قبل الخروج في المقابلة التلفزيونية الأخيرة، ظل ماكرون ممتنعاً عن الحديث بخصوص ما يقع في الشارع. / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

تشهد فرنسا، يوم الخميس، استمرار الاحتجاجات العمالية ليومها التاسع، ذلك رفضاً لتطبيق الحكومة مشروعها لإصلاح نظام التقاعد، الذي يتضمن رفع سن الخروج على المعاش من 62 إلى 64 عاماً. وتأتي هذه الاحتجاجات بعد مسيرات احتجاجية تدخل شهرها التاسع، ونجاح الحكومة في تمرير القانون من البرلمان دون إخضاعه للتصويت.

بالمقابل، وبعد أكثر من أسبوع من الصمت، خرج الرئيس الفرنسي، في حوار متلفز يوم الأربعاء، ليبرز إصراره على تطبيق الإصلاح بحلول نهاية السنة الجارية. وهو ما قرأت فيه المعارضة، سواء في البرلمان أو النقابات، مؤشراً على "النزعة المتغطرسة" التي يدير بها ماكرون الملف.

نزعة ماكرون "المتغطرسة"

في حوار متلفز له يوم الأربعاء، تابعه ما يفوق الـ10 ملايين مشاهد، أكّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رغبته في أن يدخل إصلاح التقاعد حيز التنفيذ بحلول نهاية العام الجاري، بالرغم من الاحتجاجات العنيفة التي يعيش على وقعها الشارع خلال الشهور الثلاثة الأخيرة.

قال ماكرون: "هذا الإصلاح ضروري، إنه لا يسعدني، كنت أتمنى أن لا أفعله، لكن لهذا أيضاً التزمت بتنفيذه"، متمنياً دخوله حيز التنفيذ بحلول نهاية العام "حتى تدخل الأمور في مسارها الصحيح".

وبخصوص الغضب في الشارع، قال الرئيس الفرنسي: "أنا لا أسعى إلى إعادة انتخابي (...) لكن بين استطلاعات الرأي قصيرة المدى حول شعبيتي والمصلحة العامة للبلد، أختار المصلحة العامة للبلد"، مشدداً على أنه "إذا كان عليّ تحمل انحدار الشعبية، فسأتحملها".

ويعرف منسوب شعبية إيمانويل ماكرون تهاوياً كبيراً، إذ سجلت استطلاعات الرأي الأخيرة، أن 70% من الفرنسيين غير راضين عن أداء الرئيس، وحوالي 80% منهم رفضوا تمرير الحكومة إصلاح التقاعد دون إخضاعه لتصويت البرلمان.

فيما اعتبرت المعارضة ما جاء في هذا الظهور الإعلامي الأخير للرئيس، دليلاً آخر على "الغطرسة" التي يتعامل بها مع الملف. وندد زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي جان لوك ميلنشون، بـ"علامات الازدراء التقليدية" و"غطرسة" ماكرون الذي "يعيش بعيداً من الواقع".

ومن جانبه، علَّق رئيس الحزب الاشتراكي أوليفييه فور، بأن ماكرون "في حالة إنكار مطلقة، وظهوره الأخير كان هلوسة خرقاء (...) الرئيس لم يعد يفهم بلده". وأضاف فور: "عوض تهدئة الشارع، قام بصب جركن من البنزين على حريق قد اندلع إلى حد كبير".

وعلى اليمين، قالت زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان إن ماكرون "رجل يزداد عزلة (...) وقد أراح" الفرنسيين بفكرة "ازدرائه" إياهم.

سياسة الآذان الصماء!

قبل الخروج في المقابلة الأخيرة، ظل ماكرون ممتنعاً عن الحديث بخصوص ما يقع في الشارع من احتجاجات عارمة, ولا عن الصراع الذي تخوضه رئيسة وزرائه إليزابيث بورن داخل البرلمان. ذلك بعد أن هدَّد بحل الجمعية الوطنية في حال فشلت الحكومة في تمرير الإصلاح، وهو ما مثَّل ضغطاً ساهم في دفعها إلى تفعيل البند 49.3.

ومنذ إعلان الحكومة العمل بالبند الدستوري، القاضي بعدم إخضاع مشروع الإصلاح إلى مصادقة البرلمان، اندلعت احتجاجات تلقائية في عدد من المدن الفرنسية، أغلقت على إثرها الطرقات، كما دخل عمال أكبر مصفاة نفط في البلاد في إضراب، تزامناً مع إضراب عمال النظافة والسكك الحديد المتواصل.

وأثناء محاولتها فض هذه الاحتجاجات، استخدمت قوات الشرطة الفرنسية قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية وخراطيم المياه. ما أدى إلى صدامات عنيفة مع المحتجين، الذين أضرموا النار في حاويات القمامة ووضعوها في الطرقات على شكل متاريس، لعرقلة تقدم قوات الشرطة نحوهم. وحسب ما كشفت عنه الداخلية الفرنسية، جرى اعتقال ما لا يقل عن 257 شخصاً شاركوا في احتجاجات باريس، و310 في أنحاء الجمهورية كافة.

وفي يوم الأحد، احتشد مئات الأشخاص بشكل تلقائي في حي لي هال الباريسي، في مظاهرة مناهضة للحكومة. ومنعت الشرطة هذه المسيرة من التحرك نحو البرلمان، وهو ما أفرز صدامات بين رجال الأمن والمحتجين، وقالت الداخلية الفرنسية إنها اعتقلت 17 من المحتجين.

في وجه كل هذه الأحداث، مارست الحكومة والرئيس ماكرون سياسة "الآذان الصماء"، على حد وصف النقابات المحلية، واستمرت في تنفيذ خطتها لإصلاح التقاعد. وهو ما تأكد يوم الاثنين، بعد نجاة الحكومة من تصويتين بسحب الثقة، وهو ما كان بمثابة حسم رسمي في تطبيق الإصلاح.

احتجاجات "الخميس الأسود"

وفي وقت سابق، كانت النقابات الفرنسية قد أعلنت عن تعبئة عامة يوم الخميس، 23 مارس/آذار، تشمل خوض إضرابات واسعة، كذلك خروج مسيرات حاشدة وسط العاصمة باريس، ومدن البلاد الأخرى.

وفي صبيحة يوم الخميس، أغلق عمال فرنسيون غاضبون من رفع سن التقاعد، الطريق إلى إحدى صالات مطار شارل ديغول في باريس، في إطار احتجاجات على مستوى البلاد، مما أجبر بعض المسافرين على التوجه إلى هناك سيراً على الأقدام.

إضافة إلى هذا، تعطلت خدمات القطارات الفرنسية وأُغلق بعض المدارس، فيما تراكمت القمامة في الشوارع وتعطل توليد الكهرباء مع التصعيد الاحتجاجي الذي أطلقته النقابات. كما شوهدت أعمدة من الدخان تتصاعد من أكوام حطام محترقة عاقت حركة المرور على طريق سريع بالقرب من تولوز في جنوب غرب البلاد.

TRT عربي