تركيا تصبح مركزاً عالمياً لنقل واستخراج الغاز بفضل مشاريعها الأخيرة (AA)
تابعنا

خلال السنوات الأخيرة سعت تركيا على محاور متعددة للتحول إلى لاعب رئيسي في معادلة الطاقة العالمية، بالتحديد في مجال نقل الغاز الطبيعي واستخراجه، لتحتلّ مكانة متقدمة عالميّاً وتصبح أحد مراكز الطاقة على مستوى العالم.

السيل التركي.. المشروع العملاق

تشهد مدينة إسطنبول الأربعاء، مراسم افتتاح خط أنابيب السيل التركي المقرر أن ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا. ومن المنتظر أن يشارك فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

ففي نهاية 2014 أعلن الرئيس الروسي رسميّاً خلال زيارته لتركيا، عن مشروع السيل التركي.

والسيل التركي هو مشروع لبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى تركيا ودول أوروبية، مروراً بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية-اليونانية، حيث تقام مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم توريده للمستهلكين في شرق ووسط أوروبا.

ينطلق مشروع خط أنابيب السيل التركي من الأراضي الروسية ويعبر البحر الأسود، ليدخل الأراضي التركية عبر ولاية قرقلرألي في الشمال الغربي ثمّ إلى الأراضي اليونانية.

ويتألف المشروع من أنبوبين بقدرة 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنويّاً لكل منهما، من روسيا إلى تركيا مروراً بالبحر الأسود، بحيث يغذِّي الأنبوب الأول تركيا، والثاني دول شرقي وجنوبي أوروبا.

وأفاد تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية، يونيو/حزيران الماضي، بأن تركيا حقّقَت تقدُّماً كبيراً في ما يتعلق بأمن إمدادات الطاقة، وأشارت إلى استكمال المرحلة الأولى من مشروع خط أنابيب الغاز العابر للأناضول تاناب في يونيو/حزيران 2018، والجزء البحري من مشروع السيل التركي للغاز، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

تاناب.. مشروع العصر

أول المشاريع الاستراتيجية في هذا المجال كان مشروع "تاناب" الذي وقّعَته تركيا وأذربيجان عام 2012، وهو مشروع لنقل الغاز الطبيعي الأذري إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، ويُعَدّ خطوة استراتيجية مهمة إذ لعب دوراً محوريّاً لتأمين أنقرة لإمدادات الطاقة لنفسها ولأوروبا.

كما يتيح المشروع إمكانية نقل الدول المالكة لاحتياطي واسع من الغاز الطبيعي، وعلى رأسها دول منطقة بحر قزوين، مصادر الطاقة إلى الأسواق العالمية عبر تركيا.

في منتصف يونيو/حزيران 2018، افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول وسط تركيا، تاناب، المعروف بـ"مشروع العصر"، في ولاية أسكي شهير.

كما شارك الرئيس التركي ونظيره الأذري إلهام علييف نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، في مراسم ربط خط أنابيب تاناب الذي يعبر الأراضي التركية، مع خط أنابيب تاب العابر للبحر الأدرياتيكي، وهو أحد فروع البحر المتوسط الذي يفصل شبه الجزيرة الإيطالية عن شبه جزيرة البلقان.

وأكّد الرئيس التركي خلال المراسم أن "تاناب هو مشروع إقليمي ومشروع للسلام"، مشيراً إلى أنه يمثل أهم جزء من ممر الطاقة الممتد من أذربيجان إلى أوروبا بطول 3 آلاف و500 كيلومتر.

وأوضح أردوغان أن تركيا تهدف من خلال تاناب إلى ضمان تأمين احتياجاتها من الطاقة، فضلاً عن المساهمة في تأمين إمدادات الطاقة لأوروبا.

الباحث في قسم الاقتصاد بكلية العلوم السياسية في جامعة "يلدريم بايزيد" بأنقرة إسماعيل كافاز، أكّد أن تركيا اقتربت من تحقيق هدفها بأن تصبح مركزاً للطاقة مع افتتاحها مشروع تاناب.

وقال كافاز في مقال على وكالة الأناضول: "بفضل موقعها الجغرافي المهمّ، ستحصل تركيا على دور فاعل في أسواق الطاقة الدولية مستفيدة من مزايا مشاريع الطاقة، مثل مشروع تاناب، المعروف أيضاً بـ(طريق الحرير الخاص بالطاقة)". وأضاف: "بذلك، ستصبح تركيا مساراً استراتيجيّاً لنقل الغاز، تماماً كما كانت بفضل طريق الحرير التاريخي".

وحتى 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بلغ حجم الغاز الذي وصل إلى تركيا عبر تاناب أكثر من 3 مليارات متر مكعب.

