رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد توفيق علاوي يدير البلاد إلى حين إجراء انتخابات تشريعية مبكرة (Reuters)
تابعنا

بعد نحو شهرين من استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي بضغط من المظاهرات الشعبية التي خرجت مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن محمد توفيق علاوي وزير الاتصالات العراقي الأسبق السبت، أن رئيس الجمهورية برهم صالح كلّفه تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.

علاوي الذي سيدير البلاد إلى حين إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، طالب المتظاهرين بالاستمرار في احتجاجاتهم دعماً لحكومته من أجل تحقيق الإصلاحات التي يطالبون بها، لينقذ العراق من الفراغ الدستوري المستمر منذ أن انتهت في 16 ديسمبر/كانون أول الماضي، المهلة أمام رئيس الجمهورية لتكليف مرشح تشكيل الحكومة المقبلة، جرّاء الخلافات العميقة بين القوى السياسية بشأن المرشح لرئاسة الحكومة.

وأفاد رائد المعموري مراسل TRT عربي في العراق بوجود مظاهرات حاشدة في محافظات عراقية عدة وإغلاق للطرقات، فيما تشهد جميع المحافظات الجنوبية تصعيداً كبيراً يلوح به المحتجون وقد يصل إلى إغلاق المؤسسات الحكومية.

وأضاف: "توجد اتهامات من قبل الناشطين لتيار الصدر بهيمنته على المطعم التركي ومنصته، الذي أصبح أيقونه لساحة التحرير"، مشيراً إلى تزايد بقعة الرفض لتكليف علاوي تشكيل الحكومة الجديدة.

لهذه الأسباب يرفضه الشارع

وعلى الرغم من تعهده بإجراء عدة إصلاحات وملاحقة الفاسدين ومحاسبة قتلة المتظاهرين وتقديمهم للعدالة، وتأمين الحماية للاحتجاجات الشعبية، وتأكيد رفضه أي إملاءات من الأحزاب في ما يتعلق بوزراء حكومته، مهدداً بأنه سيرفض تكليفه في حال حصول ذلك، فإن الشارع العراقي طالب بإسقاطه فور الإعلان عن تكليفه.

"أتعهد بحماية المتظاهرين السلمين وإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء، أتعهد بالعمل الحثيث من أجل التهيئة لإجراء انتخابات مبكرة حسب الآليات الدستورية، أتعهد بحماية العراق من أي تدخل خارجي".

رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد علاوي

وبرزت انتقادات حادة تكللت بمظاهرات غاضبة انطلقت في الميادين وعبر مواقع التواصل الاجتماعي التي دشنت وسم #يسقط_محمد_توفيق_علاوي، معتبرين ترشيحه يتعارض مع مطالبهم، إذ إن علاوي تولى سابقاً مناصب رفيعة، وهو ما لا ينسجم مع شروط الاحتجاجات التي تطالب برحيل كل النخبة السياسية المتهمة بالفساد ومحاستبها.

وكانت الجنسية البريطانية التي يحملها علاوي سبباً آخر لرفضه من قِبل الشارع، وقد تعهد بالتنازل عنها إذا رغب الشارع في ذلك، بالإضافة إلى انتماء الوزير السابق إلى أحزاب السلطة، وهنا تبرز أهم أسباب رفضه، لا لشخصه كما يقول المتظاهرون، بل للأحزاب التي تدعمه والتي يعتبرها الشارع سبباً في خراب البلاد.

ويظهر التناقض في بيان رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر، الذي أبدى فيه تأييده لاختيار علاوي رئيساً للوزراء، إذ قال إن "الشعب هو من اختاره" وإن هذه "خطوة جيدة" للعراق، وعاد ليختم بيانه بكلام مناقض عندما قال: "أتمنى أن يكون تكليف رئيس الجمهورية للأخ محمد علاوي مقبولاً ومَرْضيّاً من الشعب".

ويتعين على علاوي تشكيل حكومة جديدة خلال شهر، لكن يرجح مراقبون أن يتعثر بين الأحزاب التي تتنافس على مناصب وزارية مما يطيل الأزمة السياسية، حسب وكالة رويترز، إذ إنه سيتعامل مع أكبر كتلتين متنافستين في البرلمان، الأولى التي يقودها رجل الدين الشيعي الشعبوي مقتدى الصدر والأخرى التي تتشكل من الأحزاب المدعومة من إيران ولديها صلات بجماعات شبه عسكرية قوية، لكن علاوي الذي تعهد بتشكيل حكومة مستقلة عن الأحزاب من وزراء تكنوقراط ليس من السياسيين الشيعة المرتبطين بعلاقات وطيدة مع طهران.

