تابعنا
مضى عام كامل على إطلاق روسيا"عمليتها العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، حيث مرت العملية بمراحل متباينة، تراوحت بين التقدم السريع، ثم الانتكاسة والانحسار، ومحاولة استعادة زمام المبادرة مجدَّداً.

مضى عام كامل على إطلاق روسيا"عمليتها العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، حيث مرت العملية بمراحل متباينة، تراوحت بين التقدم السريع، ثم الانتكاسة والانحسار، ومحاولة استعادة زمام المبادرة مجدَّداً.

واستطاعت القوات الروسية خلال الأسابيع الأولى من الهجوم على أوكرانيا، إحداث خرق كبير على جبهات جنوب شرق، وشمال أوكرانيا، تمثلت بالسيطرة على مناطق هامة في إقليم دونباس، من ضمنها مدينة ماريوبول الواقعة على بحر آزوف، كما وصلت وحدات الجيش الروسي إلى ضواحي العاصمة كييف، وسيطرت في أواخر شباط/فبراير 2022، على مطار جوستو ميل على بعد 25 كيلومتراً من العاصمة.

أوكرانيا تستعيد توازنها وروسيا تتراجع

منذ نهاية شباط/ فبراير 2022، بدأ الجيش الأوكراني عكس الهجوم الروسي، وكانت البداية من استعادة مطار جوستو ميل، وبعد 40 يوماً من الحرب تمكنت أوكرانيا من إخراج القوات الروسية من كامل منطقة كييف.

ويعتقد الأكاديمي والخبير في الشأن الروسي محمود حمزة، أن أوروبا وحلف شمال الأطلسي هبّوا لتقديم الدعم الكبير للجيش الأوكراني على الأصعدة العسكرية والسياسية والإعلامية كافة لقناعتهم بأن أوكرانيا وجيشها هما خطّ الدفاع الأول عن أوروبا.

وأضاف حمزة في حديثه لموقع TRT عربي: "خبرة الجيش الأوكراني بالتعامل مع الروس، والدعم الغربي الهائل كبّد الروس خسائر كبيرة وأرغمهم على الانسحاب من كييف وخاركيف وليمان وإيزوم".

ومع مضيّ 200 يوم على المعارك بين الطرفين، استطاعت أوكرانيا استعادة السيطرة على قرابة 20 مدينة وبلدة، من بينها بالا كليا وإيزوم وكوبيانسك، بمساحة إجمالية تبلغ قرابة 500 كيلومتر مربع.

على صعيد متصل تَمكَّن الجيش الأوكراني في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، من إخراج القوات الروسية من مدينة خيرسون العاصمة الإقليمية الوحيدة التي سيطرت عليها روسيا خلال الهجوم.

وحسب الخبير العسكري العقيد عماد الشحود، فإن استعادة الجيش الأوكراني مقاطعة خيرسون، إنجاز مهمّ في مسار الحرب، بسبب موقعها الاستراتيجي لقربها من سواحل البحر الأسود، الأمر الذي يجعلها بوابة عبور باتجاه شبه جزيرة القرم.

وأكّد العقيد الشحود في حديثه مع موقع TRT عربي، أن "الجيش الأوكراني بعد استيعابه الصدمة الأولى، أعدّ جيوباً نارية ضيقة، مستفيداً من تضاريس البلاد، وعمل على استنزاف الجيش الروسي، مما أرغم القوات المهاجمة على التخلي عن مناطق سيطرت عليها مع بداية الغزو".

خسائر الأطراف

قدر رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي خسائر الجيشين الروسي والأوكراني مع نهاية عام 2022 بـ100 ألف قتيل وجريح لكل طرف، بالإضافة إلى مقتل 40 ألف مدني أوكراني، وتحويل ما بين 15 و30 مليون أوكراني إلى لاجئين.

واعتبر العقيد عماد الشحود أن خسارة 100 ألف قتيل من العسكريين هو رقم كبير، وهو قوام 10 فرق عسكرية كاملة وفق هيكلة الجيوش، مستدلّاً بحجم الخسائر الكبيرة على ضراوة المواجهات.

وأشار الشحود إلى أن الخسائر لا تقتصر على العنصر البشري، بل تشمل عدداً كبيراً من الدبابات والمدرعات التابعة للجيش الروسي، التي وقعت ضحية أكمنة للصواريخ المضادة للدروع التي حصلت أوكرانيا عليها من الدول الغربية.

وتلقى الجيش الروسي ضربة رمزية كبيرة بخسارة طراد "موسكفا"، الذي غرق في البحر الأسود شهر إبريل/نيسان 2022، نتيجة استهدافه بصاروخ مضادّ للسفن، إذ يُعتبر الطراد من رموز السيطرة البحرية الروسية.

ورجحت دراسة صادرة عن موقع ORYX المتخصص بالدراسات العسكرية، فقدان روسيا قرابة 9000 آلية خلال المواجهات مع أوكرانيا، بعد تدمير 5694، وتضرُّر 242 مركبة، واستيلاء الجيش الأوكراني على 2759.

في المقابل، تشير تقديرات إلى أن أوكرانيا خسرت قسماً لا يستهان به من طائراتها الحربية، بخاصة خلال الأسابيع الأولى للمعارك، إذ ركّز الجيش الروسي على قصف المطارات العسكرية والقواعد الجوية الأوكرانية.

تتحدث الرواية الرسمية الروسية عن خسارة الجيش الأوكراني قرابة 400 طائرة ما بين مقاتلة ومروحية حتى أغسطس/آب من العام الماضي.

وفقدت روسيا كذلك عدداً من طائراتها، إذ أكدت الخارجية الأوكرانية إسقاط جيش بلادها 268 طائرة حربية و240 مروحية.