ويمتدُّ تاناب من الحدود التركية مع جورجيا، عبر 20 ولاية تركية، وينتهي عند الحدود اليونانية في ولاية أدرنة، وتبلغ طاقته السنوية 16 مليار متر مكعب، ستوصَّل 6 مليارات منها إلى تركيا وتُخصَّص المليارات العشرية المتبقية للأسواق الأوروبية عبر تاب.

شرق المتوسط واتفاق مع ليبيا

في إطار توسيع أنقرة مصادر الطاقة لديها وتنويعها، ومساعيها للحفاظ على حقوقها وحقوق جمهورية شمال قبرص التركية، أطلقت تركيا سفينة "فاتح" للتنقيب في شرقي المتوسط في أكتوبر/تشرين الأول 2018، ولحقت بها سفينة "ياووز" نهاية يونيو/حزيران الماضي.

وتترقب تركيا وشمال قبرص التركية نتائج أعمال التنقيب عن الغاز الطبيعي شرقي المتوسط، كما يعقد البلدان آمالًا عريضة على النتائج، إذ من شأنها تقليل فاتورة الطاقة، وصولاً إلى التصدير، فضلاً عن المكاسب الاستراتيجية وتوسيع دائرة الاستثمارات والشراكات.

ومطلع الشهر الجاري، أُعلِنَ عن توقيع مذكرتَي تفاهم حول "التعاون السياسي والأمني" و"ترسيم الحدود البحرية" بين تركيا وليبيا، إثر الاجتماع الذي جمع بين الرئيس التركي ورئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج.

التوقيع بين الجانبين جاء بعد خطوات أحادية لدول مطلة على شرق المتوسط، في محاولة لاستبعاد تركيا وشمال قبرص التركية، والاستيلاء على مصادر الطاقة في المنطقة، عبر تشكيل منتدى غاز شرق المتوسط في القاهرة في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، الذي جاء نتيجة لتعزيز التعاون بين كل من إسرائيل ومصر واليونان وإدارة جنوب قبرص اليونانية، واستثنى تركيا وشمال قبرص التركية وليبيا فضلاً عن لبنان وسوريا.

وردّاً على محاولات عزلها، لم تكتفِ تركيا، التي تُعتبر شواطئها الأطول في منطقة شرق المتوسط، بالتنديد بهذه المحاولات، بل اتخذت عديداً من الخطوات على المستويات الدبلوماسية والسياسية والميدانية لتكريس دورها في شرق المتوسط.

في هذا السياق تأتي مذكرة التفاهم الأخيرة بين ليبيا وتركيا متسقة مع السياسة التركية تجاه شرق المتوسط، وتسعى تركيا من خلال هذا الاتفاق إلى تحقيق عديد من الأهداف لإثبات دورها في المنطقة في وجه محاولات عزلها الإقليمي كما يقول الكاتب بلال سلايمة الباحث المساعد في مركز سيتا للأبحاث.

ويؤكد سلايمة في مقال لـTRTعربي، أن "الاتفاق التركي-الليبي لترسيم مناطق لنفوذ البحرية يمثل علامة فارقة في الصراع الإقليمي المستمر في منطقة شرق المتوسط، إذ ساهم الاتفاق في إعادة خلط الأوراق في وجه مساعي محور اليونان-مصر-إسرائيل لعزل تركيا في المنطقة".

وعقب التوقيع على الاتفاقية قال الرئيس التركي إن اليونان ومصر وإسرائيل لا يمكنها التنقيب في البحر المتوسط دون إذن تركيا بعد توقيع مذكرة التفاهم التركية-الليبية.

وأكّد أردوغان خلال مقابلة تليفزيونية مع شبكة TRTقبل نحو أسبوع، أنه لا يمكن للاعبين الدوليين الآخرين تنفيذ أنشطة بحث وتنقيب في المناطق التي حدَّدَتها تركيا بموجب الاتفاق مع ليبيا، دون موافقة أنقرة.

وأضاف: "لا يمكن لإدارة جنوب قبرص اليونانية ومصر واليونان وإسرائيل إنشاء خطّ نقل غاز طبيعي من هذه المنطقة دون موافقة تركيا، لن نتساهل بهذا الصدد، وكل ما نفعله متوافق بالتأكيد مع القانوني البحري الدولي".

كذلك أكّد أنه يمكن لتركيا وليبيا إجراء أنشطة تنقيب مشتركة في المناطق الاقتصادية الخالصة قبالة شواطئ قبرص التركية في منطقة تضمّ حقول غاز كبيرة، مشدِّداً على أن بلاده أظهرت للعالم من خلال الاتفاق البحري مع ليبيا عزمها على حماية حقوقها بموجب القانون الدولي.

جانب من أنابيب خط السيل التركي لنقل الغاز الطبيعي (AA)
حدود تركيا وليبيا حسب الاتفاق الأخير بينهما (TRT Arabi)
TRT عربي
الأكثر تداولاً