العلاقات العسكرية والأمنية بين إيران والإمارات متواصلة رغم التوتر في الخليج (وكالة الأنباء الإيرانية)
تابعنا

على الرغم من ميولها الصريحة إلى المحور الإسرائيلي-الأمريكي المناوئ لإيران، وسعيها الدؤوب للعب دور كبير في المنطقة، لا تزال دولة الإمارات العربية المتحدة تلعب على التناقضات كافة، إذ تقيم سراً وعلانية علاقات واسعة مع إيران التي تُعد العدو الرئيس لحلفائها في واشنطن وتل أبيب.

إلى جانب ذلك، تقفز الإمارات من سفينة حليفتها السعودية من حين إلى آخر، ففي الوقت الذي تتبنى فيه السعودية موقفاً صريحاً ضد إيران تحافظ أبو ظبي التي كانت تعد في خندق واحد مع الرياض على علاقاتها بطهران، هذا على الرغم أيضاً من أن التقارب الإماراتي-الإسرائيلي الذي أفضى إلى توقيع اتفاق تطبيع بين الجانبين، كان عنوانه الأبرز الخشية من التهديد الإيراني كما يرى مراقبون، وكما حاولت جهات إماراتية تبريره.

ويعد تصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب دليلاً واضحاً على أهداف المحور الإماراتي-الإسرائيلي، إذ عقب على إبرام اتفاق تطبيع بين أبو ظبي وتل أبيب بالقول إن "التطبيع خطأ استراتيجي، وإيران لا تمزح بشأن أمنها ومواجهة أي تهديد تتعرض له".

وأضاف خطيب: "إسرائيل غير قادرة على ضمان أمنها، ولن تستطيع توفير الأمن للإمارات".

ولعل أحدث ما أثير حول العلاقات الإيرانية-الإماراتية هو فرض الإدارة الأمريكية عقوبات على شركتَي ألفا تك تريدينج وبتروليانس تريدينج اللتين تتخذان من الإمارات مقراً لهما، بسبب تسهيلهما تصدير منتجات بتروكيماوية إيرانية بواسطة شركة تريليانس للبتروكيماويات المحدودة التي استهدفتها واشنطن بعقوبات هذا العام.

لم تكن هذه أوّل عقوبات أمريكية تستهدف شركات إماراتية بسبب العلاقة مع إيران، إذ فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على خمس شركات إماراتية في مارس/آذار المنصرم، بتهمة نقل نفط إيراني وتجاوز الحظر الأمريكي.

وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في حينه إن هذه الشركات اشترت "مئات الآلاف من الأطنان المترية من المنتجات البترولية من شركة النفط الوطنية الإيرانية"، بزعم أنها جاءت من العراق أو عن طريق إخفاء منشئها.

وفي ظل التوتر المزعوم في العلاقات بين الجانبين، لا تزال الإمارات العربية المتحدة تحافظ على علاقات تجارية واسعة جداً مع إيران، بل تعد شريان الحياة الرئيسي لإيران في ظل العقوبات الأمريكية.

لمسنا انفتاحا في الإمارات لاستئناف أجواء التجارة مع إيران

رئيس رابطة التجار الإيرانيين في الإمارات - عبد القادر فقيهي

تبادل تجاري واسع

واحتلت الإمارات المرتبة الثانية في سلم أكبر مصدِّري البضائع إلى إيران بعد الصين الربع الأول من العام الجاري، فيما بلغ حجم التبادل بين الدولتين العام الماضي 11 مليار دولار منها 6 مليارات دولار صادرات إيران إلى الإمارات، حسب وكالة فارس.

ويتوقع الباحث الاقتصادي الإيراني مسعود طاهري مهر "زيادة حجم التبادل التجاري بين طهران ودبي مقارنة مع العام الماضي، في ظل عزم قيادات البلدين على خفض التوتر والتعاون في مجال ضمان الأمن واستقرار المنطقة".

وكان رئيس رابطة التجار الإيرانيين في الإمارات عبد القادر فقيهي قال الشهر الماضي: "لمسنا انفتاحاً في الإمارات لاستئناف أجواء التجارة مع إيران"، مضيفاً أنه وفقاً لتوجيهات المسؤولين في دبي سوف تجري إعادة منح التجار الإيرانيين التأشيرات التجارية.

وأشار مسعود طاهري مهر إلى أن إيران تسعى لزيادة صادراتها إلى الإمارات خلال العام الجاري، لتراجع "صادرات بلاده غير النفطية خلال العام الإيراني الماضي بنسبة 11% مقارنة مع العام الذي سبقه".

علاقات عسكرية وأمنية

بينما يزداد التوتر بين السعودية التي باتت تُمثّل حلفاً مناوئاً لإيران تندرج الإمارات في إطاره بشكل مباشر، يبدو أن مسار العلاقات العسكرية والأمنية بين أبو ظبي وطهران لا يزال يتسع، وأبرز ما وضّح تلك الصورة وكشف حقيقة العلاقات هي الزيارة التي أجراها قائد قوات خفر السواحل الإماراتي محمد علي مصلح الأحبابي إلى طهران منتصف 2019، والتقى خلالها قائد قوات حرس الحدود الإيراني قاسم رضائي، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الخليج، في ظل حالة العداء المتنامي لإيران هناك.

