إطلاق سراح معتقلين سوريين في إطار عفو عام غير مسبوق أصدره النظام نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي (AFP)
تابعنا

تقول زوجة حسن لـTRT عربي: "ليس لدي أمل بخروجه من السجن، وعندما نُشرت صور شهداء التعذيب (قيصر) فتّشت عنه بينهم لكنني لم أجده بينهم، فوجوه الموتى تتشابه وكذلك أجسادهم المتهالكة".

تتابع الزوجة حديثها عن رحلة البحث قائلة: "في سوريا قبل خروجنا لم نترك باباً إلا وطرقناه حتى أبواب المخابرات التي لا تفتح إلا بالمال أو بالسلطة، واستدنت أنا وأخوته مئات الآلاف من الليرات لكننا لم نجده، وبعد مغادرتي إلى مصر تواصلنا مع الكثيرين، وكانت الوساطات تتوقف بسبب عدم توفر المال، والآن بعد عشر سنوات على اختطافه فقدت الأمل. وبعض المطّلعين على جرائم الشبيحة نصحوني بعدم إهدار المال فأغلب من اعتُقلوا في تلك الفترة جرت تصفيتهم ودُفنوا في مقابر جماعية".

مرسوم العفو الكاذب

انتشرت بسرعة كبيرة صور لآلاف من السوريين في قلب العاصمة دمشق تحت "جسر الرئيس"، وقد خرج هؤلاء من بيوتهم بعد سماعهم قرار الإفراج عن دفعات من المعتقلين في سجون النظام السوري بعد صدور مرسوم تشريعي يحمل الرقم 7 لعام 2022 والذي يتضمن عفواً عن "الجرائم الإرهابية" المرتكبة قبل تاريخ 30/4/2022 عدا تلك التي أفضت إلى موت إنسان.

وبموجب هذا المرسوم، أُلغيت كافة البلاغات والإجراءات (إذاعة بحث، توقيف، مراجعة) المستندة إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم 9 لعام 2021، وذلك بحق جميع المواطنين السوريين في الداخل والخارج، ما لم يتسبب فعلهم بموت إنسان أو يثبت استمرار انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية أو ارتباطهم مع دول أخرى.

الأكثر إثارة من الصور المفزعة للأهالي الذين كانوا ينتظرون أبناءهم هي الأعداد القليلة التي أُفرج عنها، وكذلك طريقة إخراجهم المهينة، فلم تُنشر أسماء المفرج عنهم. لقد شاع سعي الأمهات والآباء وهم يمررون صور أبنائهم على المفرج عنهم عسى أن يتعرّفهم أحد، والصدمة كانت بأن أعداداً كبيرة من هؤلاء المفرج عنهم كانوا قد فقدوا عقولهم وذاكرتهم.

رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا قدّرت في بيان لها أن عدد المعتقلين الذين خرجوا من سجن صيدنايا ضمن مرسوم "العفو" الأخير، ممن جرى توثيقهم، قد بلغ حتى مساء الأحد الماضي الثامن من شهر مايو/أيار بنحو 117 معتقلاً من عدة محافظات سورية فقط.

ويُفصّل البيان تواريخ اعتقال هؤلاء: "ست حالات من المفرج عنهم يعود تاريخ اعتقالهم إلى أشهر الثورة الأولى وتحديداً إلى عام 2011، في حين أن ثماني حالات من المفرج عنهم تاريخ اعتقالهم يعود إلى عام 2012، و32 حالة اعتقلوا في عام 2018".

ويشير البيان إلى أنه جرى "توثيق أسماء 134 ألف معتقل في سجون الطاغية و15 ألف معتقل قضوا تحت التعذيب".

ابتزاز مالي ونفسي

منذ 2013 تعيش الصحفية السورية "س.أ" بانتظار خروح أخيها من معتقلات النظام بأي ثمن كان، وهي حالياً لاجئة في فرنسا بعد أن غادرت البلاد تهريباً إلى الأردن، ومن هناك ساعدتها منظمة مراسلون بلا حدود في طلب اللجوء، وطلبت في حديثها لنا عدم ذكر اسمها الصريح خشية على حياة أخيها إن كان على قيد الحياة.

تقول "س. أ" لـTRT عربي: "تواصل معي عن طريق بعض المعارف ضابط في جهاز الأمن وأكدّ لي أن شقيقي على قيد الحياة ومعتقل في أحد الفروع، ولكن هذا يتطلب مبلغاً كبيراً من المال ليس له وحده بل لمجموعة من الضباط يُدفع لهم لتسهيل خروجه، وبالفعل تواصلت مع الأصدقاء والأقارب لتأمين المبلغ بالدولار كما طلب الضابط، وعشت خلال شهر من التفاوض شعوراً كبيراً من الأمل بلقاء شقيقي، ولكن لم يكن الأمر سوى ابتزاز مالي، والأشد قسوة هو الابتزاز النفسي الذي عانيته ولم تزل آثاره حتى الآن".

كثير من التشاؤم.. وخيط أمل

كل الذين التقيناهم أصروا على عدم ذكر أسمائهم خشية على أقاربهم وذويهم المعتقلين، والسبب كما تقول رائدة من ريف إدلب: "إن كان هناك ذرة من أمل فنحن متمسكون بها، وتجاربنا مع النظام تثبت أنه يتصرف بانتقام من كل من ينتقده، وسمعنا أنه تم تحذير المفرج عنهم من ذكر ما شاهدوه وما حصل معهم في سجن صيدنايا سيئ الصيت".

الصحفي "فايز.ش" مقيم في تركيا يرى أن التشاؤم سيد الموقف في التعاطي مع نظام الأسد. ويتابع حديثه لـTRT عربي: "حجم القهر والذل الذي مارسه النظام على الأهالي المنتظرين في وسط دمشق يؤكد بما لا يدعو للشك الطريقة المتعالية التي يتعامل فيها مع السوريين، والابتزاز والإذلال للآلاف منهم، فهل بهذا الاحتقار تتعامل الدول مع شعوبها؟".

اعتقالات جديدة.. وتجارة

صحيفة صوت العاصمة الإلكترونية تحدثت في خبرين عن اعتقالات طالت معتقلين أُفرج عنهم مؤخراً بموجب مرسوم العفو، والمعتقل من أبناء حي جوبر الذي أُعيد اعتقاله بعد ثلاثة أيام بحجة صدور برقية اعتقال من الأمن السياسي.

الخبر الثاني الذي نقلته الصحيفة المذكورة عن مصادر لم تسمّها جاء في نصه: "إن بعض أعضاء اللجان القضائية وموظفي الضابطات العدلية فرضوا مبلغاً يُقدّر بـ100 ألف ليرة سورية على ذوي المعتقلين الواردة أسماؤهم ضمن قوائم العفو الرئاسي لتقديم موعد إخلاء السبيل. كذلك طلب بعض عناصر فرعي الأمن العسكري والأمن السياسي مبالغ بدأت من 10 آلاف ليرة سورية للسماح للمعتقلين بالاتصال بعائلاتهم لمدة دقيقتين فقط".

نُخب خارج المرسوم

ما يجعل هذا المرسوم دون أهمية هو أن الجهات القضائية والأمنية المخوّلة بتنفيذه تجاهلت معتقلين من النُّخب الوطينة السياسية والإعلامية التي عملت في النضال السلمي ولم تحمل السلاح. فيما تضمّن نص المرسوم عفواً عن "الجرائم الإرهابية المرتكبة قبل تاريخ 30/4/2022 عدا تلك التي أفضت إلى موت إنسان" ومن بين هؤلاء السياسي المعارض عبد العزيز الخيّر والمحامي خليل معتوق والصحفي جهاد أسعد محمد رئيس تحرير صحيفة قاسيون.

الصحفي "فواز.ش" أكد في حديثه لـTRT عربي أن "تحقيق العدالة لا يستوي دون تقديم المسؤولين عن اعتقال السوريين بكل أطيافهم وتعذيبهم وقتلهم في السجون إلى المحاكم، وتطبيق القرارات الدولية التي تنصّ على عودة الحياة السياسية والاقتصادية لسوريا، العودة الآمنة لملايين السوريين إلى بيوتهم دون خوف من اعتقال أو تصفية".

TRT عربي