العلم الإيراني معلق بجوار مجموعة من الصواريخ  (AP)
تابعنا

في مقال نشرته مجلة "تايم" الأمريكية قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، إن "إيران قادرة على تحويل نفسها إلى دولة نووية"، ورأى أن الجهود لمنع إيران من الحصول على القوة النووية وصلت إلى أدنى مستوياتها وتسير نحو الفشل، وأن الجهود الأمريكية لتوقيع اتفاقية عام 2015 لتأخير البرنامج الإيراني لم تذهب بعيداً بشكل كافٍ، في حين سمح الانسحاب من الاتفاقية عام 2018، بشرعنة زحف طهران نحو وضع "العتبة النووية"، وبات لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصَّب لإنتاج قنبلة نووية، والتكنولوجيا لتحويلها إلى سلاح.

وتوقّع باراك أن تتحول إيران هذا الصيف إلى دولة وصلت فعليّاً إلى العتبة النووية، وأبدى استغرابه من أن الولايات المتحدة أو إسرائيل لم تطوّر الخطة "باء" لمواجهة المشروع الإيراني بعد انسحاب دونالد ترمب من الاتفاقية النووية، مشيراً إلى أن ذلك كان ممكناً، ورأى باراك أن القدرات النووية الإيرانية ستعطي طهران فرصة لبناء توازن قوة مع إسرائيل وتمنحها حرية التصرف في المنطقة كيف تشاء.

إن الوصول إلى العتبة النووية هو حالة البلد الذي يمتلك التكنولوجيا اللازمة لصنع أسلحة نووية بسرعة دون أن يقوم بذلك بالفعل، وهذه القدرة الكامنة غير محظورة بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، فهل وصلت إيران فعلاً إلى هذا العتبة؟ ومتى ستفجّر قنبلتها؟

تتقاطع هذه التصريحات الإسرائيلية حول القدرات النووية العسكرية الإيرانية ووصولها إلى العتبة النووية مع تصريحات أطلقها رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي مفادها أن إيران قادرة على صناعة قنبلة نووية، لكنها لا تعتزم القيام بذلك، وجدّد إسلامي حسب ما نقلته عنه وكالة أنباء "فارس" شبه الرسمية، تأكيد تصريحات سابقة أدلى بها المستشار البارز كمال خرازي، وكان خرازي قال في تصريح لقناة "الجزيرة" يوم 17 يوليو/تموز، إن "إيران لديها القدرات التقنيّة لإنتاج قنبلة نووية، ولكن لم يصدر أي قرار من إيران بصناعتها".

والواقع أن هذا القرار الخطير هو فقط بيد المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي كان قد أصدر فتوى عام 2003 تنصّ على "حظر إنتاج وتخزين أسلحة الدمار الشامل كالأسلحة النووية والكيمياوية والميكروبية، وأن استخدام هذه الأسلحة حرام شرعاً". فإلى متى ستستمرّ صلاحية هذه الفتوى الشرعية، وهل يمكن صدور فتوى جديدة بشرعية صناعة هذه الأسلحة في ظل التهديدات الوجودية للنظام الإيراني؟

إن المسؤولين الإيرانيين قلما يصرّحون باهتمام إيران بحيازة أسلحة نووية، إلا أن في المزاج الرسمي بل والشعبي تغيّراً كبيراً، مبعثه الشعور بالإحباط واليأس تجاه تبدّل المواقف الغربية، والرغبة في مواجهة التهديدات والخروج من المأزق الحالي، وهذا ما عبر عنه النائب في البرلمان الإيراني صباغيان بافقي وفق وكالة الأنباء "إيلنا" عن رغبة الشعب "في ظل التهديدات والوقاحة الغربية بإصدار المرشد الأعلى فتوى جديدة تجيز صنع السلاح النووي، الذي هو أمر ميسَّر للشباب الإيراني".

وسابقاً قال وزير المخابرات الإيراني محمود علوي إن الضغط الغربي المستمر يمكن أن يدفع طهران إلى الدفاع عن النفس مثل "قطّ محاصَر" والسعي لحيازة أسلحة نووية.

ويبقى السؤال الأهمّ: إلى أين وصلت إيران في برنامجها النووي؟ وهل فعلا أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تركيب القنبلة؟ ومن يتحمل المسؤولية عن ذلك؟

في ظل ذلك يتصاعد القلق والتكهنات الدولية بشأن الوقت الذي تحتاج إليه إيران لتجميع ما يكفي من اليورانيوم المخصَّب بدرجة عالية لصنع سلاح نووي. وكان مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي قد قال في يونيو/حزيران، إن "إيران قد تحصل على تلك الكمية خلال أسابيع". أما الولايات المتحدة فقدّرت المدة المطلوبة بسنة واحدة.

