رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس. (Others)
تابعنا

في أواخر يوليو/تموز المنصرم، كشفت أبحاث أوروبية أُجريَت على هواتف سياسيين وصحافيين من المعارضة اليونانية تعرُّضها لاخترق باستعمال برامج تجسس متطورة، أدّت إلى التنصُّت على اتصالاتها واعتراض رسائلها، فيما توجَّهت أصابع الاتهام في ذلك إلى الاستخبارات المركزية، مما فجَّر فضيحة سُمّيَت إعلاميّاً "ووترغيت اليونانية".

وتضع هذه الفضيحة الحكومة اليونانية في مأزق سياسي وأخلاقي كبير، قد يعصف بمستقبلها في قيادة البلاد، خصوصاً بعد استقالة مسؤولين رفيعين في جهاز الاستخبارات ومحيط رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، كما قطع البرلمان عطلته الموسمية لمناقشة التطورات الأخيرة والحسم فيها، فيما اعتبرت المعارضة، على رأسها تحالف "الحركة من أجل التغيير" اليساري، فرصة لإحداث تغيير سياسي طال انتظاره.

تفاصيل "ووترغيت اليونانية"

تفاصيل الواقعة تعود إلى سنة 2021، وقت الانتخابات الداخلية لتحالف "الحركة من أجل التغيير" اليسارية المعارضة، حين تَعرَّض زعيمها نيكوس أندرولاكيس للتنصت لثلاث أشهر متتالية، إضافة إلى صحفيَّين معارضَين وقعا تحت طائلة الإجراء المنتهك للخصوصية.

وكشف أندرولاكيس، الزعيم اليساري المعارض والنائب الأوروبي، أنه بعد تلقّيه رسائل مريبة، وضع هاتفه عند شعبة الأمن السيبراني التابعة للبرلمان الأوروبي من أجل تحليل بياناته، هذه الأخيرة التي أعلمته بتعرُّضه لمحاولات اختراق باستخدام برنامج "بريداتور" المطوَّر إسرائيلياً.

وعلَّق أندرولاكيس على الأمر في حديثه لوكالة أسوشيتد بريس الأمريكية قائلاً: "لم أكن أتوقع أن تضعني الحكومة اليونانية تحت المراقبة"، داعياً البرلمان إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق للنظر في المسؤوليات السياسية المحتمَلة لمحاولة التنصُّت على هاتفه، والحكومة إلى أن لا تسعى إلى دفن القضية.

وحسب وسائل إعلام دولية، فهذه هي المرة الثالثة في ظرف سنة التي تُتّهم بها أجهزة الاستخبارات اليونانية بانتهاك الخصوصية والتنصت على مواطنين عبر اختراق هواتفهم. فسابقاً في أبريل/نيسان الماضي، تَوجَّه الصحافي اليوناني المختصّ في الشؤون الاقتصادية تاناسيس كوكاكيس، إلى القضاء مشتكياً تَعرُّض هاتفه للاختراق ببرنامج "بريداتور" للتجسس. وقبلها في فبراير/شباط، اتخذ الصحافي ستافروس ماليتشوديس، المتخصص في قضايا الهجرة واللجوء نفس الإجراء.

وزعمت منظمة "مراسلون متحدون"، في يونيو/حزيران الماضي، أن رئيس المخابرات اليونانية غريغوريس ديميترياديس كان له تعاملات تجارية غير مباشرة مع الشركة المالكة لبرنامج "بريداتور" من خلال وكيل لمراقبة السياسيين المعارضين.

وفي 12 أغسطس/آب الماضي رفع النائب الأوروبي عن الحزب الشيوعي اليوناني كوستاس باباداكيس، استفساراً كتابياً إلى المفوضية الأوروبية في هذا الصدد، قال فيه إن أعضاء اللجنة المركزية لحزبه تَعرَّضوا مراراً للتنصُّت ببرنامج التجسس الإسرائيلي، قبل أن يتساءل كيف تسمح القوانين الأوروبية للحكومات بهذه الانتهاكات الحقوقية.

ومن جانبها طالبت المفوضية الأوروبية الحكومة اليونانية بإجراء تحقيق معمق في القضية، وقالت الناطقة باسم المفوضية للشؤون الداخلية أنيتا هيبر، إنه "إذا تأكدت المزاعم الواردة، فإن أي محاولة من أجهزة الأمن القومي للوصول غير القانوني إلى بيانات المواطنين، بمن فيهم الصحفيون والمعارضون السياسيون، غير مقبولة".

تَخبُّط واستقالات في الحكومة اليونانية

ونفى رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس معرفته بتفاصيل واقعة التجسس، رغم أن وكالة الاستخبارات المتهمة تتبع مكتبه مباشرةً منذ تولّيه السلطة سنة 2019، وقال كرياكوس في بيان متلفز إن ما وقع كان "خطأً إداريّاً" ما كان ليسمح به لو كان على علم مُسبَق بالأمر.

إثر هذا قدّم رئيس جهاز المخابرات اليونانية باناجيوتيس كونتوليون، استقالته من المنصب، وتبعه في ذلك غريغوريس ديميترياديس، ابن شقيق رئيس الوزراء الذي كان يشغل منصب الأمين العامّ لرئاسة الحكومة. وأوضح كرياكوس أنه قَبِل الاستقالتين، الأولى لتحمُّل المسؤولية المهنية والثانية لتحمُّل المسؤولية السياسية للفضيحة.

وتَعهَّد رئيس الوزراء اليوناني بتشديد مراقبة عمل جهاز المخابرات والعمل على تكريس الشفافية حول نشاطه، عبر سَنّ قانون تنظيمي خاصّ لذلك. فيما اعتبر تحالف "سيريزا" اليساري المعارض أن هذا القرار "ليس سوى تخبُّط للحكومة ورئيسها، ومحاولة لتجنُّب تحمُّل المسؤولية عما وقع".

وقطع البرلمان اليوناني إجازته السنوية للاجتماع يوم الجمعة، في جلسة خُصّصَت للنظر في فضيحة "ووترغيت" المحلية. وخلال الجلسة هاجم ألكسيس تسيبراس، زعيم "سيريزا"، رئيس الوزراء متهماً إياه بالأمر بعملية التجسس، قائلاً: "أردتَ أن تكون لديك السيطرة المطلقة داخل ثالث أكبر حزب (الحركة من أجل التغيير) لضمان السيطرة على التطورات السياسية قبل (طرح) قانون التمثيل النسبي البرلماني الجديد، الذي يتطلب حكومات ائتلافية".

وقبل سنة من الانتخابات التشريعية بالبلاد، تواجه حكومة ميتسوتاكيس إحدى أحلك الأزمات التي قد تعصف بمستقبلها. وحسب "لوفيغارو" الفرنسية، فإن هذه الفضيحة أضعفت حكومة المحافظين التي تقود اليونان، مهدّدة بعودتها لولاية جديدة بعد الانتخابات القادمة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً