يتعارض هذا الرفض مع سيادة لبنان، إذ أكد المسؤولون في بيروت رفضهم القاطع للقرار الإسرائيلي، مشددين على أنهم لن يقبلوا بقاء الاحتلال في أي جزء من أراضيهم. يأتي ذلك في ظل استمرار إسرائيل في خرق اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين بشكل متكرر.
وفي الوقت الذي يطالب فيه الاحتلال الإسرائيلي "حزب الله" بالانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، متذرعاً بذلك لتبرير إطالة وجوده العسكري، يتمسك لبنان بضرورة تنفيذ الانسحاب الكامل وفقاً للموعد المتفق عليه، غداً الثلاثاء، لما يمثله من أهمية في تعزيز سيادته وأمنه.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان يجب على الاحتلال الانسحاب من لبنان خلال مهلة 60 يوماً.
إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تلتزم مقتضيات الاتفاق، مطالبةً بتمديد بقائها في جنوب لبنان حتى 18 فبراير/شباط، وهو طلب حظي بدعم واشنطن ووافقت عليه بيروت بشرط الإفراج عن الأسرى اللبنانيين المحتجزين لدى الاحتلال.
وتعقيباً على استباق الاحتلال الإسرائيلي الموعد المحدد لاستكمال انسحاب قواته، أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون، في بيان صدر الاثنين، أن "الاتفاق الموقّع في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 يجب أن يُحترم، وهو ينصّ على انسحاب كامل، كما أضفنا إليه مسألة عودة الأسرى اللبنانيين المحتجزين في إسرائيل".
وأضاف أن "الادعاء الإسرائيلي بشأن التلال التي يحاول الاحتلال البقاء فيها هو ادعاء باطل، إذ إن المعايير العسكرية الحديثة تؤكد أنه لا ضرورة للتمركز في التلال ما دامت السيطرة الجوية متاحة".
وشدد عون على أن "الجيش اللبناني مسؤول عن حماية الحدود، وهو جاهز تماماً لهذه المهمة، وإذا قصّر، فليُحاسب".
وأكد في ختام بيانه أن "السلطات اللبنانية ستعمل دبلوماسياً لضمان الانسحاب الإسرائيلي الكامل"، مضيفاً: "لن أقبل ببقاء أي جندي إسرائيلي على الأراضي اللبنانية".
موقع استراتيجي
في إطار تسليط الضوء على أهمية النقاط الخمس التي تصرّ قوات الاحتلال الإسرائيلي على البقاء فيها داخل الأراضي اللبنانية، أوضح العميد المتقاعد والباحث في الشؤون الأمنية والسياسية، خالد حمادة، أن هذه النقاط موزّعة على القطاعات الثلاثة في الحدود الجنوبية للبنان.
وقال حمادة: "في القطاع الشرقي، هناك تلة الحمامص المرتفعة، التي شهدت معارك سابقة بين حزب الله وإسرائيل خلال محاولات السيطرة على منطقة الخيام".
وأضاف أن "موقع الحمامص يتميز بأهمية استراتيجية كونه يشرف على مستوطنتي المطلّة وكريات شمونة، ما يجعله نقطة حاكمة تتيح لمن يسيطر عليها إمكانية الدفاع عن منطقة الخيام".
أما في القطاع الأوسط، فأشار حمادة إلى وجود تلّتين استراتيجيتين: العزية، التي تشرف على نهر الليطاني. والعويضة، التي تطلّ على القطاعين الشرقي والأوسط، وتتميز بارتفاعها البالغ 820 متراً.
كما لفت إلى جبل بلاط الواقع بين القطاعين الأوسط والغربي، بالقرب من الحدود، وجبل اللبونة في القطاع الغربي، وهما نقطتان تحملان أهمية عسكرية كبرى.
وأوضح حمادة أن "القاسم المشترك بين هذه المواقع الخمسة هو إشرافها على المستوطنات الإسرائيلية الشمالية، ما يتيح مراقبة التحركات العسكرية داخل إسرائيل." وأضاف أن القوات العسكرية التي تتحكم بهذه النقاط تمتلك ميزة استخباراتية تتيح لها متابعة تحركات العدو وتوقع هجماته البرية.
وأكد أن "أهمية هذه المواقع تكمن في كونها مرتفعة، ما يجعلها توفر معلومات استخبارية دقيقة، الأمر الذي يستدعي ضرورة تمركز الجيش اللبناني فيها بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي".
الاحتلال يسعى للبقاء.. والذرائع تتعدد
وفي سياق متصل، نقلت صحيفة معاريف العبرية عن مصدر في جيش الاحتلال الإسرائيلي تأكيده أن "القوات الإسرائيلية ستبقى في هذه المواقع حتى يجري التأكد من عدم عبور حزب الله لنهر الليطاني، وسيطرة الجيش اللبناني الكاملة على المنطقة." وأضاف المصدر: "لا نعلم كم سيستغرق ذلك من الوقت، لكننا نستعد للبقاء لفترة طويلة".
يرى حمادة أن إسرائيل تصرّ على الاحتفاظ بهذه النقاط رغم عدم وجود قيمة عسكرية حقيقية لها، إلا إذا كانت تستخدمها ذريعةً للضغط على لبنان، بزعم أنها نقاط قد تؤثر في أمن المستوطنات الإسرائيلية إذا ما سيطر عليها حزب الله".
وأضاف أن تل أبيب "تسعى لاستخدام هذه المواقع ورقة ضغط على الدولة اللبنانية، لإجبارها على تطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار، بما يشمل نزع سلاح حزب الله والفصائل الفلسطينية".
وتساءل: "حتى لو بقيت إسرائيل في هذه المواقع أو انسحبت من الجنوب بالكامل، كيف ستتمكن من تأمين الإمدادات اللوجستية والحماية لهذه القوات أو حتى تبديل الجنود؟" مؤكداً أن "استمرار الحضور الإسرائيلي في هذه النقاط يعني عملياً استمرار الاحتلال".
إمكانية تعديل الخطة الإسرائيلية
من جانبه، صرّح العميد الركن المتقاعد هشام جابر، الخبير الاستراتيجي اللبناني، بأن "النقاط الخمس قد تخضع لتغييرات في اللحظات الأخيرة، خصوصاً بعد تراجع إسرائيل عن الإصرار على الاحتفاظ بنقطة العويضة، التي جرى تسليمها إلى قوات اليونيفيل".
وأوضح جابر أن "إسرائيل تتمسك بهذه النقاط بسبب موقع لبنان الجغرافي، الذي يمنحه إشرافاً استراتيجياً على شمال فلسطين المحتلة، ما يجعل السيطرة عليها أولوية لتل أبيب."
وأضاف: "فيما يتعلق بإسرائيل، فإن الاحتفاظ بهذه المواقع قد يحقق لها مكسباً أمنياً عبر تقليل خطر هجمات حزب الله، كما يمكن اعتباره إنجازاً سياسياً لتطمين الرأي العام الداخلي".
وأشار إلى أن "فرنسا اقترحت نشر قوات من اليونيفيل، وتحديداً وحدات فرنسية، في هذه النقاط، لكن لم يصدر حتى الآن أي قرار إسرائيلي بالموافقة على هذا المقترح".
في هذا السياق، نقلت صحيفة إسرائيل اليوم، عن مسؤول إسرائيلي لم يُذكر اسمه، أن "الجيش الإسرائيلي سيبقى في خمسة مواقع داخل جنوب لبنان".
وأوضحت الصحيفة أن "المستوى السياسي يدعم مطلب الجيش بعدم الانسحاب من هذه النقاط الاستراتيجية ما دام حزب الله لم ينسحب بالكامل".
كما أضافت الصحيفة أن "الجيش الإسرائيلي يعتقد أنه في حال الانسحاب، فسيتمكن حزب الله من استعراض قواته في القرى اللبنانية، ما قد يمنحه انتصاراً دعائياً كبيراً".
تأتي هذه التصريحات في وقت يكثّف فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي من هجماته على لبنان، قبيل الموعد النهائي المحدد لاستكمال الانسحاب.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن "إسرائيل زادت من عملياتها العسكرية في لبنان قبل تاريخ 18 فبراير/شباط، الموعد المفترض لانسحاب القوات الإسرائيلية".
ورغم عدم تحديد الاحتلال موعداً جديداً لاستكمال الانسحاب، أفادت تقارير بأن تل أبيب طلبت من اللجنة الدولية المشرفة على الاتفاق تمديد بقاء قواتها حتى 28 فبراير/شباط، أي لعشرة أيام إضافية، وهو ما رفضته بيروت بشكل قاطع.
تتكوّن اللجنة الدولية المشرفة على الاتفاق من لبنان، وإسرائيل، والولايات المتحدة، وفرنسا، وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (اليونيفيل).
وبحسب بيانات رسمية لبنانية، ارتكبت إسرائيل منذ سريان الاتفاق 925 خرقاً، أسفرت عن 74 قتيلاً و265 جريحاً.
بدأ العدوان الإسرائيلي على لبنان في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتحوّل إلى حرب شاملة في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، ما أسفر عن 4104 قتلى، و16890 جريحاً، ونزوح نحو 1.4 مليون شخص.