صحافيو فرنسا ضحايا القمع الوحشي لشرطة ماكرون / صورة: AFP (Jean-Francois Monier/AFP)
تابعنا

في أثناء تغطيته لمسيرات عيد العمال في باريس، والتي عرفت زخماً مضاعفاً جراء التعبئة الاحتجاجية ضد إصلاح نظام التقاعد، تعرض الصحفي ريمي بويزين إلى التعنيف في مرتين متفرقتين من قوات الشرطة الفرنسية، ذلك في أثناء نقله بثاً مباشراً على المنصة الإعلامية الفرنسية "Brut".

في المرة الأولى، تعرَّض بويزين إلى الرشق بقنبلة مطاط تستخدم عادة في فض التجمهر، ما سبب له إصابة بليغة على مستوى الركبة والساق، استطاع بمساعدة المسعفين والمسكنات تخطيها ومواصلة عمله. وبعدها بنحو ساعتين، عُنّف الصحفي نفسه مجدداً، عندما وجه له شرطي ضربات قوية للوجه بذراعه، ثم انهال عليه بالرفس والضرب بالعصا بعد سقوط بويزين أرضاً.

بينما ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها صحفي "Brut" للتعنيف من رجال الشرطة، وهو الذي أصبح الوجه المألوف في تغطية الاحتجاجات في فرنسا، منذ خرجات السترات الصفراء عام 2018. كما ليس بويزين وحده من عانى هذا العنف خلال الاحتجاجات الأخيرة، والتي أعادت إلى السطح واقع العنف الذي يمارس على الصحافة في البلاد.

صحفيون تحت قمع الشرطة الفرنسية

وخلال الاحتجاجات الأخيرة ضد إصلاح نظام التقاعد، تعرض صحفيون كثر للاستهداف من الشرطة الفرنسية، ذلك في أثناء تغطيتهم المسيرة الحاشدة. وهو ما أكده بيان سابق لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، مشيراً إلى أن: "عدداً من الصحفيين تعرّضوا للاعتداء من قوات الأمن في أثناء تغطيتهم للاحتجاجات ضد إصلاح نظام التقاعد، على الرغم من كشفهم هوياتهم المهنية بوضوح".

وهو ما حصل للصحفي عمار الطواليت، الذي كان يغطي مظاهرات الـ 16 مارس/آذار في باريس ببث مباشر لمنصة "Loop"، عندما هاجمه عناصر من كتيبة الدراجات النارية للشرطة الفرنسية (Brav-M)، عنّفوه لفظياً بكيل من الإهانات والتهديد، قبل أن يرش عليه أحدهم رذاذ الفلفل الحار مباشرة في وجهه.

هذا على الرغم من أن عمار أظهر للشرطي بطاقته المهنية، مؤكداً له بأنه هناك "للقيام بعمله!". في اليوم نفسه والمظاهرة نفسها، أوقف شرطي الصحفية فريديريك لوبران التي كانت تبثّ صوراً للاحتجاجات من ساحة كونكورد وسط باريس. وبعد أن عنفها لفظياً، عمد عنصر الأمن الفرنسي إلى مصادرة هاتف الصحفية بالقوة.

وحسب ما تظهر مقاطع الفيديو التي توثق الحادثة، لم تكن لوبران تشكل أي تهديد أو عرقلة لعمل الشرطي، والساحة تظهر في الخلفية فارغة بشكل تام من المتظاهرين.

وفي مظاهرة 15 مارس بباريس، هاجم شرطي صحفيتين من فريق منصة "AB7 Média"، عنفهما لفظياً وجسدياً بضربات بالعصي والرجل، وحاول تحطيم أجهزة التصوير التي كانتا تستخدمانها، وفق ما يظهر مقطع الفيديو الذي وثق الحادثة.

ولاحقاً، في مظاهرة 13 أبريل/نيسان، تعرض مصور موقع "Actu" للمطاردة من رجال الشرطة في أثناء تغطيته الاحتجاجات في مدينة ليون، على الرغم من صراخه "أنا صحفي"، ما دفعه إلى التعثر والسقوط أرضاً، فانهال عليه رجال الشرطة بالضرب بالعصي مستهدفين رأسه ووجهه، ما تسبب له بشجّ غائر على مستوى الجمجمة وارتجاج بسيط في الدماغ، نقل إثره للمستشفى. وكشف الموقع أن الأطباء قالوا بأن المصور غير قادر على العمل لمدة 10 أيام. وحسب بيانات الداخلية الفرنسية، سُجلت 36 حالة عنف الشرطة بحق الصحفيين منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة لإصلاح نظام التقاعد، على حين يعد هذا الرقم أقل مما حدث في الواقع، لأنه مرتبط بعدد التحقيقات التي فتحت إثر تقدم الصحفيين بالشكوى، ولا يشمل الذين فضلوا عدم التقدم بها.

