تابعنا
بعد أول خطابٍ له منذ تنصيبه رئيساً للجمهورية، يُطرح أكثر من سؤال حول من يقصد الرئيس التونسي قيس سعيد بالمتآمرين على الشعب والوطن والمفتعلين للأزمات داخل البلاد.

تونس ــــ من مدينة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية اختار الرئيس قيس سعيد أن يتوجه بخطابه الأول منذ تنصيبه أمام جمع غفير من سكان المدينة في الذكرى التاسعة لاندلاع ثورة الياسمين، محذراً من مؤامرة تستهدف الشعب والوطن، متوعداً بالرد الذي وصفه بـ"المزلزل".

رسائل خطيرة وغامضة

الخطاب الشعبي الذي ألقاه الرئيس من مدينة سيدي بوزيد وصفه كثيرون بالخطاب "الخطير" وآخرون بـ"الخطاب الغامض" بعد أن وجّه اتهامات غير مسبوقة إلى جهات لم يذكرها بالاسم قال إنها تتآمر في "الغرف المغلقة" على الشعب وثورته ويفتعلون الأزمات بشكل يومي ويعطلون عمل مؤسسات الدولة.

قيس سعيد، الخبير في القانون الدستوري والقادم من خارج المنظومة السياسية والحزبية التقليدية التي لفظها التونسيون، شكّل صعوده الكاسح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بنسبة تصويت تجاوزت 70%، مفاجأة للجميع وبخاصة للنخبة السياسية والفكرية، وهو الذي بشّر برؤية جديدة للحكم وتغيير النظام السياسي برمته تدور كلها في فلك إرادة الشعب وقاعدة الحكم المحلي.

وقوف قيس سعيد في صف الثورة ومبادئها ومساندته المعلنة لقضايا الشعوب العادلة وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني ورفضه للتدخل الأجنبي في الشأن المحلي وإيمانه بسيادة الشعب على ثرواته، جمع له حسب ملاحظين أعداء كثراً في الداخل وفي الخارج، حتى إن مِن أنصاره مَن تحدث عن تهديدات جدية لتصفيته.

الخبير الأمني والناطق الرسمي السابق باسم الداخلية هشام المؤدب اعتبر خلال مداخلة تلفزية، أن التهديدات والمؤامرات التي نبّه لها الرئيس قيس سعيد في خطابه تتعلق أساساً بجانبين داخلي وخارجي، لافتاً إلى أن لوبيات الاقتصاد والمال والسياسة التي تعتاش منذ نحو 60 سنة من نهب أموال الشعب وجدت نفسها بعد الثورة خارج السلطة بعد أن لفظها الشعب ما دفعها إلى توتير الأوضاع والبحث عن تموقع جديد.

المؤدب تحدث أيضاً عن أطراف إقليمية تعمل منذ اندلاع الثورة في تونس على إفساد مسار الانتقال الديمقراطي خوفاً من أن تطال رياح التغيير عروش حكامها، مؤكِّداً نجاحها في إفساد الثورات في كل من اليمن وليبيا وسوريا ومصر عبر المال السياسي الفاسد والسلاح.

الرئيس والبرلمان

كثيرون اعتبروا أن الرئيس قيس سعيد وجّه في خطابه رسائل مبطنة إلى الطبقة السياسية الحالية وخصوصاً البرلمان، حيث السلطة الأصلية في ظل نظام برلماني معدل سحب من رئيس الجمهورية صلاحيات كثيرة أفقدته مكانته ونفوذه السياسي الذي كان يتمتع به سابقاً قبل الثورة.

وفي هذا الخصوص اعتبر النائب السابق في حزب تحيا تونس الصحبي بن فرج أن خطاب قيس سعيد يحمل في طياته بداية مواجهة محتملة مع مؤسسة البرلمان، التي تمثل أحزاباً ولوبيات سياسية، يرى أنها لا تقوم بدورها التشريعي كما ينبغي، فيما يؤمن هو برؤية التأسيس الجديد التي ترتكز على نظام سياسي يتجاوز الطبقة السياسية الحالية وتؤسس لـ"مشروع الرئيس".

ولفت بن فرج في حديثه مع TRT عربي إلى أن قيس سعيد أراد من خلال هذا الخطاب الجماهيري الناري الاستقواء بالشرعية الشعبية في ظل محدودية صلاحياته الدستورية، ليتمكن في مرحلة ثانية من تنفيذ مشروعه السياسي.

مقابل ذلك، وجهت نخب فكرية لومها للرئيس قيس سعيد بسبب عدم تحديده للجهات التي تتآمر على الشعب وعليه شخصياً، بل ذهب آخرون للقول بأن سعيد لا يجب أن يظهر أمام شعبه ضعيفاً وعاجزاً أمام المتآمرين عليه، بخاصة أنه رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، والمفروض أن يحتمي الشعب به لا أن يلجأ هو إلى الشعب لطلب الحماية.

ووصف الإعلامي والمحلل السياسي زياد الهاني ما جاء على لسان الرئيس قيس سعيد بوجود مؤامرات تحاك في الأماكن المغلقة، بالخطير والمقلق، مشدداً على أن الرئيس لا يتكلم من فراغ بل يدرك جيداً ماذا يقول، داعياً إياه إلى عدم الاكتفاء بالتصريح بل أن يسرع في تحريك الأجهزة القضائية ليقوم بالتتبعات المطلوبة ضد المتآمرين.

الهاني قال في حديثه لـTRT عربي، إن خطاب رئيس الجمهورية تضمن في جانب منه منحى تحريضياً خطيراً من شأنه أن يؤدي إلى حالة من الفوضى حين يتحدث عن المتآمرين ويقول بأنهم معروفون لدى عامة الشعب، ما يعطي الضوء الأخضر لعامة الناس وأنصار سعيد خصوصاً لمحاكمتهم شعبياً، ما يقوض مفهوم دولة القانون.

رئيس الحكومة يوسف الشاهد أبدى بدوره مساندة للرئيس قيس سعيد، مؤكداً في تصريح إعلامي أن من يتآمرون على الرئيس اليوم هم أنفسهم من حاولوا مراراً وتكراراً استهدافه وتشويهه في إشارة إلى منظومة النظام السابق وفلوله وجهات أجنبية وإسرائيلية خصوصاً.

وزير السياحة التونسي من أصول يهودية روني الطرابلسي سبق أن كشف منذ أشهر عن حملة تشويه تقودها شركة إسرائيلية تعاقدت معها أطراف تونسية ضد رئيس الحكومة، كما سبق أن أعلنت شركة فيسبوك عن إغلاق مئات الصفحات مدفوعة الأجر استهدفت عدة دول بينها تونس بهدف إرباك مسار الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وقوف قيس سعيد في صف الثورة ومبادئها ومساندته المعلنة لقضايا الشعوب العادلة جمع له أعداء من الداخل والخارج (AP)
من يتآمرون على الرئيس، بالنسبة ليوسف الشاهد، هم أنفسهم من حاولوا مراراً وتكراراً استهدافه وتشويهه (AP)
كثيرون اعتبروا أن الرئيس قيس سعيد وجّه في خطابه رسائل مبطنة إلى الطبقة السياسية الحالية وخصوصاً البرلمان (AP)
TRT عربي