تابعنا
يقدّر أن إسرائيل تملك نحو 90 رأساً نووياً، وما يلزم من بلوتونيوم لتطوير نحو 200 رأس نووي، فما الذي يرشح عن المشروع النووي الإسرائيلي؟

في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، صرّح الوزير الإسرائيلي اليميني المتطرف أميخاي إلياهو قائلاً إن القنبلة النوويّة يمكن أن تكون "أحد الخيارات" لاستهداف مقاتلي حماس.

تصريح كسر مجدداً سياسة الصمت والغموض التي تنتهجها إسرائيل حيال "ملفها النووي" حين ألمح وزير التراث إلياهو إلى إمكانية استعماله، وبالتالي ملكيّة إسرائيل لمخزون من الأسلحة النووية لا تعترف بامتلاكه رسمياً.

إنه "سرّ" بات يعرف الجميع تفاصيله، ويثير اهتماماً يسلط الضوء عليه كلّما ذكره مسؤول، واليوم يقدّر أن إسرائيل تملك نحو 90 رأساً نووياً، وما يلزم من بلوتونيوم لتطوير نحو 200 رأس نووي، فما الذي يرشَح عن المشروع النووي الإسرائيلي؟

الغموض النووي

يعود تاريخ برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي إلى منتصف خمسينيّات القرن الماضي، عندما أمر دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيليّ، الجيش بتطوير خطة تأمين نوويّ مصمّمة للتعويض عن مخاوف التفوق العدديّ العسكري للدول العربية.

رغم عدم نشر الوثائق السريّة التي تحدّد اللحظة التي بدأ يفكر فيها بن غوريون بالأسلحة النووية، إلّا أن أرشيف صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يذكر أن بن غوريون قال في عام 1956، إنه "يمكن للعلماء في إسرائيل أن يقوموا به لأجل شعبه بعد ما قام به "اليهود الثلاثة"، ويقصد ألبرت أينشتاين وإدوارد تيلر وجي روبرت أوبنهايمر الذين طوّروا البرنامج النووي الأمريكي".

واستطاع شمعون بيريز عام 1957 إقناع الحكومة الفرنسية بالمساعدة في إنشاء مفاعل ديمونة، مستغلاً سياق "العدوان الثلاثي" على مصر عام 1956 .

وطُوّر البرنامج الإسرائيلي في سريّة تامة وتركَّز على منشأة لإنتاج الأسلحة النووية تقع في ديمونة في صحراء النقب، وتحت ستار برنامج مدني للطاقة النووية بدأت إسرائيل في إنتاج البلوتونيوم اللّازم لإنتاج الأسلحة النووية.

وفي مطلع الستينيّات، عاشت الولايات المتحدة وإسرائيل أزمة خطيرة كادت توجه ضربة موجعة إلى برنامج تل أبيب النووي.

وواجه الرئيس الأمريكي جون كينيدي، المعروف بالتزامه بمنع انتشار الأسلحة النووية، بن غوريون بشأن ديمونة، وأصرّ على إرسال مفتشين إلى المنشأة قابلته تل أبيب بالمراوغة والمماطلة.

وكان بن غوريون وسلَفه ليفي إشكول مصمّمَين بالقدر نفسه على إكمال مشروع ديمونة، وبالنسبة إليهما كانت القدرة النووية بمثابة "تأمين" لا غنى عنه ضد التهديدات الوجودية لإسرائيل.

استطاعت تل أبيب الإفلات من طلبات كينيدي كلها بعد اغتياله عام 1963، كما عملت مع إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون لاحقاً على صياغة سياسة "التعتيم المتبادل"، إذ وعدت بأنها لن تكون أول من "يُدخل" الأسلحة النووية إلى الشرق الأوسط.

وفي عام 1986، كشف مردخاي فعنونو، وهو تقني نووي إسرائيلي كان يعمل في منشأة ديمونة، عن معلومات حول القدرة التقنية لإسرائيل لإنتاج المواد الانشطارية اللازمة للأسلحة النووية، وقدم صوراً فوتوغرافية لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية عن المنشأة التي عمل فيها لسنوات.

