تابعنا
يعد تغلغل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في حياة مستخدميها حاسماً في بعض الأمور، أو مغيَّراً أساسيّاً في سير الأحداث، إذ أصبحت تتداخل في أمور الزواج والطلاق والقضايا المهنية والحياتية.

مع الاستخدام المنتشر لوسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثات مثل "واتساب" أو "ماسنجر" وغيرهما، ظهر الكثير من الوسائل الجديدة التي رافقت التكنولوجيا لتوثيق هذه المحادثات، مثل "لقطة الشاشة" أو ما يُعرف على نطاق واسع بـ"السكرين شوت".

وتندرج هذه التقنية في سياقات التواصل ذاتها، وذلك لتوثيق المحادثات أو نقلها إلى طرفٍ آخر، وهو ما يُمكن وصفه بـ"النميمة الإلكترونية"، وهو مصطلح تُعرّفه الإعلامية المختصة في القضايا الاجتماعية، حياة ميموني لـTRT عربي، بـ"نقل الأحاديث باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي".

ويعد تغلغل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في حياة مستخدميها حاسماً في بعض الأمور، أو مغيَّراً أساسيّاً في سير الأحداث، إذ أصبحت تتداخل في أمور الزواج والطلاق والقضايا المهنية والحياتية.

وتقول ميموني، في تصريح لـTRT عربي: "يشكو الكثيرون من المشكلات التي بات مصدرها نقل المحادثات الشخصية من الخاص إلى العام، والتقاط صور شاشة لدردشات شخصية أو منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

"خسرتُ عملي من لقطة شاشة"

يروي المهندس سالم المدهون (36 عاماً)، وهو موظف في إحدى الشركات، قصة توقيفه عن العمل بسبب "لقطة شاشة" لمحادثة شخصية مع زميل آخر له، كان قد أبدى فيها انتقاده قرارات جديدة لإدارته.

ويقول المدهون لـTRT عربي: "فوجئت بعد يوم من المحادثة مع زميلي من استدعاء مديري لي وهو يطرح عليّ سؤالاً دون مقدمات حول ما إن كانت لديَّ تحفظات على قراراته الأخيرة، مؤكداً لي أنه مَن يملك سلطة التقدير".

ويتابع المدهون: "واجهني مديري بـ(لقطة شاشة) من محادثتي مع زميلي وورقة إقالتي من منصبي لأوقّع عليها".

يرى المدهون تصرّف زميله، الذي نال ترقية مهمة في تلك الشركة بعد أشهر، "غير أخلاقي" وأنه كان السّبب في نهاية مشواره في الشركة التي تعب لسنوات عمل طويلة كي ينال منصباً فيها.

أما السيدة أمل العربي، فتروي بدورها قصة طلاقها من زوجها، بعدما وصلت إليها "لقطة شاشة" من صفحة مجهولة حديثة الإنشاء، لتعرف أن شريكها على علاقة بسيدة أخرى وينوي الزواج منها.

ترى أمل في حديثها مع TRT عربي أن استخدام لقطة الشاشة في حالتها "إيجابي"، مبررةً ذلك بأنها "عرفت الحقيقة وبالدليل". وتقول: "حتى إنّني استغربت من الطريقة التي يتحدث بها زوجي عني وعن شؤون خاصة بحياتنا".

بين السجن ومحاولة الانتحار

تروي أم وليد (62 عاماً)، دخول ابنها السجن، بسبب ما سمَّتها "الوشاية الإلكترونية"، وتقول لـTRT عربي: "جرى تصوير (لقطة شاشة) لتعليق سياسي لابني، أدت للحكم عليه بسنة سجن نافذ بتهمة التحريض على العصيان".

وأضافت السيدة لـTRT عربي، أن جارهم المحامي أبلغ عن ابنها. وتصف ما فعله بأنه "كتب العريضة التي زوّدها بصور لمنشورات ابني المنتقدة للسلطة، وأيضاً لتعليقات له تدعو للتظاهر السلمي".

وفي قصة أُخرى، انتهى الحال بإحدى "المؤثرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي" المعروفة في الجزائر التي يتابعها مئات الآلاف عبر منصة "تيك توك" بمحاولة الانتحار بعدما نشر خطيبها السابق صوراً شخصية لها.

وكان خطيبها قد التقط صوراً للشاشة في أثناء محادثة فيديو معها، ليبتزّها لاحقاً حين قررت إنهاء علاقتها معه ويتبعها بنشر ما هدّد به.

فعل غير أخلاقي

وحول الدوافع التي تؤدي إلى سوء استخدام التكنولوجيا في أفعال غير أخلاقية، يُفسر المختص في علم الاجتماع السياسي الباحث نور الدّين بكيس ذلك بأن "هناك أشخاصاً يقتاتون على النميمة الإلكترونية، إذ وُجدت النميمة منذ وجود الإنسان على الأرض، ما تغيّر اليوم هي فقط الوسيلة في ممارسة هذا الفعل غير الأخلاقي".

ويضيف بكيس، في حديثه إلى TRT عربي، أن "النميمة الإلكترونية منتشرة في المجتمعات المتخلفة تحديداً، لأن هذه الأخيرة لا تعتمد بالدرجة الأولى على الكفاءة في تقديم العلاوات والمد بالمناصب".

ويلفت إلى أن الحصول على المنصب يكون على "الولاء كمعيار أساسي، إذ تصبح المواقف والآراء الشخصية المحدِّد الرئيسي للبقاء في المنصب من عدمه"، حسب رأيه.

وأوضح: "يعتمد الفاسدون ومن لا يملك المهارة ومن يريد الوصول إلى المنصب بأي وسيلة ممكنة وبأسرع الطرق على النميمة الإلكترونية باعتبار أنها توفر دليلاً على ما يدّعونه، كصورة شاشة أو رسالة صوتية منقولة من محادثة خاصة".

ويضيف الباحث أن "أصحاب الشخصيات الضعيفة والإمكانات المهنية المحدودة يوظّفون الأدوات الإلكترونية لتصفية الأشخاص من طريقهم، عن طريق محاولة التّسبب بإقالتهم أو أغراض أخرى".

ما الأسباب النفسية؟

تقول المختصة في علم النفس التربوي سهام زايد، إن الأشخاص الذين يحصلون اليوم على علاوة إدارية ومناصب بسبب ممارستهم النميمة الإلكترونية، لديهم "عُقد سابقة قد تعود لطفولتهم".

وتشير المتحدثة لـTRT عربي إلى أن "الأسرة تغرس في الطفل قلة الثقة بالنفس التي تجعله في بداية الأمر يقدّم تنازلات لأصدقائه لكي يسمحوا له بأن يلعب معهم، كأن يعطيهم لعبة أو قطعة من الحلوى التي جمعها طيلة اليوم من أهله".

وأوضحت المختصة في علم النفس أن "هؤلاء الأطفال يكبرون وهم ينقلون أحاديث التجمعات العائلية، فمن غير الصحي أن تسأل الأم أطفالها عمّا سمعوه أو ما شاهدوه في منازل جداتهم أو خالاتهم وغيرها".

وبذلك تتجسّد في ذهن الطفل أنه لا يمكن أن يحصل على التقدير إلّا بتقديم الخدمات، كأن يحكي للأطفال عن أسرار أهله، أو ينقل سراً ما من بيت جده لأمه، لأنه غالباً ما كان يحصل على الاهتمام فقط في تلك اللحظات، وفق المختصة في علم النفس التربوي سهام زايد.

مجرّمة قانوناً

وحول رأي القانون في قضية سوء استخدام "لقطة الشاشة"، قال المختص في القانون المحامي يوسف بودينة، لـTRT عربي، إن "أغلب الدول أصدرت قوانين تجرّم أحذ صور دون إذن صاحبها، بما فيها لقطة الشاشة للمحادثات الكتابية، أو نقل تسجيل صوتي، وحتى تسجيل المكالمات يحاسب عليه القانون في بعض الدول".

وتدخل "النميمة الإلكترونية"، حسب يوسف بودينة، في خانة "المساس بحرمة الحياة الخاصة للأشخاص، بالتقاط أو تسجيل أو نقل مكالمات أو أحاديث خاصة أو سرّية بغير إذن صاحبها أو رضاه".

وفي تصريح لـTRT عربي يؤكد المحامي يوسف بودينة أن "القوانين في الكثير من البلدان تعاقب حتى على الاحتفاظ بصورة الغير دون أخذ إذنه، فمجرد تحميل صورة أُرسلت على الخاص، قد يعرِّض صاحب الفعل للمساءلة القانونية لاحقاً".

كما تدخل الوشاية الكاذبة قانونياً في باب النميمة الإلكترونية، حسب المحامي يوسف بودينة، إذ يعد استخدام "لقطة الشاشة" محاولة تشويه سمعة أو الوشاية بسرٍّ أو بنيّة التحقير من الشخص جريمةً يعاقب عليها القانون.

وأشار إلى أنه سُجلت مئات الحالات المدانة التي تقبع في السجون حالياً بسبب ما تُعرف مجتمعياً بـ"النميمة الإلكترونية".

TRT عربي