تفجرت موجة استياء عارمة لدى اليمنيين المقيمين بالمحافظات الجنوبية السعودية، بعد الكشف عن وثيقة مسربة عُنونت بـ"محضر إبلاغ (سري)"، تطلب فيها السلطات السعودية من أصحاب العمل طرد اليمنيين، ومنع إيوائهم أو تجديد عقود السكن لهم في هذه المناطق، وذلك في فترة أقصاها 4 أشهر.
وعبّر نشطاء عن بالغ قلقهم إزاء القرار التعسفي المُسرَّب، إذ يواجه ما يزيد على 800 ألف مواطن يمني بمحافظات جازان وعسير والباحة ونجران الجنوبية السعودية خطر الترحيل في أي لحظة، مما قد يسفر عن تداعيات خطيرة على العمالة اليمنية وأسرهم، خصوصاً مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الإنسانية القاسية التي تخلّفها الحرب الضروس القائمة في بلادهم منذ 6 سنوات، والتي يرى مراقبون أن الرياض نفسها تأتي في صدارة مشعليها.
سَعوَدة خالصة أم استعداء لليمنيين؟
اتجهت السلطات السعودية خلال السنوات الأربع الأخيرة إلى نهج جديد يهدف إلى طرد العمالة الأجنبية الوافدة من القطاع الخاص بالمملكة مقابل زيادة عدد الموظفين السعوديين، في ما يُعرف ببرنامج توطين الوظائف "سعودة الوظائف"
ووسط تفاقم معدل البطالة بين مواطني المملكة، الذي بلغ ذروته في الربع الثاني من 2020 بنسبة 15.4% نتيجة التبعات الاقتصادية الناجمة عن تفشي جائحة كورونا، ازدادت وتيرة برنامج السعودة بشكل غير مسبوق.
وأجرت وكالة الأناضول مسحاً في مايو/أيار من العام الحالي، أظهر أن برنامج التوطين نجح بالفعل في لفظ ما يزيد على ربع العمالة الوافدة منذ عام 2017، وذلك بمقدار 2.24 مليون موظف أجنبي غادروا وظائفهم بالقطاع الخاص السعودي خلال 51 شهراً، منذ مطلع 2017 حتى نهاية الربع الأول من 2021.
وهبط عدد الموظفين الأجانب إلى 6.25 مليون فرد، مع نهاية الربع الأول من العام الجاري، مقابل 8.49 مليون نهاية 2016، بنسبة تراجع 26.4 بالمئة.
ويستند مسح الأناضول إلى بيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية (حكومية)، التي يسجَّل فيها جميع العاملين في القطاع الخاصّ، مواطنين وأجانب.
غير أن القرار المُسرَّب يشير في مادته الرابعة إلى إمكانية توفير صاحب العمل بديلاً للعمالة اليمنية عن طريق "الالتزام بقرارات التوطين في المهن الوطنية، أو نقل خدمات عمالة من جنسيات أخرى، أو الاستقدام، وستوفر وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تأشيرات تعويضية".
وفي هذا الصدد انتقد توفيق الحميدي، رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات، إجراءات السلطات السعودية المسربة، واعتبرها "تكشف عن السلوك الاستعلائي والتمييزي الذي تمارسه السعودية ضد العمالة اليمنية".
وأردف الحميدي: "هذه الإجراءات أو القرارات السعودية ضد العمالة اليمنية تشكل انتهاكاً فاضحاً لاتفاقيات حقوق الإنسان العالمية".
وكان متابعون للشأن اليمني رجعوا قرار ترحيل اليمنيين من المحافظات الواقعة جنوب المملكة السعودية إلى استمرار هجمات الحوثيين على تلك المناطق.
مآلات وعواقب كارثية
انتشرت أنباء نُقلت عن مغتربين يمنيين في الجنوب السعودي تفيد بأن جميع أفراد العمالة اليمنية بمناطق عسير والباحة ونجران وجيزان، تلقوا بالفعل إشعارات من السلطات السعودية بإنهاء التعاقد معهم بلا سابق إنذار، مع تأكيد إلغاء عقود إيجار مساكنهم، إضافة إلى "إنهاء كفالتهم وترحيلهم إلى اليمن".
وفي سياق متصل أشار الصحفي فهد سلطان إلى أن ما يقارب 106 أساتذة جامعيين يمنيين بجامعة نجران، أُبلغوا رسمياً إنهاء خدماتهم خلال أربعة أشهر.
ويحذّر سلطان من مآلات غير محمودة ستصيب العمالة اليمنية جراء القرارات السعودية: "الضرر الذي سيلحق باليمنيين هناك سيكون كبيراً وبالملايين، كونهم سيُضطرّون إلى بيع محلاتهم وممتلكاتهم بثمن بخس والعودة إلى اليمن الذي يعيش حالة حرب".
ووصف بيان صدر عن الاتحاد العالمي للجاليات اليمنية، القرار بـ"المجحف"، وأكد أنه "سيتسبب في أزمة معيشية جديدة على آلاف الأسر في الداخل إلى جانب الأزمات الاقتصادية التي يعيشها اليمن منذ انطلاق الحرب في 2015، في وقت كنا ننتظر فيه تقديم مزيد من التسهيلات للعمالة اليمنية".
ويقدر عدد اليمنيين المغتربين في السعودية بنحو ثلاثة ملايين، أي قرابة 10% من إجمالي تعداد سكان اليمن. وتشكّل العمالة اليمنية في المملكة عصب الاقتصاد اليمني خلال فترة الحرب.
ووفقاً لبعض التقديرات، فإن كل مغترب يمني بالخارج يعول نحو خمس أسر في الداخل اليمني، الأمر الذي دفع محللين اقتصاديين إلى التحذير من "كارثة اقتصادية" ستُلحِق بالوضع المعيشي المتأزم حالياً في اليمن عواقب وخيمة.
فيما انتشر وسم "#السعودية_تطرد_اليمنيين" على مواقع التواصل الاجتماعي، وندد خلاله مستخدمو المواقع بقرارات السلطات في الرياض.
واتهم مغرد على موقع تويتر السعودية بالرغبة في "تجويع وتركيع الشعب اليمني".
وعبّر آخر عن غضبه من مطاردة السلطات السعودية لليمنيين بـ"طردهم من أعمالهم، وملاحقتهم إلى أوطانهم بقنابل الموت"، على حد تعبيره.
فيما عبّر مواطنون سعوديون عن دعمهم قرار طرد العمالة اليمنية، وذلك تحت وسم "#ترحيل_اليمنيين_مطلب_وطني"، واتهم أحدهم اليمنيين بارتكاب "الجرائم والفساد والتسول".