تابعنا
يتوقع مراقبون أن تواجه سلاسل التوريد العالمية خطر التعرّض لاضطراب شديد، نتيجة تحويل شركات شحن كبرى في العالم رحلاتها بعيداً عن البحر الأحمر، ما قد يرفع من أسعار النفط والغاز

تزداد المخاوف في المغرب من ارتفاع في أسعار المنتجات النفطية، يُعزى لاضطراب تشهده سلاسل التوريد بشكل عام، وخصوصاً توريد النفط والغاز، نتيجة أزمة في البحر الأحمر سبّبتها هجمات الحوثيين على سفن الشحن.

ومع استمرار هذه الأزمة، يتوقع مراقبون أن تواجه سلاسل التوريد العالمية خطر التعرّض لاضطراب شديد، نتيجة تحويل شركات شحن كبرى في العالم رحلاتها بعيداً عن البحر الأحمر، ما قد يرفع من أسعار النفط والغاز.

وبشكل فعلي، اضطرت شركات شحن عالمية عملاقة، إلى تحويل مسارات سفن الشحن نحو رأس الرجاء الصالح في إفريقيا، بدلاً من الطريق الحالي المختصر عبر قناة السويس بين أوروبا وآسيا، بالنظر إلى المستوى المرتفع للخطر الأمني في البحر الأحمر.

باب المندب مضيق استراتيجي

ويؤكد رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، رشيد ساري، على أن "مضيق باب المندب يعد معبراً استراتيجياً، وخصوصاً أن 25% من النفط العربي يمرّ عبر هذا المعبر نحو الولايات المتحدة الأمريكية".

ويشدد ساري في حديثه مع TRT عربي، على أن "تداعيات ذلك ستكون كبيرة جداً، وقد نعود إلى سيناريو أبريل/نيسان 2021 عندما شهدنا نسب تضخم كبيرة، مع ارتفاع تكلفة التأمينات على الأخطار، وتكلفة التنقل، وطول مدتها".

ويتوقع ساري أنه إذا استمرت الأزمة إلى شهر فبراير/شباط المقبل، أن نكون أمام سيناريوهات قاتلة على مستوى ارتفاع أسعار البترول، وهناك احتمالات أن يرتفع إلى 150 دولاراً للبرميل، ما تترتب عنه أضرار اقتصادية أخرى.

تأثر سلاسل التوريد بطول المسافة

بحثُ شركات الشحن العملاقة والدول على طريق مائي آمن نسبياً ولو طويلاً على غرار رأس الرجاء الصالح، يعني حصول انعكاسات سلبية على التجارة الدولية في البحر، بسبب طول الطريق وارتفاع التكاليف.

ويقول المدير الأول لتسويق السفن في دبي، سامي الخياط، إن "السفن التي تسلك المسار الأطول سيكون لها تأثير في تقليل توافر السفن في جميع أنحاء العالم؛ لأنها ستكون مشغولة لفترات أطول، وبالتالي ستكون غير متاحة ما سيزيد من أسعار الشحن".

ويضيف الخياط لـTRT عربي، أن "سلاسل التوريد ستتأثر بزيادة أقساط التأمين التي سبق أن تضاعفت، علاوة على ارتفاع تكلفة الحراس المسلحين على متن سفن الشحن".

ويبيّن الخبير في مجال تسويق السفن أنه "من خلال أسعار الشحن للسفن التي تختار الطريق الالتفافي الإفريقي مع رحلة أطول، ستزيد التكلفة التشغيلية، وكذلك استهلاك الوقود".

ويردف: سيكون الوقود أيضاً أكثر، وستزداد تكلفة المستودعات في إفريقيا، والوضع الحالي ينطوي أيضاً على مخاطر زيادة أسعار النفط.

تنويع مصادر الاستيراد ضروري

وتمرّ سفن الشحن كافة التي تعبر قناة السويس من المحيط الهندي وإليه عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، إذ تعدّ قناة السويس الطريق الأسرع بحرياً بين آسيا وأوروبا، ولها أهمية خاصة في نقل النفط والغاز الطبيعي المسال، إذ نُقل عبرها نحو 9 ملايين برميل من النفط يومياً في النصف الأول من 2023.

