تابعنا
حتى الآن، خصص الكونغرس نحو 113 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا منذ الحرب مع روسيا في فبراير/شباط 2022، بما فيها المركبات المدرعة وأنظمة الدفاع الجوي والمدفعية والطائرات من دون طيار والذخائر وغيرها.

وسط استمرار الحرب بين أوكرانيا وروسيا من جهة، والعدوان الإسرائيلي على غزة من جهة أخرى، يزداد الانقسام في الكونغرس الأمريكي حول أولويات واشنطن في تقديم المساعدات لحلفائها، خصوصاً أوكرانيا التي سبق أن عارض جمهوريون متشددون قبيل الحرب في الشرق الأوسط تقديم مزيدٍ من المساعدات العسكرية لها وسط أزمة عجز الميزانية.

وأتى العجز في الوقت الذي طلب فيه الرئيس الأمريكي، جو بايدن من الكونغرس 100 مليار دولار كمساعدات خارجية جديدة وإنفاق أمني، بما في ذلك 60 مليار دولار لأوكرانيا و14 مليار دولار لإسرائيل، إلى جانب تمويل أمن الحدود الأمريكية ومنطقة المحيطين الهادئ والهندي.

وأواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سجلت الحكومة الأمريكية عجزاً في الميزانية قدره 1.695 تريليون دولار في السنة المالية 2023، بزيادة 23% عن العام السابق، مع انخفاض الإيرادات وارتفاع النفقات على الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية وتكاليف الفائدة المرتفعة على الدين الفيدرالي.

خلاف حزبي

حتى الآن، خصص الكونغرس نحو 113 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا منذ الحرب مع روسيا في فبراير/شباط 2022، بما فيها المركبات المدرعة وأنظمة الدفاع الجوي والمدفعية والطائرات من دون طيار والذخائر وغيرها، التي استخدمتها القوات الأوكرانية لتدمير كمية كبيرة من القوات الروسية.

لكن الآن وحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن "شهية المشرعين الجمهوريين لتقديم مزيد من المساعدة لأوكرانيا ظلت تتراجع لأشهر عدة، حتى قبل أن يفشل الهجوم الصيفي الذي طال انتظاره في البلاد في تحقيق أي اختراقات دراماتيكية".

وأضافت الصحيفة أن استطلاعات الرأي أظهرت انخفاضاً ثابتاً في الدعم الشعبي الأمريكي لأوكرانيا الذي كان قوياً ذات يوم.

وفي الأشهر الأخيرة، تمكنت مجموعة من المشرعين اليمينيين في مجلس النواب الأمريكي، في إحداث حالة من الفوضى في المجلس، بعدما تمكنت من عزل رئيس مجلس النواب السابق كيفن مكارثي من منصبه، وفضلت تقديم المساعدات لإسرائيل عن أوكرانيا.

ويزداد الجدل داخل مجلس النواب حول مصير المساعدات الخارجية، وسط تنامي رغبة بعض النواب الجمهوريين في توجيه كل المساعدات لإسرائيل من دون أوكرانيا.

وفي أول تحرك له بعد توليه رئاسة مجلس النواب، قدم الجمهوري مايك جونسون مشروع قانون يربط ما يقرب من 14.5 مليار دولار لدعم إسرائيل، بتخفيضات الإنفاق المحلي وعدم تقديم أموال لأوكرانيا، وهو ما أقره بالفعل مجلس النواب أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

ورغم إعلان بايدن في كل مناسبة دعمه أوكرانيا، فإن فريقاً من الجمهوريين تراجعوا عن دعم أوكرانيا، وازداد الأمر بعد الحرب في الشرق الأوسط، حتى إن السيناتور الجمهوري جوش هاولي كتب على موقع إكس أن "إسرائيل تواجه تهديداً وجودياً وينبغي إعادة توجيه أي تمويل لأوكرانيا إلى إسرائيل على الفور".

بدورها قالت السيناتورة الجمهورية، سينثيا لوميس إن ناخبيها الجمهوريين يرون أن "إسرائيل في الوقت الحالي تمثل أولوية أعلى".

مساعدات حاسمة لكييف

منذ بداية الحرب في أوكرانيا، وجّهت إدارة بايدن والكونغرس الأمريكي مساعدات تشمل الدعم الإنساني والمالي والعسكري، وهي مساعدات أساسية أحدثت فرقاً في الحرب الأوكرانية-الروسية، ومع توقفها سيبدأ الجيش الأوكراني في الضعف، وفقاً لمارك إف كانسيان، أحد كبار المستشارين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) وبرنامج الأمن الدولي.

ويقول كانسيان لـTRT عربي، إنّ "الجيوش تحتاج في القتال إلى تدفق مستمر من الذخائر والإمدادات والمعدّات، لتحل محل ما جرى تدميره أو استهلاكه".

ويرى أنه من دون ما تقدمه الولايات المتحدة الذي يمثل نحو 50% من الدعم العسكري الخارجي لأوكرانيا، فإنّ "الهجوم المضاد سينتهي بسرعة، وقد لا تتمكن أوكرانيا من تقديم مقاومة كافية لروسيا للحفاظ على الأراضي التي تسيطر عليها".

ويلفت كانسيان إلى أنّه إلى جانب الدعم العسكري لكييف، تشتمل المساعدات الأمريكية لأوكرانيا على عناصر أخرى كثيرة، بينها تمويل القوات الأمريكية في أوروبا الشرقية، الموجودة هناك، والمساعدات الإنسانية للاجئين، والمساعدة الاقتصادية للحكومة الأوكرانية، وأنشطة الحكومة الأمريكية مثل تنفيذ العقوبات.

بدوره يؤكد الخبير السياسي بيتر كوزنيك، مدير معهد الدراسات النووية بالجامعة الأمريكية في واشنطن، أنّ التمويل الأمريكي لأوكرانيا يُحدث فرقاً كبيراً.

ويضيف كوزنيك لـTRT عربي، أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن كان مسؤولاً إلى حدّ كبير عن تنظيم ردّ الناتو والحفاظ على تماسك التحالف، مؤكداً أنّه من دون التمويل والقيادة الأمريكية، فإنّ "الأوكرانيين سوف يخسرون الحرب".

لا نهاية في الأفق

كان البيت الأبيض وزعماء الحزبين في مجلس الشيوخ قد دفعوا لصالح إدراج مزيد من التمويل لأوكرانيا في مشروع قانون الميزانية الأمريكي، الذي أُقّر في اللحظات الأخيرة.

لكنَّ مجلس النواب أقرّ مشروع قانون للإنفاق المؤقت لتجنب إغلاق الحكومة، هو نفسه الذي تسبب في الإطاحة برئيس مجلس النواب السابق كيفين مكارثي في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد التصويت لصالح عزله في سابقة تاريخية، من دون أن يتضمن أي مساعدات مالية إضافية لكييف، إذ إنّ جزءاً من الجمهوريين رفضوا مدّ كييف بالمساعدات.

يأتي ذلك الرفض مسلِّطاً الضوء على تراجع رغبة فريق من الجمهوريين في تمويل المجهود الحربي في كييف، وكاشفاً في الوقت نفسه، عن مدى تراجع شعبية دعم أوكرانيا، إذ برزت مؤخراً المخاوف العامة من أنّ الولايات المتحدة تقدّم كثيراً لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.

ويفسر كوزنيك ذلك التراجع بأنّه "بعد 20 شهراً من الحرب يشعر كثيرون في الولايات المتحدة وأوروبا بالضجر منها، لا سيّما مع توقعات بأن تستمر لسنوات".

ويذكر الخبير السياسي أنّ "أرقام الضحايا مرتفعة بشكل مثير للقلق، ولا نهاية في الأفق. في الوقت نفسه، يعاني كثير من الأوروبيين من الآثار الاقتصادية، التي سوف تزداد سوءاً مع حلول فصل الشتاء".

ومع تدهور الاقتصاد الأوكراني بالكامل، تعتمد أوكرانيا بشكل كبير على المساعدات الأمريكية والأوروبية لدفع فواتيرها، وإطعام سكانها، وتسليح جيشها، وتغطية ديونها، "ولا يعرف أحد إلى متى ستصمد في مواجهة روسيا، لكن قدرتها على فعل ذلك سوف تتقلص بشكل حاد وستضطر إلى التسوية بشروط مواتية لروسيا"، وفق كوزنيك.

مصالح واشنطن من انتصار كييف

على خلفية مؤتمر صحفي عقده الرئيس الأمريكي، في 4 أكتوبر/تشرين الأول الماضي للتحدث بشأن ديون الطلاب، أعلن بايدن أنّه سيلقي خطاباً مهماً قريباً، حول تمويل أوكرانيا.

وقال بايدن: "سأطرح حجّة مفادها أنّ من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير أن تنجح أوكرانيا".

وتجد تلك الحجة صدى لدى كوزنيك الذي يؤكد أنّ انتصار أوكرانيا لن يؤدي إلى إضعاف روسيا فحسب، بل سيساعد الولايات المتحدة على الحفاظ على هيمنتها.

ويلفت إلى أنّه "لم يكن سجل الولايات المتحدة في العقود الأخيرة، سواء في فيتنام أو العراق أو أفغانستان أو ليبيا، ممتازاً، إذ إنّ الهزيمة في هذه الحرب بالوكالة ستؤدي إلى تقليص هيبة الولايات المتحدة وقوتها ونفوذها على مستوى العالم".

ويرى كوزنيك أنّ "المكسب الرئيسي للولايات المتحدة، في حالة انتصار أوكرانيا، سيكون هزيمة وإضعاف روسيا وإرسال رسالة إلى الصين بعدم محاولة الاستيلاء على تايوان بالقوة".

ويضيف الخبير السياسي أنّ "هزيمة واشنطن من شأنها أن تعزّز التصور بأنّ الولايات المتحدة مجرد نمر من ورق، وأنّ الصين تمثل القوة الأكثر ديناميكية على هذا الكوكب".

وفي الوقت الذي ترفض فيه دول الجنوب العالمي، إلى حد كبير، دعم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضدّ روسيا، فإنّ الخسارة الأوكرانية ستبعث برسالة مفادها أنّ واشنطن لا تستطيع في نهاية المطاف حماية تلك الدول خارج الناتو التي تعتمد عليها لأمنها.

ووفقاً لكوزنيك، ستكون لذلك تداعيات سلبية، وقد تطور دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية ترساناتها النووية، "وعلى هذا، فإنّ العالم سوف يخطو خطوة كبرى نحو التعددية القطبية"، حسب تعبيره.

من جانبه، يتفق كانسيان مع كوزنيك في أنّ مكسب أوكرانيا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، فيما تمس خسارة أوكرانيا الحرب، بسبب قطع المساعدات الأمريكية، بهيمنة أمريكا.

ويقول كانسيان إنّه "في المستقبل، سيجد الحلفاء والشركاء صعوبة في تصديق أن واشنطن ستدعمهم عندما تصبح الأمور صعبة".

TRT عربي