هل ينفذ علاوي تعهداته؟

ووسط الأزمة التي يعيشها العراق والتدخلات الخارجية والقبضة الأمنية التي أطاحت بسلمية المظاهرات وأدت إلى قتل مئات المحتجين، برزت تساؤلات فيما إذا كان باستطاعة علاوي تحقيق التعهدات أم أنها مجرد شعارات.

ويرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري في حديث لـTRT عربي، أن الأجواء التي رافقت مسيرة حكومة عبد المهدي وقبلها حكومة العبادي في المحاصصة والفساد ونفوذ بعض الكتل السياسية واحتكارها للدولة، لا تزال ذاتها، معتقداً أن استمرار تلك الأجواء سيقف في طريق التعهدات التي أطلقها رئيس الوزراء المكلف.

ويرجح الشمري سبب رفض الشارع لعلاوي، لاعتقاده أنه مرشح للأحزاب وهذا يتنافى مع المعايير التي يطالبون بها، مشيراً إلى أنه ومع هذا الرفض ستكون في تنفيذ التعهدات صعوبة.

ويضيف: "المشكلة ليست بشخصية رئيس الوزراء المكلف وتعهداته بل بمن يقف خلفه، فالأحزاب لا تحظى بثقة الشعب العراقي، وهو الآن أمام تحدي في ترجمة الوعود بشكل سريع إذا نجح في تشكيل الحكومة".

وينوه الشمري بأن "دعم التيار الصدري له مباشرة يأتي في إطار التفاهمات، وهي المعادلة ذاتها التي جاءت برئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، وهذا في حد ذاته يمثل نقطة خلاف مع ساحات التظاهر".

مَن علاوي؟

ودخل محمد توفيق علاوي (65 عاماً) السياسي الشيعي العلماني المستقل، المعترك السياسي ضمن قائمة إياد علاوي عام 2005، وبقي معها بمختلف أسمائها: القائمة العراقية، والقائمة الوطنية، وائتلاف الوطنية.

وفاز بعضوية البرلمان لدورتين متتاليتين، 2006 و2010، قبل أن يُكلَّف بحقيبة الاتصالات في الدورتين 2006-2007 و2010-2012، لكنه استقال من المنصب في المرتين احتجاجاً على "التدخل السياسي لرئيس الحكومة آنذاك نوري المالكي في شؤون وزراته".

ويتصف علاوي بأنه متدين وذو طباع هادئة، ينتمي إلى الأرستقراطية الشيعية، وهو ابن عم إياد هاشم علاوي أول رئيس وزراء انتقالي بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وعلي عبد الأمير علاوي وزير التجارة والدفاع الأسبق.

ولد علاوي في بغداد عام 1954، وأنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية هناك، ثم التحق بكلية الهندسة المعمارية في جامعة بغداد، لكن في السنة النهائية ترك الجامعة بعد فراره من العراق إلى لبنان، خشية تعرضه للاعتقال خلال موجة اعتقالات في 1977 التي شملت معارضين لنظام الرئيس الراحل صدام، ليلتحق بالجامعة الأمريكية في العاصمة اللبنانية بيروت وينال شهادة البكالوريوس في الهندسة المعمارية عام 1980.

وكان توجهه إسلامياً وقريباً من رجل الدين الشيعي محمد باقر الصدر، أحد مؤسسي حزب "الدعوة" الذي أعدمه صدام عام 1980، وانتمى إلى هذا الحزب لفترة وجيزة، لكنه تركه عندما اختلف مع الصدر، وتنبى مفهوم الدولة المدنية وفصل الدين عن الدولة.

وتزايدت الخلافات بين علاوي والمالكي منتصف 2012، عندما شارك الأول في اجتماعين لقوى سياسية في مدينتَي أربيل والنجف لسحب الثقة من حكومة المالكي، حسب وكالة الأناضول.

ونتيجة هذه الخلافات شُكلت لجان تحقيق عديدة بشأنه، وأصدر القضاء، في وقت لاحق، حكماً بسجنه لمدة 7 سنوات بتهمة هدر المال العام، حسب علاوي الذي ترك العراق جراء هذه الخلافات، ثم عاد نهاية 2014، وواجه تلك التهم القضائية، وكان قرار المحكمة النهائي هو إسقاط جميع الأحكام الصادرة بحقه لعدم صحتها.

طلاب جامعيون في العراق يحرقون صورة لمحمد توفيق علاوي معلنين رفضهم تكليفه رئيساً جديداً للوزراء (Reuters)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً