لماذا يتخوف الغرب من هجوم روسي على مولدوفا؟ / صورة: Reuters (Vladislav Culiomza/Reuters)
تابعنا

تعود مولدوفا، الجمهورية الصغيرة الواقعة جنوب أوكرانيا، إلى واجهة الحدث الدولي، إثر تصاعد القلق الغربي من أن تكون الهدف القادم للهجوم الروسي، ومخاوف موسكو من تصعيد غربي ضد إقليم ترانسنيستريا الانفصالي شمال مولدوفا، الذي تدعمه.

من ناحية أخرى، يتزايد التوتر في مولدوفا نتيجة التبعات الاقتصادية القاسية التي تعيشها البلاد، جراء استمرار الحرب في جارتها الشمالية، وللاضطراب السياسي الذي شهدته مؤخراً، الذي اعتبرته رئيسة البلاد "مؤامرة انقلابية"، واتهمت موسكو بدعمها.

مولدوفا هي "أوكرانيا التالية"؟

مبدئياً، ما يغذّي القلق المتزايد بشأن مولدوفا هو أوجه التشابه بينها وبين أوكرانيا؛ كلا البلدين انتمى إلى الفضاء السوفييتي سابقاً، وكلتا الحكومتين في كييف وكيشيناو ميالة إلى الغرب، وحصلتا على صفة المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أن مولدوفا تضمّ منطقة ترانسنيستريا الانفصالية المدعومة من روسيا، على غرار إقليم الدونباس الذي كان مسوغاً للهجوم الروسي على أوكرانيا.

وحسب ما ذكرته وكالة رويترز، أعرب الكرملين اليوم الاثنين، عن قلقه البالغ من المساعي الغربية بشأن تغيير الوضع القائم في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية. وسبق أن أخبرت موسكو الغرب بأنها ستنظر إلى أي أعمال تهدّد قوات حفظ السلام الروسية في الإقليم الانفصالي على أنها هجوم على روسيا نفسها.

وفي 23 فبراير/شباط أشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أن أوكرانيا تخطّط لاستهداف قواتها في شمال مولدوفا. وقالت الوزارة في بيان: "وفقاً للمعلومات الحالية، فإن نظام كييف يستعدّ لتنفيذ استفزاز مسلَّح ضد ترانسنيستريا في جمهورية مولدوفا بالمستقبل القريب، ستنفذه وحدات من القوات المسلحة الأوكرانية، بما في ذلك تشكيل آزوف القومي".

وأضافت وزارة الدفاع الروسية أن "ذريعة هذا الغزو" الأوكراني ستكون "شنّ هجوم مزعوم من القوات الروسية من أراضي ترانسنيستريا"، و"تحقيقاً لهذه الغاية، سيتنكر المخربون الأوكرانيون المشاركون في الغزو المخطط، بزي قوات الاتحاد الروسي".

ومنذ شهر يناير/كانون الثاني، أفادت تقارير غربية بتحضير موسكو لهجوم واسع على أوكرانيا بحلول الربيع. ويرجّح محللون أوكران، منهم الدكتور محمد فرج الله، رئيس تحرير موقع "أوكرانيا بالعربية"، أن هذا الهجوم قد يقع من محاور عديدة، من بينها إقليم ترانسنيستريا.

وقال فرج الله في حديث لـTRT عربي، إنه مع حلول الربيع "تحاول روسيا أن الهجوم على أوكرانيا من أربعة محاور: من الشمال عبر بيلاروسيا مع أنها ستكون خطة جنونية، أو من الشرق إلى خاركوف لتضرب مرة أخرى مدينة إيزيوم وتسيطر عليها، أو من الشرق الجنوبي باتجاه زابوريجيا ومحاولة السيطرة عليها، أو محاولة جديدة للإنزال على أوديسا، ومن الغرب طبعاً من إقليم ترانسنيستريا".

إضافة إلى هذا، ففي مطلع فبراير/شباط وصف وزير الخارجية الروسي مولدوفا بكونها "أوكرانيا التالية"، مشيراً إلى أن الغرب بأنه يستخدم البلاد بنفس الشكل الذي أدّى إلى حدوث الحرب في أوكرانيا، متهِماً إياه بـ"وضع رئيسة مناصرة للغرب وتواقة إلى الانضمام إلى حلف الناتو".

"محاولة انقلابية!".. ساندو تقول

إضافة إلى هذه توترات المتصاعدة حول ترانسنيستريا، تشهد مولدوفا منذ أسابيع أزمة سياسية قالت رئيسة البلاد مايا ساندو إنها "محاولة انقلابية" تدعمها روسيا للإطاحة بها.

وكانت ساندو تلقّت تحذيرات من نظيرها الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بأن مخابراته اعترضت "خطة كاملة للإطاحة بالحكم" في مولدوفا. وقال زيلينسكي: "هذه الخطة تشبه بالضبط ما حاولت بالفعل (روسيا) فعله ضدّ أوكرانيا". وأوضحت رئيسة مولدوفا أن استخبارات بلادها أكدت تحذيرات الرئيس الأوكراني.

وكشفت ساندو أن تكتيكات التي كشفتها الخطة المنسوبة إلى الكرملين، شملت دخول مواطنين من روسيا وبيلاروسيا والجبل الأسود وصربيا إلى مولدوفا ومحاولة إشعال الاحتجاجات، في محاولة "لتغيير الحكومة الشرعية إلى حكومة غير شرعية يسيطر عليها الاتحاد الروسي".

وأضافت رئيسة مولدوفا أن "الغرض من هذه الإجراءات هو قلب النظام الدستوري، وتغيير السلطة الشرعية إلى سلطة غير شرعية تضع بلادنا تحت تصرف روسيا لوقف عملية التكامل الأوروبي، وأيضاً لاستخدام روسيا لمولدوفا في حربها ضد أوكرانيا".

وتزامناً مع هذه التطورات، في 10 فبراير/ شباط أعلنت رئيسة وزراء مولدوفا ناتاليا غافريليتا استقالتها، لتنهار بعدها حكومة البلاد. ورجعت رئيسة الوزراء استقالتها إلى الأزمات التي تعيشها البلاد جراء الحرب في أوكرانيا، وقالت: "لم يكُن أحد يتوقع أن حكومتي ستُضطرّ إلى إدارة كثير من الأزمات الناجمة عن العدوان الروسي في أوكرانيا".

وتشهد مولدوفا منذ اندلاع الحرب أوضاعاً اقتصادية متردية، سمّتها الرئيسية ارتفاع مستويات التضخم وأزمة الطاقة، وهو ما أثار موجة احتجاجات ضد الحكومة. وتستورد البلاد 30% من كهربائها من أوكرانيا، فيما تغطي نسبة 70% كهرباء تنتجها محطة طاقة واقعة في إقليم ترانسينيستريا الانفصالي، ما يهدد بشدةٍ سيادتَها الطاقية.

وفي أعقاب استهداف القوات الروسية محطات الطاقة الأوكرانية، كتبت الرئيسة مايا ساندو، مستنكرةً أن "روسيا أغرقت مولدوفا في الظلام، الحرب الروسية على أوكرانيا مستمرة، والصواريخ الروسية تقتل الأوكرانيين وتدمّر الأحياء السكنية ومنشآت الطاقة (...). مهما كان الأمر صعباً الآن، فإن طريقنا الوحيد، مستقبل مولدوفا، يجب أن يظلّ نحو العالم الحرّ".

وأعرب الغرب عن قلقه بشأن التطورات الحاصلة في مولدوفا. وفي وقت سابق من هذا الشهر قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن الولايات المتحدة لديها "قلق عميق" بشأن جهود روسيا لزعزعة استقرار حكومة مولدوفا.

TRT عربي
الأكثر تداولاً