ويُشحن من آسيا والخليج عن طريق البحر، قرابة 15% من البضائع المستوردة إلى أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويشمل ذلك 21.5% من النفط المكرر وأكثر من 13% من النفط الخام.

ويقول الخياط إنه "بسبب استمرار الأزمة في البحر الأحمر، وتحويل المسار عبر رأس الرجاء الصالح، ستزداد أسعار النفط والغاز، مع زيادة أوقات التسليم، قد تتأثر المخزونات بنقص محتمل في الإمدادات؛ ما سيكون له أيضاً تأثير في الأسعار التي ينبغي أن ترتفع".

ويشير إلى أن "تنويع مزيد من مصادر العرض لتجنّب نقص الإمدادات، وهو أمر قد يكون ضرورياً، رغم تكلفته العالية، بالنظر لمسائل العرض والطلب، التي يمكن أن تستغلها مصادر العرض الجديدة هذه".

ويوجد على رأس هذه المصادر، دول الجوار المنتجة للغاز والبترول، التي تجمعها شراكات وعلاقات جيدة بالمغرب، على غرار ليبيا مثلاً، أو إحدى الدول الإفريقية الأخرى، وخصوصاً في غرب إفريقيا.

مبرر للزيادة في أسعار المحروقات

ويعدّ المغرب من الدول التي تستورد كل حاجياتها من المواد البترولية والغاز، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في محطات الوقود، ويؤدي بالتالي إلى ارتفاع نسب التضخم.

وعادة ما يستورد المغرب حاجياته من الطاقة، من الدول الأوروبية، وخصوصاً إسبانيا القريبة، التي تستورد بدورها هذه المواد الخام من الجزائر ومن دول الخليج، لكنه قام في السنوات الأخيرة بتعزيز إمداداته الطاقية من روسيا، إذ احتل المغرب في أغسطس/آب 2023 المرتبة الرابعة عالمياً والثانية إفريقياً في قائمة الدول المستوردة.

ومن أجل ضمان أمنه الطاقي، يعوّل المغرب على تسريع إنجاز المشروع "الطموح" أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، الذي يقوده المكتب الوطني للمحروقات والمناجم (رسمي) بالتعاون مع المؤسسة الوطنية النيجيرية للنفط، طاقة سنوية تبلغ 30 مليار متر مكعب.

ويرى الخبير في مجال البترول والغاز، الحسين اليماني، أن "الارتفاع في أسعار المواد الخام والمواد الصافية، سيدفع حتماً لطرح المبررات لدى الفاعلين في القطاع بالمغرب للزيادة في أسعار المحروقات وجني مزيد من الأرباح".

ويبيّن اليماني في حديثه مع TRT عربي، أن "المغرب لم يعد له خيار لتزويد السوق سوى بالاعتماد على الواردات الصافية من مواد الطاقة، وخصوصاً بعدما تخلت الحكومة عن خيار تكرير النفط والتفرّج على القتل البطيء لشركة سامير الوحيدة لتكرير النفط في البلاد".

واعتبر اليماني أن "خطر توسع رقعة المواجهة وتمدّد الحرب على قطاع غزة، سيؤدي -لا محالة- إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد، وربما لانقطاعها وعدم انتظام تدفقها، ويبقى النفط والغاز من هذه السلع التي قد تعرف اشتعالاً في أسعارها".

حلف لحماية المضيق

وتستمر الأزمة في البحر الأحمر نتيجة تهديدات الحوثيين في اليمن، رداً على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ نفذت الجماعة اليمنية على مدى أسابيع هجمات بمسيّرات وصواريخ استهدفت سفن الشحن التجارية التي تمرّ من مضيق باب المندب.

على أثرها أعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، تحالف "حارس الازدهار" بقيادة واشنطن، وتضم دولاً عدة غربية وعربية، بهدف مواجهة ما سمّته "تهديد الحوثيين للملاحة البحرية في مضيق باب المندب".

ويعتقد البعض أن ملامح هذا التحالف البحري الجديد لا تزال غير واضحة، إذ تعدّ المبادرة، في هذه المرحلة، مجرد امتداد لواحدة من قوات العمل المشتركة الخمس التي كانت الولايات المتحدة تقودها بين البحر الأحمر والخليج العربي منذ نحو 20 عاماً.

TRT عربي
الأكثر تداولاً