بادرت الجزائر مؤخراً إلى خطوات لتعزيز العلاقات مع ما تُسمى قوى الشرق مثل الصين وروسيا / صورة: AA (AA)
تابعنا

بالرغم من أن الجزائر البلد المغاربي معروف منذ استقلاله عام 1962 بعلاقاته الجيدة مع ما كان يُعرف بالمعسكر الشرقي، فإن الظرف الدولي الراهن جعل تلك الخطوات توحي بأنه حسم خياراته الخارجية بشأن تنافس الأقطاب.

ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت المبعوثة الخاصة المكلفة بالشراكات الدولية الكبرى بوزارة الخارجية الجزائرية ليلى زروقي، أن بلادها قدّمت طلباً رسمياً للانضمام إلى مجموعة "بريكس" التي تضمّ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.

وفي انتظار أن تحسم دول المجموعة هذا الطلب خلال القمة القادمة عام 2023، فإن مسؤولين من أهم قطبين فيها، وهما الصين وروسيا، رحبوا بالرغبة الجزائرية في الانضمام.

ومنتدى "بريكس" منظمة دولية مستقلة يقول أعضاؤها إنهم يشجعون على التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي فيما بينهم.

اتفاقية استراتيجية مع الصين

وبعد أيام من طلب الانضمام إلى المجموعة، أعلنت الخارجية الجزائرية في 8 نوفمبر الماضي أنها وقعت اتفاقية تعاون استراتيجي مع الصين تمتد إلى 2026، وتشمل الاقتصاد والطاقة والفضاء والمجالات الثقافية.

ومنذ 2013 تحافظ الصين على صدارة المصدرين إلى الجزائر، إذ أزاحت فرنسا التي احتكرت هذه المكانة لعشرات السنين وتحولت بكين إلى الشريك التجاري الأول للجزائر.

وفي 2018 انضمت الجزائر إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وفي مارس/آذار 2022 أعلن البلدان التوصل إلى توافق على "الخطة التنفيذية للبناء المشترك للمبادرة والتي ستُوقَّع بأقرب فرصة".

زيارة تبون إلى موسكو

وبالتزامن مع هذه الخطوة، تحضّر روسيا والجزائر لزيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى موسكو قبل نهاية العام الجاري.

وكشف وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة لوكالة "سبوتنيك" الحكومية الروسية، في 11 نوفمبر الماضي، أنه "يجري الإعداد لهذه الزيارة، وهي مهمة لكلا بلدينا"، و"نأمل أن تكون زيارة الرئيس تبون إلى روسيا بداية مرحلة جديدة في علاقاتنا".

وقبل أيام بحث قائد الجيش الجزائري سعيد شنقريحة التعاون العسكري الثنائي مع مدير الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري التقني الروسية ديمتري شوغاييف الذي زار الجزائر للمرة الثانية منذ بداية 2022.

وحسب تقارير دولية تعد الجزائر ثالث مستورد للسلاح الروسي في العالم، فيما تعتبر موسكو أول مموّل للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة الحربية بنسبة تفوق 50%.

وأظهرت هذه الخطوات الجزائرية توجهاً رسمياً لتعزيز العلاقات مع محور الشرق المتمثل في روسيا والصين، وذلك في ظل حالة استقطاب حادة بين موسكو والكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير/شباط الماضي.

لكن المسؤولين في الجزائر يرددون مع كل خطوة نحو الشرق أن السياسة الخارجية للبلاد مبنية على مبدأ التوازن في العلاقات مع مختلف الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، ورفض تدخل البلدان الأخرى في شؤون الجزائر.

على مفترق طرق

في 21 نوفمبر الماضي، قالت السفيرة الأمريكية لدى الجزائر إليزابيت مور أوبين، إن البلدَيْن يربطهما "حوار استراتيجي حول مختلف قضايا التعاون والشؤون الإقليمية".

وأكدت أوبين، في مؤتمر صحفي بمقر السفارة، أن أهم ملفات العلاقات هي "التعاون الأمني والجهود المشتركة ضد الإرهاب والشراكة الاقتصادية".

وتحت عنوان "سياسة الجزائر الخارجية على مفترق طرق" نشر معهد واشنطن للدراسات في أغسطس/آب الماضي دراسة للباحث فاسيليس بتروبولوس المتخصص في النزاعات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وبعد سرد الباحث جوانب السياسة الخارجية للجزائر تجاه القوى الدولية والإقليمية خلص إلى "أنها ربما تعيش أهم لحظة في تاريخها الدبلوماسي منذ نهاية الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي".

والجزائر والمغرب جاران بينهما ملفات خلافية أبرزها إقليم الصحراء الذي يتنازع بشأن السيادة عليه كل من الرباط وجبهة اليوليساريو المدعومة من الجزائر.

أوروبا والغاز الجزائري

"لماذا تحتاج واشنطن إلى نهج أكثر ودية تجاه هذا المنتج الرئيسي للغاز"، تحت هذا العنوان كتب الباحث المختص في شؤون الأمن والطاقة جيمس دورسو مقالاً في 12 نوفمبر الماضي بموقع "أويل برايس" عن علاقات واشنطن بالجزائر.

وقال دورسو إن أوروبا بصفتها أول زبون للغاز الطبيعي الجزائري يمكن أن تكون مدافعاً فعالاً عن الجزائر في واشنطن إذا تمكنت من جعل الإدارة الأمريكية تفهم أن مصلحة الولايات المتحدة في "أوروبا آمنة" تخدمها على أفضل وجه أن تكون الجزائر ودية مع واشنطن ولكنها مستقلة وتسعى فقط للتقدم بنفسها عبر علاقات الاحترام المتبادل مع الشركاء العمليين.

تنوع وتوزان في التعاون

أما المحلل السياسي رضوان بوهيدل فاعتبر أن "القول إن الجزائر تفضل طرفاً على آخر في هذه المرحلة هو خطأ، فهي تحاول أن تنوع في شراكاتها وتعاونها الاستراتيجي وحتى التعاون العادي مع عدد من الدول سواء أوروبا والولايات المتحدة أو الصين وروسيا".

وأضاف في حديث للأناضول، أن "السياسة الخارجية الحالية امتداد لما كانت عليه في فترات سابقة، وهي محاولة الموازنة في العلاقات الاستراتيجية مع المعسكر الشرقي سابقاً من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى".

وجراء الحرب الروسية-الأوكرانية باتت دول الغرب بحاجة إلى إمدادات غاز طبيعي إضافية في ظل عقوبات غربية مشددة على قطاع الطاقة الروسي.

وتابع بوهيدل أن "العودة إلى الحديث عن طريق الحرير والانضمام إلى البريكس، وتوقيع اتفاقية للشراكة الاستراتيجية الشاملة مع بكين ستعطي دفعة لمبادرة الحزام والطريق، وتدفع بالجزائر قُدماً نحو التحول إلى دولة محورية اقتصادياً ودبلوماسياً في القارة الإفريقية".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً