هل يستعيد العراق دوره الرائد بالمنطقة؟ (AA)
تابعنا

دعت الحكومة العراقية إلى قمة أمنية إقليمية مزمع عقدها في نهاية أغسطس/آب الجاري تحت اسم "قمة دول الجوار"، تتباحث فيها بغداد العديد من الملفات الإقليمية مع قوى إقليمية مجاورة لها.

وكانت مصادر سياسية عراقية قد أفادت أن القمة ستضم تركيا، وإيران، وسوريا، والسعودية، والأردن، والكويت وممثلين عن الاتحاد الأوروبي، علاوة على أنباء تفيد بأن قائمة الضيوف ستشمل أيضاً دولاً خليجية أخرى غير مجاورة للعراق جغرافياً، إضافة إلى مصر.

فيما وصفت وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع" القمة باعتبارها "تمثّل بداية لحلحلة المشاكل، وخطوة مهمة لدعم مكانة العراق ودوره الإقليمي والدولي".

وفي سياق متصل، تسلّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوة لحضور القمة، وذلك بعد زيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الأسبوع الماضي إلى إسطنبول، حيث التقى الرئيس أردوغان حاملاً رسالة خطية من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تضمّنت دعوة الرئيس التركي لزيارة العاصمة العراقية بغداد لحضور القمة.

فهل يمكن اعتبار "قمة دول الجوار" مجرد حدث عابر؟ أم قمة تكلل جهوداً تمتد إلى عام 2019 من جانب القيادة العراقية لتصبح قوة بناءة في الشرق الأوسط ومحيطها الإقليمي؟

دور غير مسبوق

يعتبر ستيفن كوك، الباحث المعني بدراسات الشرق الأوسط بمركز "إيني إنريكو ماتي"، أن قمة دول الجوار التي تنظمها بغداد تحمل رسالة مفادها أن العراق يسعى لأن يصبح "وسيط القوة الجديد في الشرق الأوسط".

وأفاد كوك في مقال نُشر بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أن بلاد الرافدين أصبح بإمكانها أن تخلف وراء ظهرها عقوداً أفضت إلى الفوضى، وأن تتحول لأن تستعيد دورها كقوة رائدة في المنطقة.

وشدد خبراء على أهمية العراق الاستراتيجية، فهو يمتلك خامس أكبر احتياطي نفط خام مثبت في العالم يبلغ احتياطيه 145 مليار برميل، وهو ما يمثل 17% من الاحتياطيات في الشرق الأوسط و8% من الاحتياطيات العالمية.

كما يمتلك مركزاً جيوسياسياً حيوياً نظراً لموقعه بين قوى إقليمية مثل تركيا، وإيران، والسعودية، إضافة إلى الخط الحدودي الطويل مع سوريا، ما يمنحه تأثيراً كبيراً على استقرار مناطق الخليج والشام، علاوة على نسبة للسكان الأكراد عالية في العراق، اندس بينها عناصر لتنظيم (PKK) الإرهابي، تسببوا في توتر طويل مع تركيا، بحسب الخبراء ذاتهم.

وينسب متابعون للشأن العراقي الفضل في التعاظم التدريجي والاستعادة للدور الإقليمي لبغداد إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي استطاع إلى حد كبير أن يحصل على تأييد إقليمي ودولي لتحركاته الأخيرة.

ويُعتقد أن الكاظمي يلتزم منهجاً مفاده أنه للحصول على مساحة لحل المشاكل الداخلية بالعراق، يجب أن يلعب دوراً في المساعدة في تسوية الخلافات الإقليمية من حوله. ويرى كوك، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أن "لدى الزعيم العراقي بعض الإمكانيات التي تخوّله لعب هذا الدور، معظمها ينبع من مكانته الخاصة والعلاقات التي رعاها كرئيس لجهاز المخابرات العراقي بين عامي 2016 و 2020".

ويرى كوك أنه من المنتظر أن ترى المنطقة مردوداً إيجابياً على الأصعدة السياسية والجيوستراتيجية والأمنية نتيجة توجهات العراق الإقليمية، وذلك مع تأكيد رئيس الوزراء العراقي أنه يسعى مع دول عربية أخرى إلى تطوير "رؤية مشتركة من خلال التعاون والتنسيق" لحل النزاعات في سوريا وفلسطين وليبيا واليمن.

هل ينجح العراق في محو آثار الماضي الأليم؟

يرى مراقبون أن تحركات بغداد الإقليمية الأخيرة تمثّل تغيراً محورياً في سياستها الخارجية، وذلك بعد عقود أُهدرت في صراعات إقليمية كحربي الخليج الأولى والثانية، إذ تناحر العراق مع إيران في حرب استنزافية استمرت ثماني سنوات، ووفقاً لبعض التقديرات أودت بحياة ما يصل إلى مليوني شخص.

ثم غزو صدام الكويت في أغسطس/آب 1990، وإعلانه إياها المحافظة العراقية التاسعة عشرة، وتلا ذلك بسنوات الغزو الأمريكي الذي خلّف أعمال عنف، وفساداً، وتوترات داخلية تصاعدت خلال العقدين الماضيين.

ويرى محللون أن أول مؤشر على نهج الإدارة العراقية الجديد والأبرز من الناحية البناءة تجاه المنطقة، يرجع إلى فترة ما قبل وصول الكاظمي إلى رئاسة الوزراء. ففي ربيع عام 2019 أعلنت مصر والأردن عزمهما على إنشاء آلية للتعاون الاقتصادي والجيوسياسي مع بغداد.

وبعد عامين تخللتهما أربعة اجتماعات مشتركة بين الدول الثلاث، اتفق العراق مع مصر والأردن على مد خط أنابيب من البصرة في العراق إلى ميناء العقبة شرقي مصر، مع خطط إضافية لتمديده إلى مصر، إضافة إلى ربط شبكات الكهرباء الخاصة بهم لتقليل اعتماد العراق على إيران.

بالرغم من تحقق جزء ضئيل حتى الآن من الخطط المعلن عنها بين بغداد والقاهرة وعمان، غير أن إبرام مثل تلك الاتفاقيات في حد ذاته يعتبره متابعون تطوراً على الصعيد الخارجي لسياسة العراق الخارجية.

وعلى صعيد آخر، لفت أحمد جودت، الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في الشأن العراقي، إلى أن العراق يحتاج أولاً إلى حل مشاكله وأزماته الداخلية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والأمني قبل أن ينطلق للعب أدوار إقليمية.

وأردف جودت: "لا يزال العراق يعاني كساداً اقتصادياً وعقبات أمنية على نحو يومي، ما يتسبب في استياء شعبي وأزمات متلاحقة".

ووفقاً للباحث المعني بالشأن العراقي، فإن بغداد لا تزال تواجه أيضاً خطر الطائفية والتيارات السياسية المختلفة المعبرة عنها، وهو ما يضعف أي تحرك إقليمي خارجي تسعى إليه القيادة العراقية.

TRT عربي