كيف ستؤثر الحرب الروسية-الأوكرانية على تركيبة السكان بالبلدين؟ / صورة: AP (Andriy Andriyenko/AP)
تابعنا

بعد انقضاء كل حرب تبقى إعادة إعمار البنيان أمراً ممكناً تخطيه بتوفير الموارد المالية اللازمة له. وعكس ذلك هو إعادة التركيبة السكانية إلى وضعها الطبيعي، والتي تأخذ وقتاً أطول بكثير.

هي ذي المعادلة التي تضع فيها الحرب بين روسيا وأوكرانيا البلدين، عبر تغييرها السلبي الواسع للتركيبة السكانية بالبلدين، ما قد يأخذ منهما وقتاً أطول لتخطي الأزمة الديموغرافية، وإعادة معدلات النمو الديموغرافي إلى مستوياتها المعهودة.

قتلى بالآلاف وهروب نصف السكان

بالنسبة إلى الشعب الأوكراني الذي تجري العمليات القتالية على أرضه، هو الأكثر تضرراً من التغيرات السكانية التي تفرضها الحرب على البلاد البالغ تعداد سكانها 43.8 مليون نسمة. إذ ومنذ بدايتها في 24 فبراير/شباط الماضي، راح ضحيتها أزيد من 14 ألف ضحية من المدنيين، حسب تقدير الأمم المتحدة. يضاف إليها ما بين 19 و39 ألف جندي أوكراني قتلوا خلال المعارك، وفقاً لما صرحت به حكومة كييف.

ومنذ اندلاع الحرب إلى اليوم هاجر نحو 8 ملايين شخص من أوكرانيا هرباً من الاقتال، أغلبهم من النساء والأطفال، بينما منع الذكور بين 16 و60 سنة من مغادرة البلاد. هذا إضافة إلى وجود 8 ملايين أوكراني في حالة تنقل دائم بين مناطق البلاد. ومع اقتراب الشتاء القاسي واعتماد روسيا استراتيجية تعطيل البنية التحتية الطاقية الأوكرانية، فهذه الأعداد من المتوقع أن تضاعف.

وحسب صحيفة "برافدا" الأوكرانية فإن هذه العناصر كلها تقود البلاد نحو "كارثة ديموغرافية"، والتي "يمكن على المدى القصير تلمس تأثيرها المدمر على بلد كان يعاني أسساً من مشكلات ديمغرافية. ورغم صعوبة التنبؤ بالآثار طويلة المدى، فإن احتمالية استمرار المأساة الديمغرافية سيكون من الصعب تجنبها".

وتضيف توقعات تقرير الصحيفة الأوكرانية باستمرار انخفاض الخصوبة الناتج بشكل مباشر عن عواقب الحرب، وإمكانية استمرار انخفاض معدلات المواليد بسبب انخفاض عدد النساء في سن الإنجاب. هذا بالإضافة إلى توجه المجتمع الأوكراني نحو الشيخوخة، وانقلاب الهرم الديموغرافي بالبلاد.

وفي إحصائيات أخرى نشرتها "بوليتيكو" الأمريكية فإن عدد النساء الحوامل في أوكرانيا يشهد تناقصاً كبيراً. حيث بلغ في الفترة ما بين أواخر فبراير/شباط وأكتوبر/تشرين الأول نحو 68 ألف امرأة فقط، مقارنة بـ146 ألف حامل في نفس الفترة من العام الماضي.

روسيا ليست أفضل حالاً

في هذا الصدد ليست روسيا أفضل حالاً من أوكرانيا، رغم أن القتال ليس على أراضيها. لكن الروس دفعوا نصيباً كبيراً من ساكنتها الشابة في سبيل هذه الحرب، إذ تقدر الإحصاءات بنحو 18.6 ألف قتيل في صفوف الجيش الروسي، إضافة إلى 65 ألف جريح.

ويضاف إلى ذلك التعبئة العسكرية الأخيرة التي دعا إليها الرئيس فلاديمير بوتين، التي شملت نحو 300 ألف جندي احتياط روسي. وهو ما خلَّف موجة نزوح واسعة هرباً من التجنيد الإجباري، قدر عددها بنحو مليون نسمة.

وتعاني روسيا منذ تسعينيات القرن الماضي أزمة سكانية عميقة متمثلة في انخفاض عدد الولادات واتجاه الهرم الديموغرافي نحو الشيخوخة. ويتوقع أنه إذا استمرت العمليات العسكرية للأشهر المقبلة فقد تشهد روسيا أقل من 1.2 مليون ولادة العام المقبل، وهو المعدل الأدنى في التاريخ البلاد الحديث، وفقاً لتقديرات إيجور إفريموف، الباحث والمتخصص في التركيبة السكانية في معهد "غيدار" في العاصمة الروسية.

وفي تصريحاته لبلومبرغ قال إفريموف إن "الضربة الرئيسية لمعدل المواليد ستكون غير مباشرة، لأن معظم العائلات ستدمر أفق تخطيطها بالكامل نتيجة لذلك. وسيكون لذلك تأثير أقوى كلما طال أمد التعبئة العسكرية للحرب".

ونقلاً عن ذات المصدر قالت إيلينا تشوريلوفا الباحثة في المختبر الدولي للسكان والصحة في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو إن "من المحتمل في ظروف عدم اليقين أن يؤجل عدد من الأزواج إنجاب الأطفال لبعض الوقت حتى يستقر الوضع. وعام 2023 يتوقع أن نشهد انخفاضاً إضافياً في معدل المواليد".

TRT عربي