ملاحقات وتشويش وتكميم أفواه!

إضافة إلى التعنيف المباشر للصحفيين خلال تغطيتهم الاحتجاجات مارست الشرطة الفرنسية طرق تشويش على المصورين في أثناء تأدية عملهم، ومنعهم من نقل وقائع العنف المفروض والاعتقالات العشوائية التي كانت عناصر الأمن تقوم بها في حق المحتجين السلميين. ومن بين أبرز هذه التقنيات استخدام رجال الشرطة لكشافاتهم الإنارة العالية ذاتها، وتوجيهها مباشرة لعدسات معدات التصوير ما يحجب بشكل كامل أخذ اللقطات ويمنع توثيق الوقائع ورصد استخدام هذه التقنية في عدد من الاحتجاجات الأخيرة، إضافة إلى أشكال العنف الأخرى. وتعرّض عدد من الصحفيين إلى الرش بمادة "PMC"، وهي مادة غير مرئية وليست لها رائحة يتم كشفها بمصابيح الأشعة فوق البنفسجية، وتستخدمها الشرطة الفرنسية لوسم المتظاهرين من دون علمهم بغرض ملاحقتهم بعدها وإلقاء القبض عليهم لاحقاً. وهو ما وقع لصحفي الإذاعة الفرنسية كليمون بودي، الذي كان يغطي الاحتجاجات ضد إنشاء خزان المياه الضخم في بلدة سانت سولين، شهر مارس الماضي. وغداة تلك الاحتجاجات، أُوقف الصحفي من رجال الدرك في مكان بعيد عن موقع حدوثها، واحتجازه لـ 28 ساعة، وتعريضه لتحقيقات "مستفزة" شككوا فيها لكونه صحفياً رغم معاينتهم بطاقته المهنية وفق ما صرح به كليمون بودي. وتتخطى التضييقات التي تمارسها السلطات الفرنسية على الصحفيين هذا الحد، بل تتعداه لممارسة الرقابة على الخط التحريري لوسائل الإعلام، وهو ما برز في التوصيات التحريرية التي طبقتها هيئات وإدارات التحرير في عدد من المنصات الإعلامية، والتي تعتم على "عنف الشرطة" وتمنع استخدام المصطلح، كما تركز على تصوير المحتجين كمخربين وتحميلهم مسؤولية أحداث العنف الحاصلة. وفي هذا الصدد، أصدر صحفيو شركتي "SDJ" و"France Télévisions"، المالكتين لعدد كبير من المنصات الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة، بياناً نددوا فيه بـ"سوء معالجة الأخبار بشأن الاحتجاجات ضد إصلاح نظام التقاعد"، والتضييقات التي تمارسها عليهم هيئة التحرير وإدارة تلك القنوات.

ظاهرة ماكرونية

ويعد عنف الشرطة، وبالخصوص ضد الصحفيين، ظاهرة ملازمة لحكومات ماكرون في مواجهة الاحتجاجات المتعددة ضدها في الشارع. وخلال الشهور الأولى من احتجاجات السترات الصفراء، بين خريف 2018 وربيع 2019، رُصد ما لا يقل عن 120 حادثة عنف قام بها عناصر الأمن ضد صحفيين، أصيب خلالها 57 صحفياً. إضافة إلى هذا سعت الحكومة الفرنسية عام 2020، إلى تمرير قانون "الأمن العام"، الذي يحظر تصوير تصوير عناصر الأمن في أثناء تأدية عملهم. وهو ما احتج ضده مهنيو قطاع الإعلام الفرنسي وقتها، معتبرين أنه يكمّم أفواه الصحفيين ويمس بحرية الصحافة التي يقرها دستور البلاد. ونددت منظمة "مراسلون بلا حدود"، في تقريرها الأخير الذي أصدرته بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، بهذا الواقع الذي يعيشه الصحفيون الفرنسيون. وأشارت المنظمة إلى أنه "رغم اعتماد خطة وطنية جديدة للحفاظ على النظام العام بشكل يحترم حرية الصحافة، فإن المراسلين مازالوا يتعرضون إلى عنف الشرطة".

TRT عربي