مظاهرات السويداء (TRT Arabi)
تابعنا

ما بين أزمة مالية غير مسبوقة هبطت بالليرة السورية إلى أدنى مستوياتها في التاريخ، وأزمة معيشية خانقة ألهبت الأسعار وبددت ما تبقى من القوة الشرائية لدى السوريين، وبروز فضائح صراع أجنحة داخل النظام على ثروة الشعب المنهوبة إلى العلن، لم يبق أمام الشعب ما يخسره حينما يقرر النزول إلى الشارع والاحتجاج بالفم الملآن لا على الأزمات التي يعيشها فحسب، بل على استمرار النظام في الإمساك بزمام السلطة رغم فشله في إدارة البلاد وتدميرها، فضلاً عن عجزه الواضح في إدارة اقتصاده المنهار بما يجنب المواطن لهيب الغلاء والعوز.

كان هذا بالفعل محركاً قوياً للحركة الاحتجاجية في سوريا؛ بعث فيها الروح انطلاقاً من محافظة السويداء جنوب البلاد، التي شهدت على مدار الأيام الثلاثة الماضية تظاهرات شعبية نددت بالنظام السوري، وطالبت بإسقاط آل الأسد، وإخراج روسيا وإيران من البلاد.

وهتف المتظاهرون بشعارات الثورة السورية الأولى عام 2011، والتي كان السويداء جزءاً منها قبل أن يخمد النظام حراكها عبر شبيحته وأجهزته الأمنية من جهة، وظهور تنظيم داعش الإرهابي من جهة أخرى.

ورغم أن محافظة السويداء شهدت تظاهرات احتجاجية في محطات عديدة خلال السنوات الماضية، وكان أحدثها تلك التي وقعت مطلع العام الجاري قبل نحو ستة أشهر، إلا أنها ظلت محدودة الرقعة نسبياً وذات سقف مطلبي محدود، في حين تبدو المظاهرات الحالية المستمرة منذ ثلاثة أيام امتداداً صارخاً للثورة السورية بشعاراتها وأجوائها وسقف مطالبها المرتفع، والتي قد تبدأ بالجانب الاقتصادي والمعيشي لكنها تمتد وبقوة إلى الجانب السياسي.

"الشعب يريد إسقاط النظام"

لقد جاب المتظاهرون الشوارع والساحات الرئيسية في السويداء مثل دوار المشنقة وسوق المدينة وساحة المحافظة، وهتفوا "سوريا لينا وما هي لبيت الأسد"، "ثورة.. حرية.. عدالة اجتماعية"، و "سوريا بدها حرية"، و "عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد"، و "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهي شعارات لم يملك النظام إزاءها سوى التهيؤ وانتظار الفرصة المناسبة للانقضاض على المتظاهرين.

وهو ما جرى بالفعل، فقد قامت أجهزة النظام يوم الثلاثاء، ثالث أيام الحراك الشعبي، باقتحام مكتبة كان يوجد فيها أحد المشاركين في التظاهرات، واعتقاله بقوة السلاح، كما يقول موقع السويداء 24 الإخباري المحلي الذي رصد التظاهرات.

وغالباً ما يحدث التنسيق حول موعد المظاهرات بالزمان والمكان على وسائل التواصل الاجتماعي، وفق ما أفاد به ناشط ومشارك في المظاهرات لـTRT عربي، طلب عدم الكشف عن هويته لدواع أمنية.

وأشار الناشط إلى أنهم لاحظوا "انتشاراً واسعاً لعناصر الأمن والمرتزقة أمام الأفرع الأمنية مع محاولات زج عناصر للأمن وعناصر فرع الحزب (حزب البعث الحاكم) بالمظاهرة".

الشارع يغلي

وعبر الناشط السوري عن عدم شعوره وسائر المتظاهرين بالأمان رغم عدم استخدام النظام أساليب القمع المباشر معهم حتى الآن، مبرراً ذلك بمعرفتهم "بمقدار فساد هذا النظام وغدره"، لكنه أكد بكل حماس أن "الحراك مستمر"، مضيفاً: "اليوم الوضع مختلف تماماً عن المظاهرات السابقة، وواضح للجميع خروج المظاهرات بسقفها العالي والتي نادت بإسقاط النظام منذ انطلاقتها".

وحول أسباب اندلاع المظاهرات الأخيرة في السويداء، رأى الناشط المشارك في هذه المظاهرات أن لها أسباباً عدة، "أولها الروح الثورية التي بقيت في نفوس أحرارها والتي استمرت من انطلاقة الثورة إلى الآن، والثاني الوضع المعيشي المتردي، والثالث فقد الثقة بالنظام لدى الحاضنة المؤيدة له، والاقتناع بعدم قدرته على إدارة الدفة من جديد".

من جهته، يتفق ريان معروف، وهو صحفي من محافظة السويداء يشارك في المظاهرات، مع هذا الرأي، إذ يرى أن تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية والاقتصادية والسياسية، بشكل غير مسبوق، وقناعة جزء كبير من أهالي السويداء أن النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد، هو المسؤول الأول عن الحالة التي وصلت إليها البلاد أسباب كافية لاندلاع التظاهرات.

ويقول معروف في حديث معTRT عربي إن "السويداء كانت تشهد مظاهرات للمعارضة تطالب برحيل النظام منذ بداية الثورة، لكنها كانت تقابل بالقمع من اللجان الشعبية والشبيحة من أبناء المحافظة حينها، ولكن لم يبق اليوم من يدافع عن بشار الأسد، فحتى الشبيحة جائعون ومنهكون، والشارع يغلي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، لذلك كان هناك تجاوب من عشرات المواطنين، مع المظاهرات التي دعا إليها ناشطون، ولم يحصل أي اعتراض حتى اليوم للمظاهرات لا من اللجان الشعبية ولا من أجهزة الأمن".

الصحفي الذي يعمل في موقع "السويداء 24" المحلي، ويقوم بتغطية احتجاجات المتظاهرين، يشدد على أنهم لا يطالبون بلقمة العيش ولا يستجدون النظام من الجوع، مذكراً بأن أول الهتافات التي انطلقت يوم الاثنين هو "ما بدنا نعيش بدنا نموت بكرامة". ويضيف: "المحتجون على ثقة، من خلال ما لمسته من العشرات منهم، أن الحل في سوريا يبدأ برحيل النظام بالدرجة الأولى، ولا يوجد أي حل غير ذلك".

حملة اعتقالات

وحول حملة الاعتقالات في السويداء التي دشنها النظام السوري الثلاثاء، اعتبر ريان معروف أنه "في اليوم الثالث من التظاهرات باتت بوادر التصعيد من أجهزة النظام واضحة، حيث تم استدعاء تعزيزات من أجهزة الأمن والبدء بالاعتقالات، وقد وثقنا أول حالة اعتقال اليوم". وتحدث عن "تحركات أمنية مثيرة للقلق في فروع المخابرات، والخشية لدى المحتجين ولدى الأهالي بشكل عام من أي تصعيد قد يجر المحافظة إلى المجهول".

أما عن الاختلاف الذي تتميز به هذه التظاهرات، مقارنة بما سبقها في المحافظة، فقد رأى معروف، أن "الفئة الأكبر من المتظاهرين هذه المرة تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 22 عاماً، وهم الذين كانوا أطفالاً عند اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011.

واللافت أيضاً "مدى تجاوب الأهالي وتشجيعهم للاحتجاجات، فرغم أن الأعداد تقتصر على المئات حتى اليوم إلا أن الأهالي يحيون المتظاهرين أثناء مرورهم في الشوارع، بالإضافة إلى المشاركة النسائية أيضاً".

وتأتي المظاهرات والاحتجاجات في محافظة السويداء ضمن سياق الثورة، وشعاراتها ومطالبها خير دليل على ذلك، كما يقول شادي الدبيسي، ناشط إعلامي من السويداء مقيم في الخارج. ويرى الدبيسي أن "صوت الثائر في السويداء لا يختلف عن صوت بقية الثوار، فجميعنا شاهد كيف رد أهالي محافظة درعا وإدلب التحية إلى ثوار السويداء".

اتساع رقعة التظاهر

وتوقع الدبيسي في حديث مع TRT عربي أن تتوسع رقعة التظاهر في وقت قريب لتشمل معظم المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، وهذا بدوره "سيعجل من سقوط الأخير"، وقال: "نرى الآن دعوات أو على الأقل رغبة للتظاهر في أكثر من منطقة خاضعة لسيطرة النظام كاللاذقية مثلاً أو دمشق أو سلمية في ريف حماة".

بدوره، يعتقد الباحث السياسي في مركز جسور للدراسات، عبد الوهاب عاصي، أن استمرار "المظاهرات وقدرة المحتجين على تحدي النظام السوري برفع شعارات وعلم الثورة السورية قد تدفع مناطق أخرى لا سيما تلك التي أجرت مصالحات قسرية إلى تنفيذ مظاهر احتجاج مماثلة من إضراب إلى كتابات على الجدران وصولاً للمظاهرات أو الوقفات الصامتة".

ويقول عاصي في حديث مع TRT عربي إن "امتداد الاحتجاجات أو اقتصارها على السويداء ودرعا مع استمرارها سيعزز من عجز النظام السوري".

امتداد الاحتجاجات أو اقتصارها على السويداء ودرعا مع استمرارها سيعزز من عجز النظام السوري.

عبد الوهاب عاصي، باحث سياسي في مركز جسور للدراسات

ورأى أن أسباب هذا العجز تعود إلى "تفكك أو تعطيل عمل الأجهزة الأمنية َالعسكرية التي كانت عماد سيطرته وما زالت على مدار 5 عقود تقريباً، حيث استطاعت الفصائل المحلية سواء في السويداء أو درعا تشكيل مربعات أمنية، ما شكل عائقاً أمام النظام السوري في الحركة، فضلاً عن غياب قدرته على إعادة تشكيل الوسطاء المحليين، وهم عبارة عن هياكل محلية تربط الدولة أو ما ينوب عنها من سلطات أمر واقع مع السكان".

ويبدو أن المظاهرات المتجددة في السويداء ستمثل تحدياً يضاف إلى جملة التحديات المتتابعة التي يواجهها النظام السوري في ظل سياساته الأمنية والعسكرية القائمة على العنف المفرط، كما يقول عاصي، والتي أدت، وفقاً له، إلى غياب الأداء الحكومي بشكل شبه كامل، وغياب الاستجابة لاحتياجات السكان اليومية.

إذن، تعتبر مظاهرات السويداء امتداداً للثورة السورية وربما تعد منعطفاً مهماً في تجديد عنفوانها، الذي كاد يخبو تماماً تحت وطأة المعارك والدمار الذي جلبه نظام الأسد مصحوباً بتدخل دولي ومرتزقة أجانب، وإذا كان أسباب هذا التجدد مرتبطة آنياً بانهيار الأوضاع المعيشية والاقتصادية فإن مطالب المتظاهرين منذ انطلاق الاحتجاجات الأخيرة ركزت على الحل الحاسم والدواء الناجع للأزمات المتلاحقة، والمتمثل بإنهاء نحو 4 عقود ونصف من حكم آل الأسد وتحقيق انتقال ديمقراطي في البلاد.

جاب المتظاهرون الشوارع والساحات الرئيسية في السويداء مثل دوار المشنقة وسوق المدينة وساحة المحافظة، وهتفوا "سوريا لينا وما هي لبيت الأسد" (TRT Arabi)
هذه المظاهرات لها أسباب عدة حسب الناشطين أولها الروح الثورية التي بقيت في نفوس أحرارها والتي استمرت من انطلاقة الثورة إلى الآن، والثاني الوضع المعيشي المتردي (TRT Arabi)
TRT عربي