بدعم من "فرونتكس" الأوروبية.. كيف أصبحت حدود اليونان جحيماً لطالبي اللجوء؟ (Frontex)
تابعنا

رغم تأكيد العاملين في منظمات إغاثة اللاجئين في جزيرة ساموس اليونانية وصول قاربهم شواطئها سالمين، عُثر على جثتَي اثنين من اللاجئين الأفارقة بعد يومين على تلك الشواطئ، وقد أهلكتها أشعة الشمس. هم ضحايا المقبرة التي تقيمها السلطات اليونانية في مياه بحر إيجة، حيث تشن حملات غير قانونية لمنع قوارب اللاجئين من الوصول إلى أراضيها، مزهقين بذلك عشرات الأرواح التي كانت تنوي الفرار إليهم من الويلات التي تعيشها في بلدانها الأم.

فيما ليس حرس الحدود اليوناني وحده المسؤول عن هذه الانتهاكات، وإن كان معظمها يجري بتدخل منه، حيث تقدم تقارير عديدة أدلة على تورط عناصر الوكالة الأوروبية لحماية الحدود "فرونتكس" في عمليات الملاحقات البحرية تلك، التي تنتهي في أغلب الحالات بغرق زوارق اللاجئين.

ما يضع الوكالة الأوروبية لحماية الحدود تحت مجهر تحقيقات، آخرها تلك التي فتحها البرلمان الأوروبي، كما أدى إلى تجميد المصادقة على ميزانيتها السنوية في انتظار صدور نتائج تلك التحقيقات. بينما ما زالت السلطات اليونانية تنكر اقترافها هذه المآسي، رغم كل الوثائق والشهادات التي تدينها.

"فرونتكس" متورطة

في 27 أبريل/ نيسان، نشرت وسائل إعلام أوروبية تقريراً عن تورط "فرونتكس" في انتهاكات إنسانية ضد اللاجئين في بحر إيجة. وكشف التقرير عن مشاركة الوكالة الأوروبية في 222 عملية إبعاد قسري لزوارق اللاجئين على مقربة من الجزر اليونانية، ما بين شهري مارس/آذار 2020 وسبتمبر/أيلول 2021، ذلك ضمن عمليَّة "بوسيدون" التي تقودها رفقة حرس الحدود اليوناني.

22 من هذه العمليات التي نفذتها عناصر "فرونتكس" شمل ما مجموعه 957 طالباً للجوء، ورصدت جريدة "لوموند" الفرنسية (التي شاركت في صياغة التقرير) عبر تحليلها بيانات الوكالة، أن الزوارق التي كان يستقلها أولئك اللاجئون مطابقة لزوارق مطاطية كان قد اشتراها حرس الحدود اليوناني، ما يثبت أنهم وصلوا الأراضي اليونانية وجرى إرسالهم مجدداً نحو البحر عوض إنقاذهم.

وتشمل عملية "بوسيدون" نوعين من إجراءات الإعادة القسرية: الأولى، بإيقاف الزوارق التي تقل اللاجئين في عرض مياه إيجة، ومحاصرتها لمنعها من التقدم أو الرسو على الأراضي اليونانية. أما النوع الثاني، فعبر تزويد اللاجئين بعد وصولهم بقوارب مطاطية، دون أي مساعدات غذائية أو طبية أخرى، وإرغامهم على العودة إلى البحر.

وتُعرّف الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عمليات الإعادة القسرية هذه بأنها "مجموعة من إجراءات الدولة التي يُجبر من خلالها اللاجئون والمهاجرون بموجبها على العودة عبر الحدود دون مراعاة لظروفهم الفردية ودون أي إمكانية لتقديم طلب الحصول على حق اللجوء أو تقديم الحجج ضد التدابير المتخذة"، وتعتبرها انتهاكاً صارخاً لقانون "حظر الطرد الجماعي" المنصوص عليه في الاتفاقية.

وحسب دانا شالمز، خبيرة القانون الدولي بمؤسسة ماكس بلانك، فإن الوكالة الأوروبية "وحتى في حالة لم تشارك عملياً في تنفيذ إجراءات الترحيل القسري، أو ساهمت زوارقها فقط في إحداث الموجات لدفع زوارق اللاجئين بعيداً، تاركة للسلطات اليونانية المجال للقيام بالعمل الوسخ، فهي متورطة" في كل الانتهاكات الحاصلة.

ويحكي لاجئ سوري، يدعى أحمد، عن ما عاشه خلال عملية الإبعاد القسري التي عاشها في رحلته نحو أوروبا سنة 2021، حيث كان يستقل قارباً رفقة حوالي 200 شخص من بينهم 40 طفلاً. وبعد أن حاصرتهم زوارق خفر السواحل اليونانية، نزل منها ما بين 10 إلى 15 عنصراً مسلحاً، وانهالوا عليهم بالضرب والإهانات. يقول أحمد: " كانوا جميعاً يحملون بنادق وسكاكين وكانوا يرتدون ملابس سوداء وأقنعة، وبدؤوا في ضرب الناس بالهراوات بحثاً عن القبطان (...) لقد لكموني على وجهي وكسروا نظارتي". هذا قبل أن يجبروهم على ركوب قوارب مطاطية والعودة إلى البحر.

هذا وتتفق تقارير وسائل الإعلام الأوروبية، والمنظمات الحقوقية وشهادات اللاجئين، على أن خفر السواحل التركي هو الوحيد الذي يتقدم لإنجاد اللاجئين بعد أن تبعدهم السلطات اليونانية بهذه الطريقة.

إنكار أثينا حقيقة أفعالها

وفي تصريحات له، الخميس، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، أن وكالة حماية حدود الاتحاد الأوروبي "فرونتكس" ساهمت مع اليونان في إجبار اللاجئين على العودة إلى تركيا وشاركت في ممارسات لا إنسانية ضدهم، ما لا تبرئه عدم الموافقة على ميزانية الوكالة أو استقالة مديرها التنفيذي فابريس ليجيري.

وحسب الوزير، فإن أنقرة زوّدت الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بالوثائق والبراهين التي تؤكد ممارسات اليونان ضد اللاجئين وكيفية إجبارهم على العودة القسرية. لكن "وكالة فرونتكس أنكرت صحة هذه الوثائق لفترة طويلة، وطلبت من أنقرة وثائق إضافية وأرسلنا نحن هذه الوثائق إلى الجهات المعنية".

وبالتالي فإن "اليونان تتحمل مسؤولية وفاة اللاجئين غرقاً، ولعل وكالة فرونتكس تتحمل مسؤولية أكبر لأنها تغاضت عن ممارسات أثينا، بل لأنها شاركت في تلك الممارسات غير الإنسانية، وكذلك الاتحاد الأوروبي له نصيب أيضاً في ذلك" يخلص الوزير.

وفي 28 أبريل/نيسان الماضي، قدَّم المدير التنفيذي لوكالة "فرونتكس" استقالته. لكن حتى الآن لم يحرك أي إجراء ضد الوكالة أو ضد السلطات اليونانية لمحاسبتها على الانتهاكات التي تمارسها في حق اللاجئين.

TRT عربي