تابعنا
شهدت الساحة السياسية السودانية خلال السنوات السابقة تقلبات ومتغيرات عدة، وثابتاً واحداً هو تعاظم دور قوات الدعم السريع على الصعيدين العسكري والسياسي، حتى أصبح قائدها محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي الرجل الثاني في البلاد.

شهدت الساحة السياسية السودانية خلال السنوات السابقة تقلبات ومتغيرات عدة، وثابتاً واحداً هو تعاظم دور قوات الدعم السريع على الصعيدين العسكري والسياسي، حتى أصبح قائدها محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي الرجل الثاني في البلاد.

وفي أقلّ من عقدين انتقلت هذه القوات من مليشيا تقاتل التمرد في أطراف السودان إلى إحدى أهمّ القوى العسكرية التي تنتشر قواتها في مختلف مناطق السودان، إلى جانب أدائها أدواراً خارجية أيضاً.

من دارفور كانت البداية

يرى عديد من المراقبين أن قوات الدعم السريع هي امتداد لمليشيات الجنجويد التي برز نجمها إبان حرب دارفور غربي السودان، حيث تشكلت تلك القوات على خلفية التمرد المسلح الذي شهده الإقليم، نتيجة شعور بعض القبائل كالفور والمساليت والزغاوة بالتهميش الاقتصادي والإقصاء عن السلطة في 2003.

وبسبب عجز القوات المسلحة السودانية عن السيطرة على هذا التمرد، اتُّخذ القرار بتشكيل مليشيات محلية من قبائل دارفور الرُّحَّل لمواجهة الحركات المسلحة المعتمدة في تركيبتها على القبائل الإفريقية في تلك البقعة من السودان، حيث سلحت السلطات السودانية الجنجويد ودربتهم وأمّنَت الحماية، وفقاً لورقة جولي فلينت الصادرة عن برنامج مسح الأسلحة الصغيرة.

اتُّهمت هذه المليشيات بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين طوال سنوات وثقتها مؤسسات دولية مختلفة منها هيومن رايتس ووتش.

مع اتفاق أبوجا بين الحكومة السودانية وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني مناوي عام 2007، بدأ اسم محمد حمدان دقلو (حميدتي) يظهر كقائد من الجنجويد تَمرَّد على الحكومة لأنها تأخرت عدة أشهر في تقديم مستحقات قواته المادية، وانخرط في مواجهات مع القوات النظامية، واسترضاءً له دفعت له الحكومة رواتب مقاتليه بأثر رجعي ومنحت قيادات قواته رتب ضباط في حين حصل حميدتي نفسه على رتبة عميد.

سنوات الصعود

فتح الصراع على السلطة في الخرطوم فصلاً جديداً في تاريخ هذه المليشيات، إذ ساهم إجهاض انقلاب عام 2012 المتهَم به مجموعة من ضباط الجيش من أعضاء حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ومن ضمنهم صلاح قوش مدير جهاز الاستخبارات السوداني، في تَخوُّف الرئيس السابق عمر البشير من المؤسسة العسكرية والأمنية وشعوره بالحاجة إلى قوة حماية منفصلة عن الاثنين.

وهكذا ظهرت قوة نظامية تحت اسم "قوات الدعم السريع" بقيادة حميدتي، وفقاً لإفادة الصحفي والمحلل السياسي عبد الجليل سليمان لـTRT عربي، الذي أوضح أن قوات الدعم السريع هي قوة شبه عسكرية (مليشيا) تأسست عام 2013 كنسخة مُحدَّثة عن مليشيا الجنجويد التي كان يرأسها موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد في إقليم درافور غربي السودان.

مضيفاً أنها "قُنّنَت بقرار رئاسي وأُلحِقَت بجهاز الأمن والمخابرات وأصبحت تتبع مباشرة رئيس الجمهورية".

وفي السنوات اللاحقة برزت قوات الدعم السريع كقوة قتالية ضارية استطاعت استعادة السيطرة على عديد من المواقع الاستراتيجية التي سيطرت عليها الحركات المتمردة، كما تمكنت من إلحاق هزائم متتالية بكبرى تلك الحركات، ما زاد إعجاب البشير بها ودعمه لها حتى قال في أحد خطاباته إن "أحب القرارات إليّ وأفضلها هو قرار تكوين قوات الدعم السريع، وهي الذراع القوية للقوات المسلحة"، كما توسعت مهامُّها لتشمل ولايات السودان كافة.

وشهد عام 2015 منعطفاً في تاريخ الدعم السريع، إذ شرعت هذه القوات والجيش السوداني في إرسال آلاف من منتسبيها لدعم الجيشين السعودي والإماراتي في الحرب باليمن، وهو ما أتاح الفرصة لقوات الفريق حميدتي لنسج روابط مع هذه القوى، كما أن نشاط قواته تَعدَّى الحدود السودانية إلى دول الجوار.

ووفقاً للدكتور عمر زرآي فإن قوات الدعم السريع "أصبحت منذ عام 2016 جزءاً من عملية الخرطوم لمكافحة التهريب والاتجار بالبشر"، مضيفاً في إفادته لـTRT عربي أن "الاتحاد الأوروبي قدّم دعماً كبيراً للأجهزة الرسمية السودانية، لكن قوات الدعم السريع كانت تنال منه النصيب الأكبر، إذ ينتشر مقاتلوها على الحدود الليبية لمنع المهاجرين من القرن الإفريقي إلى ليبيا الغارقة في الفوضى بعد 2011".

