أجرت السلطات الاستعمارية 17 تجربة نووية في المجمل تحت الصحراء الجزائرية وفوقها بين عامَي 1960 و1967 (Reuters)
تابعنا

بعد ثلاث عمليات في منطقة رقان جنوبي غرب الجزائر: "اليربوع الأزرق" و"اليربوع الأبيض" و"اليربوع الأحمر" التي نفذت جميعها عام 1960، كانت فرنسا تُنهي عملية "اليربوع الأخضر" الرابعة نهاية أبريل/نيسان 1961 التي تصادف ذكراها الستين هذه الأيام.

لم تتوقف التجارب النووية الفرنسية عند هذه العمليات، إذ أجرت السلطات الاستعمارية 17 تجربة نووية في المجمل، تحت الصحراء الجزائرية وفوقها بين عامَي 1960 و1967، تسببت في مقتل 42 ألف جزائري وإحداث عاهات مستديمة بسبب الإشعاعات النووية التي لا تزال تلوث المكان حتى اليوم.

الجزائر حقل تجارب لطموح فرنسا

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كانت فرنسا تسعى بكل ما أوتيت من قوة ضئيلة وهي الجريحة حينها، لتدخل نادي الدول النووية. إذ كثّفت منذ 1945 جهودها لتطوير قنبلة نووية وبدأت تجارب بيولوجية تحت اسم "تجارب علمية"، وتلقت لهذا الغرض مساعدات إنجليزية وإسرائيلية ومباركة أمريكية-أطلسية (حلف شمال الأطلسي "ناتو") لاحقاً.

يوم 13 فبراير/شباط 1960 سيكون شاهداً على تمكُّن فرنسا أخيراً من تنفيذ تفجيرات نووية، وستكون صحراء الجزائر أرضاً لها، لتستمر في تنفيذ تفجيرات نووية في الجنوب الجزائري حتى 1966".

وكشفت صحيفة إندبندنت البريطانية قبل أسابيع عن إجراء فرنسا 17 تجربة نووية في الجزائر بين عامَي 1960 و1967، من بينها 11 اختباراً في منشآت عسكرية فرنسية على الأراضي الجزائرية بعد حصول البلاد على استقلالها عام 1962.

ووفقاً لتقديرات اللجنة الفرنسية التابعة للحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية، فإن كثيراً من النفايات ومخلفات تلك التجارب بما في ذلك الدبابات والمروحيات والطائرات التي استخدمت آنذاك لا تزال مدفونة في الرمال وتعادل 3 آلاف طن.

ولا تزال الإشعاعات التي تتسرب من تلك المعدّات تشكل خطراً على البيئة والسكان والمحاصيل والماشية بعد مرور عقود على التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، فيما لم تكشف الحكومة الفرنسية عن تفاصيل هذه النفايات المدفونة في الرمال أو مواقعها إلى اليوم.

ويقول المؤرخ الجزائري عامر رخيلة إن "التقارير الفرنسية السرّية، المعلنة بداية القرن الحالي، وشهادة جزائريين من أبناء الجنوب، كشفت أن القوات الاستعمارية التي أشرفت على التفجيرات استعملت أسرى جزائريين فئران تجارب للانعكاسات التي تتركها أشعة النووي على الإنسان ومختلف أنواع الحيوانات".

وشدد رخيلة على أن "الجريمة كانت بشعة عبر آثارها المباشرة وأثبتت السنوات أنها مستمرة"، وأردف: "مئات المواليد ولدوا مشوهين، والكثير من الأصحَّاء أصبحوا عرضة لأمراض مزمنة، فضلاً عن الآثار على النباتات والمياه السطحية والجوفية".

وأفاد بأن "الدراسات الأكاديمية أكدت أن آثار جرائم فرنسا النووية بين 1960 و1966 لا تتوقف في الحدود الجزائرية، بل ستمتد وعبر ملايين السنين لتمس إفريقيا وآسيا وأوروبا"، واستطرد: "هذه القارات الثلاث ستظل عرضة للإشعاعات النووية وستلعب الرياح الدور الرئيس في سحب الإشعاعات التي ستظل تسبح في الفضاء لملايين السنين حسب العلماء".