وبغضّ النظر عن الإحصائيات الرسمية، التي يغلب عليها في كثير من الأحيان الطابع الدعائي، فإن سلاحَي الجو الروسيّ والأوكرانيّ أصبح أثرهما محدوداً في المواجهة، إما بسبب الخسائر، وإما خوفاً من فقدان مزيد من الطائرات.

وعلى الصعيد الجغرافي، خسرت أوكرانيا إلى يومنا هذا ما يقارب 125 ألف كيلومتر مربع لصالح روسيا، من ضمنها مساحة شبه جزيرة القرم.

كيف تبدو موازين المعركة حاليا؟

يعتقد الخبراء أن الدعم الغربي ساهم بتعديل ميزان القوة بين روسيا وأوكرانيا بشكل لافت، بعد الأشهر الأولى التي ظهر فيها التفوق الروسي الميداني بوضوح.

وأشار الأكاديمي محمود الحمزة في معرض حديثه مع TRT عربي، إلى أن "الدول الغربية كانت تتوقع في البداية عدم صمود الجيش الأوكراني، وانهيار حكومة زيلنسكي سريعاً، لكنها بعد أن تأكدت من قدرة الأوكرانيين وخبرتهم في التعامل مع الروس، اندفعوا باتجاه تقديم دعم كبير، أدّى إلى تغيير الموازين".

من جانبه لفت الخبير العسكري عماد الشحود إلى عامل مهمّ يجب الانتباه له عند تقييم موازين القوة بين روسيا من جهة، وأوكرانيا ومن خلفها الغرب من جهة أخرى، وهو العقيدة القتالية، إذ أوضح في حديث مع TRT عربي أن "العقيدة الغربية تعتمد على الدقة في العمليات، والتخطيط لمكاسب طويلة الأمد، في حين أن العقيدة القتالية الشرقية التي تمثّلها روسيا تقوم على القوة التدميرية الهائلة، والأهداف القريبة، لذلك تركز موسكو حاليّاً على السيطرة على باخموت في مقاطعة دونيتسك ذات الأهمية الاستراتيجية المحدودة".

وأضاف الشحود أن "الدعم العسكري الغربي المقدم لأوكرانيا، وبالأخصّ صواريخ هيمارس، وطيران الاستطلاع، والصواريخ المضادة للدروع الموجهة بدقة، ومنظومات الدفاع الجوي، ساهمت في تحويل المواجهات إلى معارك استنزاف، وحالت دون تَفوُّق روسيا ميدانيّاً".

وفي وقت سابق زوّدَت الولايات المتحدة الأمريكية الجيش الأوكراني بصواريخ مضادة للسفن من طراز "هاربون" و"نافال سترايك"، بالإضافة إلى طائرات "فينكس غوست" المسيرة الانتحارية.

وسلّم كل من البرتغال وبولندا مطلع عام 2023 الدفعات الأولى من دبابات "ليوبارد-2" الألمانية المتطورة للجيش الأوكراني، بالتوازي مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية منح كييف الدفعة الأولى من مدرعات "براديلي إم 2" المزودة بأنظمة معلومات وتحكُّم قتالي.

ويبدو أن روسيا اتجهت إلى تكتيك التوغل البطيء داخل الأراضي الأوكرانية، من خلال التركيز على بقعة جغرافية محددة والزج بثقلها العسكري للسيطرة عليها، ثم الانتقال إلى بقعة أخرى، على غرار ما تفعله في باخموت، رغبة منها في إدارة الاستنزاف والتعويل على ملل الغربيين من دعم أوكرانيا.

من جهته لفت الباحث في العلاقات الروسية الدولية باسل الحاج جاسم، إلى العامل الاقتصادي ودوره في الصراع وتأثيره في موازين القوة.

وقال الجاسم في حديثه مع موقع TRT عربي إن "التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، رد على غزو روسيا لأوكرانيا، بشن حرب اقتصادية شاملة مدمرة، وعقوبات ترتقي إلى مستوى عزل روسيا وقطع علاقاتها الطاقوية مع أوروبا بشكل شبه كامل، مع تجميد مئات المليارات من الاحتياطيات الروسية لدى البنوك الغربية وتطالب أصوات لاحقاً بمصادرتها وتحويلها كتعويض لأوكرانيا".

بالمقابل، وبحسب الجاسم، فإن الاقتصاد الروسي استطاع تجاوز الصدمة وظلّ متماسكاً. يعود ذلك إلى حد كبير إلى استعداد روسيا المسبق، واتباعها سياسة التوجه شرقاً نحو الصين ودول آسيوية أخرى، ورغم ذلك فإن استمرار الحرب سيكون مكلّفاً على روسيا.

وانخفض فائض الميزانية الروسية مع حلول شهر أغسطس/آب 2022 إلى 2.3 مليار دولار أمريكي، بعد أن كان 23 مليار دولار في يونيو/حزيران من العام ذاته، كما اتفقت الدول الأوروبية في أواخر العام الماضي على تحديد أعلى سعر للنفط، ويبلغ 60 دولاراً للبرميل الواحد، بالإضافة إلى تحديد سقف سعر الغاز بـ180 يورو للميغاوات في الساعة، الأمر الذي يمهد لمزيد من تراجع عائدات روسيا من الطاقة.

وحسب ما يعتقده عديد من الخبراء فإن الحرب دخلت طور الاستنزاف منذ أشهر طويلة، ومن المتوقع أن تمتدّ إلى فترات زمنية أخرى ليست قصيرة، وليس في الأفق ما يدلّ على إمكانية نجاح المبادرات السياسية لوقف المواجهات.

TRT عربي