شهدت الولايات المتحدة تصاعداً في الحراك الاحتجاجي على الموقف الأمريكي من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

يواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن ضغوطاً دولية للتوقف عن تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل، وتدعوه إلى التدخل لإنهاء الحرب على غزة وفرض وقف إطلاق نار دائم، وسط انقسامات داخلية تعصف بإدارته للأسباب نفسها.

ويشكّل الغضب من انحياز بايدن الكامل إلى صف إسرائيل، في أوساط الإدارة والناشطين الديمقراطيين والرأي العام، تهديداً جديداً لطموحه إلى الحصول على ولاية رئاسية ثانية.

معارضة داخلية

قبل إعلان التوصل إلى اتفاق الهدنة المؤقتة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفي فعلٍ احتجاجي على استشهاد أكثر من 14 ألف فلسطيني، أرسل أكثر من 500 موظف يمثلون نحو 40 وكالة حكومية أمريكية رسالة إلى بايدن يعبّرون فيها عن اعتراضهم على دعمه لإسرائيل في حربها على غزة.

بدأت الرسالة بإدانة هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ثم حثَّ الموقِّعون بايدن على وقف إراقة الدماء التي سبّبتها الحملة العسكرية الإسرائيلية الانتقامية في غزة، قائلين: "إننا ندعو الرئيس بايدن إلى المطالبة بشكل عاجل بوقف إطلاق النار والدعوة إلى وقف التصعيد".

كانت تلك الرسالة، التي سبقت إعلان الهدنة المؤقتة، هي الأحدث من بين عدة رسائل احتجاجية داخلية سابقة، تعبّر عن معارضة داخلية متصاعدة لدعم الإدارة الأمريكية للحرب.

ودعت الرسالة بايدن للسعي إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وحثّ إسرائيل على السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

ومع ذلك، يجد ريتشارد تشاسدي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، أن الضغط الداخلي في إدارة بايدن لن يغيّر من التزامه القوي تجاه إسرائيل، لكنه يضع ثقلاً على الرئيس الذي تختلف سياساته بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس عن الجناح "التقدمي" في الحزب الديمقراطي.

ويرى تشاسدي في حديثه مع TRT عربي، أن دعوات المطالبة بوقف إطلاق النار الدائم ازدادت وتكثفت بعد دخول الاتفاق بين إسرائيل وحماس، القاضي بالهدنة وتبادل الرهائن، حيز التنفيذ.

ويتفق مع هذا التحليل باتريك جيمس، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنوب كاليفورنيا، ويؤكد أن وقف إطلاق النار المؤقّت لم يكن بسبب الضغط الداخلي في إدارة بايدن، بل بسبب اتفاق تبادل المحتجزين على جانبي الصراع.

ويضيف جيمس لـTRT عربي، أن إسرائيل لن توقف الهجوم الشامل ولن توقف إطلاق النار بشكل دائم، إلّا عندما تقتنع بتدمير القدرة القتالية لحماس، "على الأقل في المدى القصير".

انقسام حاد

بعد أسابيع من ارتفاع أعداد الشهداء في فلسطين، وانتشار صور الأطفال الملطخين بالدماء ونزوح العائلات من قطاع غزة بسبب قصف منازلهم، اعترض عدد كبير من الأمريكيين على دعم بايدن الثابت للحملة العسكرية الإسرائيلية.

والتقى ممثلون من المنظمات الإسلامية الرئيس بايدن في البيت الأبيض، في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، للحديث عن الإسلاموفوبيا، وأكدوا له أن دفاعه المستميت عن السياسة الإسرائيلية عمّق من حجم الخسائر المدنية في غزة، معبّرين عن مخاوفهم من ازدياد حالات الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة بسبب هذا التوجه، وفق صحيفة نيويورك تايمز.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة أسوشييتد برس ومركز (NORC) لأبحاث الشؤون العامة في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، أن 40% من الجمهور الأمريكي يعتقد أن ردّ فعل إسرائيل في غزة على هجمات حماس قد تجاوز الحدود.

ومع ارتفاع أعداد الشهداء من الجانب الفلسطيني، تآكل الدعم الشعبي للرئيس الأمريكي، خصوصاً في أوساط الائتلاف اليساري للحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه، وانخفض دعم العرب الأمريكيين للحزب الديمقراطي من 59% في عام 2020 إلى 17% فقط.

وشهدت إدارة بايدن استقالة أحد مسؤوليها احتجاجاً على إرسال الأسلحة الأمريكية والذخائر إلى إسرائيل، كما أرسل مئات الموظفين رسائل مفتوحة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، تطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار داخل القطاع.

ويرى تشاسدي أن الانقسامات في الحزب الديمقراطي قد تكون خطيرة، موضحاً أنه يرى الخطورة في تقارير تفيد بوجود انقسام بين الأجيال حول دعم إسرائيل.

ويبيّن أستاذ العلوم السياسية أن الدراسات تُظهر أنه في حين يدعم الأمريكيون الأكبر سناً إسرائيل بشدة، فإن غالبية الشباب تدعم القضية الفلسطينية.

ويضيف أستاذ العلوم السياسية: "كان هناك أيضاً انتقاد لدعم بايدن الثابت والمستمر لإسرائيل، الذي تفاقم بسبب انتقاد النائبة الديمقراطية رشيدة طليب في مجلس النواب الأمريكي، ونتيجة لذلك قد يكون التصويت لصالح بايدن من ديربورن (مدينة) في ولاية ميشيغان في خطر، وهو حدث يمكن أن يتسبب في خسارة بايدن ميشيغان وكذلك انتخابات 2024".

وتأتي الضغوط الداخلية والانقسامات في إدارة بايدن إضافة غير متوقعة لوضع داخلي سيئ بالأساس، إذ يرى باتريك جيمس أن بايدن يقترب من نقطة اللّا عودة من حيث أرقام الاستطلاعات.

ويشير إلى أن معدل رفض بايدن مرتفع للغاية بسبب عدد من العوامل المَحليّة، مثل التضخم المستمر، وفوضى الحدود، والجريمة، "ومعدَّلُ رفضه أعلى حتى من معدل رفض ترمب قبل أربع سنوات، وأعلى بكثير من الرؤساء الذين أُعيد انتخابهم".

ويعتقد أستاذ العلاقات الدولية أن "الضغط على بايدن للانسحاب من حملة إعادة انتخابه، سيكون أكثر شدّة، ما لم تتغير أرقام الاستطلاع بشكل كبير وقريباً جداً".

ويلفت جيمس إلى وجود انقسام حاد في الحزب الديمقراطي بشدة بشأن حرب غزة، موضحاً أن استيعاب العنصر اليساري في الحزب سيثير غضب المعتدلين والعكس بالعكس.

خلاف بايدن ونتنياهو

في الأسابيع الأخيرة، تصاعد الخلاف بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ بسبب ارتفاع أعداد الضحايا في غزة وتصاعد أعمال العنف من المستوطنين في الضفة الغربية.

وكانت إدارة بايدن قد بدأت مؤخراً في التعبير عن قلقها بشأن الأعداد الكبيرة من المدنيين الفلسطينيّين الذين قُتلوا، وحثّت إسرائيل على ضبط النفس واتخاذ خطوات يمكنها أن تحدّ من مستوى التصعيد المتنامي.

وتشهد العلاقات بين الحليفين توتراً كبيراً مؤخراً، في الوقت الذي يعارض فيه نتنياهو أي اتفاق يشمل هدنة طويلة.

ويشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق إزاء خطط إسرائيل النهائية لغزة، بما في ذلك البقاء لفترة غير محدودة داخل القطاع.

ويرى تشاسدي أن ديناميّات "الضغط الداخلي" -سواء في أوساط الرأي العام أم الحزب الديمقراطي- من أجل وقف إطلاق النار، تؤثر بشكل كبير في العلاقة الحالية بين بايدن ونتنياهو، وتساعد على "إجبار إدارة بايدن على العمل بشكل وثيق مع قيادات في المنطقة في عملية التفاوض بين إسرائيل وحماس وما سيحدث لاحقاً".

ويعتقد تشاسدي أن تلك "الضغوط الداخلية" يمكن أن تؤثر أيضاً على بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، لمواصلة تقديم المشورة لنتنياهو حول أهمية الامتثال لقوانين الحرب الدولية.

TRT عربي