وشملت الصور السريّة التي أخرجها للعلن عن معدات لاستخراج موادّ إشعاعية تستعمل في الصناعة العسكرية ونماذج مختبريّة لأجهزة نووية حرارية، بالإضافة إلى أجهزة تستخدم لصناعة القنابل الهيدروجينية، ما أدى إلى سجنه 17 عاماً بتهمة الخيانة، ولم يطلق سراحه إلا في أبريل/نيسان 2004.

زلة أم تكتيك

سعت إسرائيل جاهدة إلى الحفاظ على سياسة الغموض النووي طيلة سنوات، لكن بعض الحوادث البارزة أعطت أجوبة واضحة وصريحة عن أن إسرائيل حصلت فعلياً على أسلحة نوويّة، إنْ لم تكن تعمل على تحديث هذه الترسانة.

في عام 2004، وقُبيل زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية آنذاك محمد البرادعي إلى إسرائيل، قال رئيس الوزراء أرييل شارون: "لا أدري ما يريد رؤيته في إسرائيل. نحن مضطرون إلى امتلاك كل مكوّنات القوة الضرورية للدفاع عن أنفسنا"، وهو ما اعتُبر حينها بمثابة "اعتراف" ضمنيّ بامتلاك السلاح النووي.

ثم جاء إيهود أولمرت خليفة شارون في ديسمبر/كانون الأول 2006، ليقر علناً بامتلاك إسرائيل النووي في مقابلة مع قناة "سات 1" الألمانية، حين قال إن "إسرائيل لا تهدّد أيّ بلد بأي شيء، ولم تفعل ذلك قط. أقصى ما حاولنا الحصول عليه لأنفسنا هو أن نكون قادرين على العيش من دون إرهاب".

وتابع أولمرت: "لم نهدد أي شعب بالإبادة، أما إيران فهي تهدّد صراحة وبوضوح وعلناً بمحو إسرائيل من الخريطة، هل يمكنكم أن تقولوا إن الأمرين متساويان عندما يتطلّعون إلى امتلاك أسلحة نووية مثل أمريكا وفرنسا وإسرائيل وروسيا؟".

وفي عام 2010، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تحقيقاً حول عرض إسرائيلي ببيع رؤوس نووية إلى جنوب إفريقيا في السبعينيّات إبان حكم الفصل العنصري.

وحسب معطيات الصحيفة، تتضمن "الوثائق السرية" معلومات عن عرض شيمون بيريز -الذي كان وزيراً للدفاع حينها- على نظيره الجنوب الإفريقي في عام 1975 بيع بلاده رؤوساً نووية.

ونشرت الصحيفة البريطانية صوراً لأجزاء من نصوص الوثائق السرية تشير إلى أن وليم بوتا وزير الدفاع الجنوب إفريقي أعلن عن رغبة بلاده بشراء رؤوس نووية، وأن بيريز اقترح عليه ثلاثة نماذج منها.

وتضمّنت مفاوضات بيع الأسلحة النووية مادة تفيد ببقاء الموضوع في سر الكتمان، وقد حاولت السلطات الإسرائيلية منع حكومة ما بعد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا من رفع السرية عن الوثائق.

إعلان قريب؟

يرى بعض المحللين أن هذه الحوادث "زلات لسان" للمسؤولين الإسرائيليين تكشف ما يسعون إلى إبقائه سراً، فيما يرى آخرون أنّه تغيير مقصود لسياسة توخِّي الغموض تمهيداً للإعلان عن نفسها دولة نووية.

وفي هذا الإطار، يُتوقَّع أن تحذو إسرائيل حذو جنوب إفريقيا في انتقالها من موقف الغموض النووي إلى دولة أعلنت نفسها دولة نووية، قبل أن تتخلى طوعياً عن برنامجها النووي وتفكّكه.

وينطوي ذلك على إستراتيجية من ثلاث مراحل، الأولى هي الغموض، والثانية ما يعرف بالتكيّف الخفي، الذي يتضمن مجموعة أساليب غير منسوبة للكشف عن القدرة، والثالثة هي الاعتراف بحيازة القدرة على صنع الأسلحة، تليها سلسلة خطوات تصعيدية تشمل الإعلان والعرض العام، والإظهار -كإجراء تجربة نووية-، والتهديد بالاستخدام.

من المتوقع أن قوة الردع النووية الإسرائيلية تمتلك القدرة على إيصال تلك الرؤوس إلى أهدافها باستخدام الصواريخ الباليستية وسيطة المدى، والصواريخ العابرة للقارات، والطائرات، وصواريخ كروز التي تطلق من الغواصات.

ووفق التقييم السنوي للتسلح العالمي ونزع السلاح والأمن الدولي لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في يونيو/حزيران الماضي، فإنه من المرجح أن إسرائيل لديها 90 رأساً حربياً مخزناً، وتحدّث ترسانتها النووية.

ويعتقد مركز "الحد من التسلح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل"، أن إسرائيل أنتجت ما يكفي من البلوتونيوم لصنع ما بين 100 إلى 200 رأس نووي.

ويقول المركز في تقريره، إن مخزون المواد الانشطارية الصالحة لصنع الأسلحة النووية داخل إسرائيل جاء من مصدرين، الأول هو مجمع الأبحاث النووية في ديمونة بصحراء النقب، حيث جرى هناك إنتاج البلوتونيوم المخصص لبرنامج الأسلحة النووية.

ولا يخضع مجمع ديمونة النووي لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما لا يُسمح لمفتشيها بالذهاب إليه بما أن إسرائيل ليست طرفاً موقعاً على اتفاقية الحد من الأسلحة النووية.

بينما قدّرت دراسة غير سرية أُعدت لصالح الكونغرس الأمريكي عام 1980، أن مفاعل ديمونة النووي قادر على إنتاج من 9 إلى 10 كيلوغرامات من البلوتونيوم الانشطاري سنوياً، وذلك بدءاً من عام 1965.

أما عن المصدر الثاني للمواد الانشطارية، فتشير تقارير غير مؤكدة إلى أن تل أبيب تمكنت من نقل 300 كيلوغرام من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية من مصنع لتصنيع وقود مفاعل الدفع البحري الأمريكي أواخر الستينيات، وبالتالي كان بوسع إسرائيل تخزين هذه الكميات لاستخدامها في صنع الأسلحة النووية.

وتمتلك إسرائيل مفاعلاً نووياً خاصاً بالأبحاث في مركز "سوريك" للأبحاث النووية وسط البلاد، ويعمل هذا المفاعل باليورانيوم عالي التخصيب، لكنه يخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وتمكنت إسرائيل من الحصول على الوقود النووي من الولايات المتحدة لهذا المفاعل في أواخر خمسينيات القرن الماضي، لكنها حالياً غير قادرة على شراء المزيد من اليورانيوم عالي التخصيب، لأنه يحظر بيعه على الدول غير الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

وكانت إسرائيل، بطبيعة الحال، متردّدة بشأن التوقيع على المعاهدة التي من شأنها إلزامها بالتعهد بعدم تطوير أسلحة نووية، كما لم تشأ حكومة تل أبيب إذاعة سر برنامجها النووي؛ لئلّا يطلق شرارة سباق تسلح نووي في منطقة الشرق الأوسط.

وبالتوازي مع امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، عملت على منع أي بلد عربي من التقدم في الوصول إلى هذه الترسانة النووية، وقد نشطت، وفق بعض التقارير، في مجال كشف مشاريع العرب النوويّة واغتيال العلماء الناشطين في المجال، في إطار يربط ذلك بنظرية أمن إسرائيل القائمة على الردع والتفوق النوعي على العرب.

TRT عربي
الأكثر تداولاً