كيف ستؤثر العقوبات ضد روسيا في الاقتصادات العربية؟ (Reuters)
تابعنا

منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا سارعت الدول الغربية إلى إعلان حزمة عقوبات مؤلمة استهدفت اقتصاد البلاد، من أجل الضغط عليها لإنهاء الحرب وسحب قواتها. ووجهت هذه العقوبات مباشرة إلى مفاصل الاقتصاد، فجمدت أرصدة وأعمال الشخصيات الروسية المقربة من الكرملين، والقطاع البنكي والصادرات، بخاصة الطاقية منها.

وبعد انطلاق العملية العسكرية الروسية بساعات قليلة قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون: "لندن ستعمل على إخراج روسيا من الاقتصاد العالمي". وقبلها أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان أنه أمر "بفرض عقوبات على نورد ستريم 2 إيه جي وقادتها" الشركة التابعة لمجموعة غازبروم الروسية، مضيفاً أن "هذا التدبير جزء من الدفعة الأولى من العقوبات رداً على خطوات روسيا في أوكرانيا".

وغردت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وقتها قائلة إن "زعماء الاتحاد الأوروبي اتفقوا على فرض عقوبات على موسكو تستهدف 70% من السوق المصرفية الروسية والشركات الرئيسية المملوكة للدولة، ومنها شركات في مجال الدفاع".

ومن المرجح أن تؤثر هذه العقوبات بشكل كبير على الاقتصاد الروسي، وتشل مفاصل عدة منه. بينما تجمع دول عربية عديدة علاقات اقتصادية مع موسكو، ما يطرح سؤال مدى تأثرها هي الأخرى بالعقوبات، وما طبيعته، ومن منها الأكثر ربحاً أو خسارة مما يستهدف الاقتصاد الروسي.

مختصر العقوبات المؤلمة

طالت عقوبات الاتحاد الأوروبي رحلات الطيران التابعة للشركات الروسية، ومُنع عدد من البنوك الروسية من التعامل بنظام التحويل البنكي "سويفت" بهدف حرمانها من التحويلات المالية الدولية. وجمد الاتحاد أصولاً مملوكة للبنك المركزي الروسي، وأقر وقف بيع الجنسية أو المواطنة باستخدام قانون "جواز السفر الذهبي" الذي يسمح للأثرياء الروس بالحصول على جنسية دول أوروبية.

من جانبها فرضت بريطانيا عدة عقوبات إضافية، شملت تجميد أصول بنوك روسية واستبعادها من النظام المالي للمملكة، وإصدار قوانين لمنع الشركات والحكومة الروسية من الحصول على أموال من الأسواق البريطانية، كما علقت تراخيص التصدير للسلع التي يمكن استخدامها في أغراض مدنية وعسكرية، ووقفت تصدير السلع ذات التقنية العالية، منها معدات تكرير النفط، ووضعت حداً أقصى للمبالغ المالية التي يمكن للروس إيداعها في البنوك البريطانية.

وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عدة عقوبات ضد مجموعة من البنوك الروسية وشخصيات بارزة، وقال إن بلاده، بالتعاون مع حلفائها، سيمنعون ما يزيد على نصف الواردات الروسية، من السلع ذات التقنية العالية، التي تستخدم في الصناعات العسكرية. كما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية حظر مواطنيها من إجراء المعاملات مع البنك المركزي، وصندوق الثروة السيادي، ووزارة المالية الروسية.

ولوحت الدول الغربية بإمكانية طرد المؤسسات البنكية الروسية من نظام الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت"، التي ستجعل من المستحيل تقريباً على المؤسسات المالية إرسال واستقبال الأموال داخل أو خارج البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يسبب صدمة مفاجئة للشركات الروسية وعملائها الأجانب، بخاصة مشترو صادرات النفط والغاز المقوَّمة بالدولار الأمريكي.

ما مدى تأثير ذلك في الاقتصادات العربية؟

يمتلك عدد من الدول العربية شراكات اقتصادية مع روسيا، خصوصاً في مجالات عديدة أهمها المنتجات الفلاحية والصيد البحري، إضافة إلى استيراد الأسلحة والسياحة، وبالتالي قد تؤثر حزمة التضييقات الغربية التي تطال ذلك البلد بالضرورة في الاقتصادات العربية.

حسب إسحاق خرشي أستاذ الاقتصاد، فإن "ارتباط الاقتصادات العربية بروسيا يحدث بشكل كبير في مجال المنتجات الفلاحية، وبالأخص في واردات القمح. فمثلاً دولة الإمارات تستورد 65% من حاجتها من القمح من روسيا، وعمان تعتمد بنسبة 53% على القمح الروسي".

في هذا السياق يشير الخبير الجزائري في حديثه لـTRT عربي، إلى أن "المشكل الحالي ليس في ضعف عرض تلك المنتجات في السوق العالمية بل في الارتفاع الجنوني لأسعارها، إذ ستستورد هذه الدول نفس الكميات لكن بمقابلات ضخمة من العملة الصعبة"، في حين أن تذبذب العرض "لن يحدث إلا إذا طالت الحرب ولم يُتوصل إلى حلّ سياسي سلمي لها".

يضيف المتحدث أن العقوبات المفروضة على روسيا، خصوصاً التهديد بطرد بنوكها من نظام "سويفت"، "ستكرس مأزق الدول العربية في هذا الصدد، إذ ستجد نفسها محرومة من وارداتها من القمح الروسي لعدم توافر وسيلة لمقابلات هذه الواردات".

لكن ليس تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي سلبياً على نظرائه العرب، يوضح خرشي، فله آثار إيجابية "أهمها ارتفاع أسعار النفط، فالدول العربية النفطية ستستفيد جداً من هذا الأمر بخاصة إذا كانت تتوفر على عقود طويلة الأمد تبيع من خلالها بسعر السوق الحالي. وستهم هذه المكاسب بشكل أكبر الدول المصدرة للغاز المسال، مثل قطر التي ستستفيد من الأسعار الموجودة حالياً".

مع ذلك "ستظل هذه الأرباح التي ستجلبها هذه الأزمة سلاحاً ذا حدين، إذ سيقابلها في الجهة الأخرى ارتفاع أسعار المواد الغذائية" حسب ما ختم به الخبير الجزائري حديثه.

TRT عربي