وعلى الصعيد السياسي صرّح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بأنّ طهران "تدرس حالياً مسوّدة للاتفاق النووي مقترحة ومقدَّمة من مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل". وكان بوريل قد أعلن منذ أيام في مقال نُشر في صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، تقديم مسوّدة نص بشأن البرنامج النووي الإيراني، وصرّح بأن النص الجديد يتضمن "تنازلات تمّ الحصول عليها بشقّ الأنفُس من جميع الأطراف، وأن لا بديل آخر شاملاً أو فعّالاً يمكن تحقيقه"، وناشد جميع الأطراف المتنازعة قبولَها، أو المخاطرة بوقوع "أزمة نووية خطرة".

وقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن إدارته طوّرت مقترحاً لضمان العودة المتبادلة إلى التنفيذ الكامل للاتفاق النووي مع إيران، كما صرّح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأن "العودة إلى الاتفاق النووي المُبرَم عام 2015 ما زالت تمثّل أفضل نتيجة للولايات المتحدة وإيران والعالم"، لكن هذه التصريحات الدبلوماسية الأمريكية السابقة لانعقاد المفاوضات ترافقت أيضاً مع فرض واشنطن عقوبات جديدة استهدفت بشكل خاصّ صناعة البتروكيماويات في إيران.

وفي المقابل ردّت إيران بخطوة تصعيدية مقابلة ردّاً على العقوبات الأمريكية، إذ أعلن المتحدث باسم الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية، بهروز كمالوندي للتليفزيون الإيراني "بدء تشغيل مئات من أجهزة الطرد المركزي الجديدة المتطورة من الجيلين الأول والسادس وضخّ الغاز فيها".

فإلى متى سيستمر هذا التصعيد والتصعيد المتبادل بين الدول الغربية وإيران؟ وهل سيفضي بالنتيجة إلى اختراقٍ حقيقي في مفاوضات الملفّ النووي وتتويجها برفع العقوبات عن إيران وفرض رقابة صارمة على برنامجها النووي بشكل مباشر بما يحول دون وصول إيران إلى قنبلتها النووية أو تراجع خطواتها التي أحرزتها وتبطيء المسار الزمني للوصول للقنبلة النووية، أم إن الضغوط الغربية القصوى على إيران، ولا سيما الأمريكية والإسرائيلية، ستدفع إيران "مُكرَهةً" إلى التنصُّل من تعهداتها والالتجاء نحو الخيار الأخير والأسوأ للمنطقة والعالم وهو التسلُّح النووي؟

يبدو أن الوقت لا يمرّ لمصلحة الدول الغربية، فقد استطاعت إيران الوصول حقّاً إلى العتبة النووية، وربما بدأت بخطوات تصنيع السلاح النووي وبلوغ مرحلة الردع بالسلاح النووي، على الرغم من مفاوضاتها والتزامها التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فزادت مخزونها من اليورانيوم المخصَّب، ورفعت مستوى التخصيب وزادت أجهزة الطرد المركزي وحسّنَت نوعيتها، كما زادت قوة أسلحتها الاستراتيجية الأخرى ولا سيما الترسانة الصاروخية الباليستية التي باتت رقماً صعباً في المنطقة، وفي المقابل فشلت عقوبات الغرب وتهديدات إسرائيل وضرباتها العسكرية والسيبرانية وقتل العلماء النوويين في إخضاع إيران بسياسة "الضغط بالحدّ الأقصى"، على الرغم من التأثير القوي لهذه العقوبات ولا سيما اقتصادياً، فإيران التي رأت الويلات التي حلّت بغيرها من الدول التي كانت قوية ومحصَّنة، مثل أوكرانيا ومن قبلها ليبيا، ثم تخلّت عن برامجها وترسانتها النووية مخدوعة بالوعود الغربية المزيَّفة، لن تكرّر الخطأ التاريخي لتلك الدول مهما غلا الثمن وبلغت التضحيات.

إن الولايات المتحدة وحلفاءها في الغرب وكذلك إسرائيل قد يكونون قريباً جداً أمام خيارين في ظلّ استمرار هذا الاستعصاء في المفاوضات، وإعلان موت الاتفاق النووي، هما القبول بالجمهورية الإسلامية الإيرانية مجهزة بسلاح نووي ردعي، أو المواجهة العسكرية. والواقع أن كلا الخيارين مكلّف وخطير جدّاً، لذا فالتلكُّؤ والمماطلة في المفاوضات والعودة إلى الاتفاق النووي ليست في مصلحة الولايات المتحدة ولا سيما في ظلّ استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وفشل الغرب في إخضاع روسيا، وتفجُّر أزمة الطاقة العالمية، وكذلك نشوب توتُّر جديد مع الصين بسبب العلاقات مع تايوان.

قد يكون هذا الصيف الأكثر سخونة في مسار الملف النووي الإيراني، فهل ستفجّر إيران قنبلتها النووية، أم إن الأمر لا يتعدى كونه قنبلة إعلامية تحمل في طياتها تحذيراً مبطناً للجهات المعادية بأن لا عودة إلى الوراء، وأن أيّة خطوة استفزازية أو هجمات معادية تهدّد المكتسبات التي حقّقَتها في برنامجها النووي وعدم الإقرار بحقوقها النووية ورفع العقوبات عنها قد تدفع إيران نحو صناعة القنبلة النووية.



TRT عربي