ويستطرد زرآي مدير شبكة القرن الإفريقي للإعلام والدراسات بأن "الدعم السريع استفاد من تدريب قواته ودعمها من الاتحاد الأوروبي، والأهمّ أنها حصلت على دور في واحد من أهمّ الملفات حساسية لأوروبا".

وعملية الخرطوم التي بدأت عام 2014 منصةً للتعاون السياسي بين الدول على طول خط الهجرة بين منطقة القرن الإفريقي وأوروبا، تسعى لدعم الدول الأعضاء وتنفيذ مشاريع ملموسة لمعالجة الاتّجار بالبشر وتهريب المهاجرين.

ويرى الدكتور زرآي أن عام 2017 كان فاصلاً في تاريخ قوات الدعم السريع، إذ اعتقلت الأجهزة الأمنية السودانية بدعم كبير من حميدتي منافسه البارز موسى هلال، إذ ينتسب الاثنان إلى قبيلة المحاميد، وهو ما أدّى إلى سجن الأخير وصعود دور حميدتي، وانفراد قواته بالسيطرة على جبل عامر الغني بمناجم الذهب، بجانب مناجم أخرى في مناطق مختلفة من السودان.

ويكمل الدكتور زرآي بأنه في نفس العام أقرّ البرلمان السوداني قانوناً ينصّ على اعتبار قوات الدعم السريع قوة نظامية تابعة للقوات المسلحة، وتأتمر بأمر القائد العامّ للقوات المسلحة السودانية.

ووفقاً للصحفي والمحلّل السياسي السوداني عبد الجليل سليمان فقد أدّت رغبة البشير في استخدام قوات الدعم السريع كآلية لمنع الانقلابات ضده وحماية نظامه منها، إلى تصديق البرلمان المُعيَّن من حكومة البشير، في 16 يناير/كانون الثاني 2017، على مشروع قانون الدعم السريع بإجماع نوابه البالغين 426 عضواً، ونص القانون الذي أُجيزَ على تبعية الدعم السريع للقوات المسلحة على أن تأتمر بأمر القائد الأعلى وهو الرئيس البشير آنذاك.

التربُّع على هرم السلطة

مع اندلاع ثورة ديسمبر 2018 أصبحت الدعم السريع جزءاً رئيسيّاً من المشهد السوداني، إذ اتسم موقفها من الثورة بالحياد ورفض التدخل لمصلحة البشير، ما ساهم في سقوطه في أبريل/نيسان 2019، والإطاحة بخلفه وزير الدفاع السابق عوض بن عوف بعد يوم واحد من تولّيه المنصب، الأمر الذي أتاح لقائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) تولّي منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي تَسلَّم السلطة حينها.

وشارك الدعم السريع لاحقاً في مجزرة فضّ اعتصام القيادة، ثم عُيّن قائده بموجب الوثيقة الدستورية نائباً لرئيس مجلس السيادة الانتقالي الذي ترأسه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

ومثلت الفترة الانتقالية ذروة السلطة التي تمتعت بها قوات الدعم السريع، وهو ما يعود إلى مصادر القوة التي حازتها، وأهمّها وفقاً لعبد الجليل سليمان "تماسك قيادتها، التي تنتسب إلى أسرة دقلو، فنائب رئيسها هو شقيقه الفريق عبد الرحيم دقلو، وكذلك كل من يتولون مناصب عليا هم من ذات العائلة أو القبيلة، كما أن معظم جنودها البالغ عددهم نحو 10 آلاف وفقاً لمعظم التقديرات هم من ذات الجماعة العرقية".

بجانب ذلك يرى الصحفي والمحلل السياسي السوداني أن القوات "توفرت على أموال واستثمارات ضخمة، إذ تحتكر تعدين الذهب وتصديره، كما تتلقّى أموالاً نظير مشاركتها في حرب اليمن وفي مكافحة الهجرة غير الشرعية".

ووفقاً لدراسة منشورة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فإن إيرادات الذهب المستخرَج من جبل عامر وغيره بين عامَي 2012 و2016 بلغت 123 مليون دولار، في حين كشف تقرير آخَر أن شركة كالوتي الإماراتية حصلت على أكثر من 117 طنّاً من الذهب السوداني بين عامَي 2012 و2019 عبر شركة الجنيد المرتبطة بالدعم السريع.

من جانبه يذهب الدكتور عمر زرآي إلى أن الثراء الفاحش لقوات الدعم السريع مكّنَها من استثمار أموالها من خلال عدد من الواجهات، كما أتاح لها القدرة على تجنيد أعداد كبيرة من المتقاعدين من الجيش وغيرهم من المسرَّحين من الأجهزة الأمنية، موضحاً أن رواتب قوات الدعم السريع أعلى بكثير من رواتب الجيش السوداني، وهذا كان يغري كثيراً من ضباط الجيش بالانضمام إليها.

ويضيف زرآي أن قوات الدعم السريع "مُسنَدة من قوى خارجية، لأن لدى دولٍ موقفاً من الجيش السوداني وتعتبره يد النظام السابق، وقيادة الجيش الحالية تابعة لنظام الإنقاذ، ومن ثم كانت تحاول تقوية قوات الفريق حميدتي بحيث تكون موازية للقوات المسلحة السودانية، فالصراع لم يكُن بين قوى سودانية فقط".

ويرى زرآي أن هذا "الواقع حوّل هذه القوات إلى أهمّ حجر عثرة أمام قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ولهذا أيضاً يمكن فهم مطالبة حميدتي مؤخراً بإقالة أكثر من 800 ضابط في الجيش على أساس أنهم تابعون للنظام السابق".

TRT عربي