروبية، والكامن في توسيع دائرة التأثير السياسي للاتحاد الأوروبي، وإشراك جواره القريب في تلك الخيارات السياسية. وهو ما سبق وأعلن عنه الرئيس إيمانويل ماكرون، حين تقديمه مقترح تأسيس المجموعة، في مايو/ أيار 2022.

وقال ماكرون وقتها إن "الاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى مستوى تكامله وطموحه، لا يمكن أن يكون على المدى القصير الوسيلة الوحيدة لهيكلة القارة الأوروبية (...) إنه واجبنا التاريخي أن نستجيب لذلك اليوم وأن نخلق ما يمكن أن أسميه المجتمع السياسي الأوروبي".

لحظة لمولدوفا

فيما أحد الرسائل الأبرز للقمة، كانت قطع الطريق أمام التدخل الروسي المتزايد في مولدوفا، وفق ما يراه الغرب. ومنذ اندلاع الحرب، تعيش مولدوفا تبعاتها الاقتصادية القاسية، وعلى رأسها أزمة الطاقة وارتفاع مستويات التضخم. وهو ما ينعكس سياسياً في شكل انقسام بين الموالين لخيارات حكومة ساندو الميالة نحو الغرب، والداعمين للتوجه نحو روسيا.

هذا بالإضافة إلى ازدياد منسوب التوتر في إقليم ترانسينستريا شمال البلاد، الذي تعم روسيا سلطاته الانفصالية. وفي الشهور الماضية، تراشقت كل من موسكو وكييف وكيشيناو، اتهامات بمحاولة زعزعة الاستقرار في الإقليم والتدخل عسكرياً فيه. كما اتهم زيلينسكي وساندو الكرملين بإعداد مخطط انقلابي ضد الحكومة المولدوفية.

أمام هذا الواقع، تأتي قمة المجموعة السياسية الأوروبية في مولدوفا، كشكل من أشكال الدعم السياسي من قبل الاتحاد الأوروبي للرئيسة مايا ساندو وحكومتها. وهو ما أكده البيان المشترك الذي جمع ساندو برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والذي أكّد دعم الاتحاد الأوروبي للبلاد.

وقالت رئيسة المفوضية في البيان: "رسالتي إلى شعب مولدوفا هي أننا نقف إلى جانبكم. نحن ندعمك في كل خطوة على طريقك إلى الاتحاد الأوروبي" .

علاوة على هذا، كشفت فون دير لاين عن تسهيلات للتنقل بالنسبة إلى المولدوفيين في دول الاتحاد الأوروبي. كذلك مساعدات مالية وعسكرية لمولدوفا، تستهدف مكافحة أزمة الطاقة وإنعاش اقتصاد البلاد، وتعزيز أمنها وقدراتها العسكرية. هذا وحصلت كيشناو، في يونيو/حزيران 2022، صفة المرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

TRT عربي