هذا الأمر أثبته بيير باربي الباحث الفرنسي في جامعة "كان"، قائلاً إن "الرياح التي شهدتها فرنسا مؤخراً (مطلع مارس/آذار الماضي) حملت معها إشعاعات نووية وقدمت من صحراء الجزائر".

وأضاف باربي وهو خبير في الحماية من الإشعاعات النووية أن "سماء فرنسا كانت مغطاة بلون برتقالي بسبب رمال الصحراء التي جلبتها الرياح"، وأفاد بأن الرمال تحتوي على مادة "السيزيوم 37" المشعة، وهي تعود إلى بداية ستينيات القرن الماضي، عندما أجرت فرنسا تجارب نووية في صحراء الجزائر.

لا خرائط ولا تعويضات ولا اعتذار

ظل ملف التجارب النووية الفرنسية موضوع مطالب جزائرية رسمية وأخرى من منظمات أهلية، من أجل الكشف عن أماكن النفايات وتعويض الضحايا من قتلى ومواطنين تعرضوا لعاهات مستديمة بسبب الإشعاعات.

مطلع الشهر الجاري كان لافتاً تصريح رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة الذي طالب فرنسا بتسليم بلاده خرائط حول أماكن التجارب النووية التي أجريت في صحراء بلاده في ستينيات القرن الماضي لتطهير المنطقة من الإشعاعات.

طلب رئيس أركان الجيش الجزائري كان على هامش استقباله رئيس أركان الجيوش الفرنسية فرانسوا لوكوانتر، إذ قال في كلمة، جولة محادثات بينهما ينتظر أن تعقد خلال شهر مايو/أيار المقبل، بهدف "التكفل النهائي بعمليات إعادة تأهيل موقعي رقان وإن إكر (جرت فيهما التجارب)".

وطالب شنقريحة الجانب الفرنسي "بموافاتنا بالخرائط الطبوغرافية، لتمكيننا من تحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة أو الكيماوية غير المكتشفة حتى اليوم".

بعده بأيام دعا وزير الخارجية صبري بوقدوم فرنسا للتعامل بجدية بمعالجة موضوع التعويضات عن التجارب النووية، مؤكداً أن "الجزائر عانت من التجارب النووية التي نفذها الاستعمار على أراضيها، إذ خلفت هذه التجارب وفيات وأضراراً لدى الآلاف من الجزائريين علاوة على آثارها على البيئة"، حسب ما جاء خلال مشاركته في اجتماع خُصص للذكرى الـ25 لمعاهدة "بليندابا" (تهدف إلى خلق منطقة خالية من الأسلحة النووية بإفريقيا).

ففي تقرير أعده المؤرخ بنيامين ستورا بتكليف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال المؤرخ إن على فرنسا والجزائر أن يعملا معاً على تنظيف مواقع التجارب النووية في الجزائر، من دون أن يشير إلى ضرورة الاعتذار أو تقديم تعويضات.

في هذا الصدد يقول المؤرخ الجزائري محمد القورصو إن "فرنسا التي تجرأت على مثل هذه التجارب رغم إدراكها العواقب الوخيمة كان منظورها الاستعماري يقضي بأن الأهالي لا قيمة لهم، كأنهم فئران تجارب، وهذا غير مقبول في قاموس الإنسانية".

ويشدد في حوار مع موقع "المحور" الجزائري على أن فرنسا "مطالبة اليوم بمواجهة ماضيها في هذا الملف"، مذكِّراً بعدم التزام رئيسيها السابقين فرنسوا هولاند ونيكولا ساركوزي اللذين "وعدا بتطهير المواقع التي شهدت التجارب مع إنشاء مستشفى لمتابعة وضع المتضررين".

وتابع: "حان الوقت لتمكين الجزائريين من الاطلاع على الخرائط النووية وكذا أماكن ردم نفاياتها لتفادي جرائم أخرى مستقبلاً".

ويضيف المؤرخ الجزائري أن المعركة بين الجزائر وفرنسا حول التجارب النووية "سياسية وقانونية"، مؤكداً أن على "الجزائر أن تُعدّ ملفاً قانونياً حول الأضرار، وأن ترغم السلطات الفرنسية على مراجعة ما جاء في "قانون موران" بشأن تعويض ضحايا التجارب النووية، حسب ما جاء في مقابلة أخرى له مع إذاعة مونت كارلو.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً