بعد نشر الفيديو تجمع الآلاف من الاسرائيليين أمام مبنى وزارة الأمن الإسرائيلية في تل أبيب مطالبين بالإفراج عن المحتجزين / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

نشر منتدى عائلات المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة الأربعاء، مقطعاً مصوراً يُظهِر عملية أسر مجموعة من المجندات الإسرائيليات على يد مقاتلي كتائب القسام في موقع ناحل عوز العسكري شرقيّ مدينة غزة، خلال هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

قُتل في الهجوم 15 مجندة عملن مراقبات على الحدود مع غزة، فيما احتجزت المقاومة 7 منهن، قُتلت إحداهن وعادت أخرى إلى غزة بعد أن ادّعى جيش الاحتلال تحريرها، فيما ظلّت البقية محتجزة لدى المقاومة الفلسطينية في غزة.

وقال منتدى عائلات المحتجزين الإسرائيليين إن الفيديو يعكس الواقع المأساوي للمحتجزين، و"إدانة لاذعة للفشل الوطني الذي تجلى بالتخلي عن الأسرى"، مؤكداً ضرورة أن "تعود الحكومة مباشرة إلى طاولة المفاوضات على الفور".

وأشار بيان المنتدى إلى أن الفيديو الذي عُرض وتبلغ مدته 3.10 دقيقة حُرّر وقُطّع من فيديو أطول سُحب من كاميرات مقاتلي المقاومة الفلسطينية.

ووفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت، عُرض الفيديو كاملاً الشهر الماضي على المجلس الوزاري الموسع والمصغر، كما حصل أعضاء الكنيست الإسرائيلي على نسخة من الفيديو.

وسبق أن أفرجت المقاومة الفلسطينية عن 105 من الإسرائيليين والأجانب، في المقابل أفرجت إسرائيل عن 240 أسيراً فلسطينياً من الأطفال والنساء في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023. وقدرت مصادر إسرائيلية بقاء 137 محتجزاً في قطاع غزة.

وفي شهر مارس/آذار الماضي أعلن الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة مقتل أكثر من 70 محتجزاً إسرائيلياً بنيران جيش الاحتلال الاسرائيلي الذي أعلن في أكثر من مناسبة استعادة جثث لمحتجزين إسرائيليين.

وفي الأسبوع الأول من شهر مايو/أيار الحالي أعلنت حركة حماس الموافقة على مقترح لوقف إطلاق النار في غزة يتضمن تبادلاً الأسرى والمحتجزين، لكن إسرائيل رفضت الصفقة وشنّت عملية عسكرية على مدينة رفح.

لماذا الآن؟

أذاع أهالي الأسرى الفيديو قبل اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي للبحث في صفقة التبادل والمفاوضات وإمكانية إرسال وفد للتفاوض.

وعلل والد إحدى المحتجزات لدى المقاومة الفلسطينية في حديثه مع القناة 12 الإسرائيلية نشر الفيديو الآن بـ"تباطؤ رئيس الوزراء في قضية الرهائن، فهو لم يعقد أي اجتماع لهذه القضية منذ يوم السبت".

وأضاف والد المجندة ليري إلباغ، أن العائلات قررت الكشف عن هذا الفيديو بما يتضمنه من محتويات حساسة حتى "تستيقظ حكومتنا".

وبعد نشر الفيديو تجمع آلاف الاسرائيليين أمام مبنى وزارة الأمن الإسرائيلية في تل أبيب مطالبين بالإفراج عن المحتجزين منددين بحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو التي طالبوا بإسقاطها لعرقلتها جهود صفقة التبادل.

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أن رئيس الوزراء نتنياهو دخل اجتماع مجلس الحرب الذي عُقد الخميس بموقف رافض لتوسيع صلاحيات الفريق المفاوض، لكن الفيديو الذي نشرته عائلات المجندات وما تركه من أثر في الشارع الإسرائيلي، وضغط كبار القادة العسكريين بمن فيهم رئيس الأركان هرتسي هاليفي، ووزير الدفاع غالانت، وأعضاء مجلس الحرب على رأسهم غادي أيزنكوت وبيني غانتس، أدى إلى تراجع نتنياهو.

ونقلت الصحيفة عن رئيس الأركان هاليفي قوله خلال الاجتماع، إن صفقة التبادل مع حركة حماس ليست فقط الشيء الصحيح من الناحية العسكرية والأخلاقية والقيمية، بل ومن الناحية الاستراتيجية، فوقف إطلاق النار القصير يتيح للجيش ترتيب الساحة على المدى القصير.

وأضافت الصحيفة أن الفريق المفاوض الإسرائيلي حصل على الصلاحيات التي طلبها، ومُنح مجالاً للتفاوض والمناورة، لكنه مع ذلك لم يحصل على كل ما طلبه من صلاحيات.

ويشير الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي صلاح العواودة إلى جانب آخر من تأثير الفيديو قائلاً: "صحيح أن العائلات هي من ضغط باتجاه نشر الفيديو لزيادة التعاطف معها والضغط على الحكومة، لكن الحكومة الإسرائيلية كذلك حاولت الاستفادة من الفيديو، تحديداً في هذا التوقيت نتيجة الظروف الدولية المضادة أو المعاكسة لما يريده الكيان من الجنائية الدولية ومذكرات الاعتقال".

ويضيف العواودة في حديثه مع TRT عربي، أن الاحتلال "بحاجة إلى أي شيء لتغيير الصورة ومحاولة إقناع العالم بأن ما يفعله ردّ على ما فعلته حركة حماس، ولإظهار الفلسطينيين مجرمين ومتوحشين".

حراك عائلات المحتجزين في عين الاستقطاب الداخلي

تعيش إسرائيل في السنوات الأخيرة حالة من الاستقطاب السياسي، تفاقمت مع طرح رئيس الوزراء الحالي نتنياهو قانون "إصلاح النظام القضائي" وتصويت الكنيست على أحد بنوده في يوليو/تموز الماضي، وما تبعه من احتجاج عمّ المدن الإسرائيلية ضد الحكومة القائمة على تحالف حزب الليكود مع أحزاب اليمين المتطرف.

وفي بداية عملية "طوفان الأقصى" ظهر أن المجتمع الإسرائيلي في طريقه إلى التعافي، لكن التعارض الذي ظهر بين دعوات الانتقام من حركة حماس والحرب عليها والإفراج عن المحتجزين قاد قضية المحتجزين إلى مربع الاستقطاب السياسي من جديد.

في هذا الإطار يقول يجيل ليفي، أستاذ علم الاجتماع والباحث البارز في العلاقات العسكرية والمجتمعية في إسرائيل، في حوار له مع صحيفة موقع كالكالسيت: "عادلاً كان ذلك أم لا، فإن الأسرى يُنظر إليهم على أنهم ينتمون إلى معسكر يسار الوسط، نتحدث عن أعضاء الكيبوتسات والشباب الذين ينتهكون حرمة السبت والعطلات الذين ذهبوا لحضور حفلة في الطبيعة، بالتالي تحولت المعركة من أجل صفقة لتحريرهم تدريجياً إلى قضية يسارية".

يضيف ليفي أن النظرة إلى قضية المحتجزين الإسرائيليين "على أنها ضحية أخرى يجب التضحية بها من أجل النصر، إذا كانت تتعارض مع هدف تدمير قوة حماس، ثمنها وقف إطلاق نار طويل أو إنهاء الحرب. هذا يخلق مقاومة لصفقة تحرير المحتجزين، وفي الحالات الأكثر تطرفاً، العداء لعمل عائلات الأسرى والمنظمات التي تُعرف بدعمهم".

في المقابل يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي صلاح العواودة أن "اليسار الإسرائيلي في أضعف حالاته، والموقف من قضية المحتجزين ليس آيدلوجياً ما بين اليمين واليسار، بل سياسي بين أطراف اليمين نفسه، من يحكم هو اليمين واليمين المتطرف، والمعارضة هي من اليمين الوسط. وتضمّ بقايا يسار، لا يوجد فعلاً حزب أو كتلة يسارية في الكنيست".

مضيفاً أن المعارضة الإسرائيلية تحاول الاستثمار في "عائلات المحتجزين، التي تشكل قضية اجتماعية ضاغطة، والمعارضة تحسن الاستثمار بهذه القضية أكثر من الحكومة، لما تملكه من حرية في التعامل على خلاف الحكومة".

هل يوقف حراك العائلات الحرب؟

تصرّ حركة حماس على أن أي عملية تبادل يجب أن تتضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار وإنهاء الحرب في قطاع غزة، فيما ترفض إسرائيل وقف الحرب شرطاً لعملية التبادل.

الرابط بين صفقة التبادل ووقف الحرب دفع حراك عائلات المحتجَزين إلى الضغط على الحكومة الإسرائيلية للوصول إلى صفقة لوقف إطلاق النار، وهو ما ترفضه حكومة نتنياهو حتى هذه اللحظة.

وفي هذا الإطار يرى الباحث والكاتب في الشان الإسرائيلي صلاح العواودة أن حراك العائلات يُعَدّ "عاملاً ضاغطاً على الحكومة الإسرائيلية لوقف الحرب، لكن ليس إلى الحد الذي يفرض وقف الحرب، فما زالت أهداف نتنياهو وغالانت وغانتس آيزنكوت تدور حول القضاء على حركة حماس سياسياً وعسكرياً وتغيير الواقع في الجنوب وتحرير الأسرى".

ويضيف العواودة أن اشتداد الأزمة الداخلية والعوامل الدولية والإقليمية، بالإضافة إلى فشل الحرب نفسها، قد يؤدّي إلى وقف إطلاق النار، لا حراك العائلات وحده.

TRT عربي
الأكثر تداولاً