وحسب وكالة الأنباء الإيرانية اتفق الجانبان خلال اللقاء على تعزيز العلاقات وضمان أمن مياه الخليج وأمن الحدود بين البلدين، وقال قائد قوات حرس الحدود الإيراني: "سبق لنا أن أقمنا علاقات تاريخية عريقة وفي مختلف الأصعدة والمجالات مع الإمارات، وهذه العلاقات اليوم متواصلة".

وأشار إلى أنه "من شأن هذا اللقاء أن يشكل انطلاقة لبلوغ مستوى أمني جيد، وأن النهوض بمستوى العلاقات الثنائية يسهم في توفير الأمن المستدام لشعبَي البلدين".

بدوره أعرب قائد قوات خفر السواحل الإماراتي عن ترحيبه بتنمية العلاقات الحدودية بين البلدين، وفق الوكالة الإيرانية.

وأكد "ضرورة الرقي بمستوى العلاقات الحدودية ومواصلة الإجراءات المشتركة والتنسيق المستدام بهدف تأمين التجارة وسلامة الملاحة البحرية".

وكان توتر في العلاقات طرأ منذ بدء الحرب في اليمن قبل خمس سنوات شاركت فيها الإمارات ضمن تحالف تقوده السعودية إذ شاركت الإمارات في استهداف عناصر الحوثيين الذين تدعمهم إيران هناك، بيد أن أبو ظبي فاجأت إيران والمجتمع الدولي مطلع العام الجاري بإعلانها سحب المزيد من قواتها من أرض اليمن، وهو ما عدّه مراقبون مساعي إماراتية لتجديد العلاقات مع إيران ورفع مستواها.

مطلع عام 2019 تعرضت أربع نقالات نفط لهجوم مقابل ميناء إيراني، وأشارت الولايات المتحدة وجهات أخرى بأصابع الاتهام إلى إيران إلا أن الإمارات وحدها من بقيت مُحافِظة على صمتها المطبق إزاء الحادثة واكتفت بالدعوة لضبط النفس.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني نقلاً عن مصادر أمنية إماراتية أن مستشار الأمن القومي للإمارات طحنون بن زايد نفذ زيارة سرية لإيران بعد هذه الحادثة، مشيراً إلى أن مهمته جاءت في إطار اتباع الإمارات العربية المتحدة نهجاً أكثر ليونة مع طهران.

ويشير الموقع إلى أن الإمارات كانت قد أظهرت أكثر من علامة على مواصلتها لعلاقاتها مع إيران، كما أعلنت نيتها سحب قواتها من اليمن، بل وعملت على إرسال ضباط البحرية للقاء نظرائهم في إيران.

التصعيد مع إيران لا يصبّ في مصلحة أي طرف، ولذلك نأمل من خلال الجهود أن نوجد انفتاحاً لوضع عملية سياسية ذات مغزى، تعمل على معالجة القضايا الأمنية في المنطقة

وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية - أنور قرقاش

ويبدو واضحاً سعي الإمارات لتخفيف حدة التوتر الخليجي مع إيران عبر فتح قنوات أمنية وتجارية وسياسية بينها وبين طهران، وفي هذا السياق قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش خلال كلمة في افتتاح أعمال ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي السادس إن "التصعيد مع إيران لا يصبّ في مصلحة أي طرف، ولذلك نأمل من خلال الجهود أن نوجد انفتاحاً لوضع عملية سياسية ذات مغزى، تعمل على معالجة القضايا الأمنية في المنطقة".

ويرى مدير تحرير موقع "ميدل إيست آي" ديفد هيرست أن "المسؤولين الإيرانيين يميزون بوضوح بين الإماراتيين والسعوديين. وما يمكننا قوله بالتأكيد هو أن الإماراتيين لا يسعون نيابة عن الرياض. إنهم يسيرون لصالحهم بكل تأكيد".

ويضيف في تصريحات لـTRT عربي: "من الواضح جداً أن الإمارات تعطي مؤشرات قوية لإيران على أنهم ليسوا ضمن تحالف مُعادٍ تماماً لهم".

ويعد أبرز ما يظهر التناقضات في السياسة الإماراتية هو اللقاء المفاجئ الذي عقد بين وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف عبر تقنية الفيديو كنفرنس في أغسطس/آب الماضي، وهي الفترة الزمنية نفسها التي بدأت تلوح فيها معالم التقارب الإماراتي مع إسرائيل.

وأشارت الخارجية الإيرانية في حينه إلى أن الجانبين بحثا العلاقات الثنائية بين طهران وأبو ظبي والمستجدات في المنطقة، وأكدا استعداد البلدين لتعزيز التعاون بينهما في مختلف المجالات.

وقال ظريف إن بعض الأطراف قد تستغل الوضع الحالي في المنطقة لضرب الأمن والاستقرار فيها، وإن على دول الجوار أن تعمل على ضمان الأمن والاستقرار.

وقد وصف وزير الخارجية الإيراني في تغريدة على تويتر محادثته مع نظيره الإماراتي بالودية والصريحة.


TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً